"نوافذ النبيذ" التاريخية في فلورنسا الإيطالية تفتح من جديد.. ما السبب؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في عصر فيروس كورونا، يتعين على المطاعم والحانات في جميع أنحاء العالم إعادة التفكير في طرق للتعامل مع الزبائن وتطبيق الإجراءات الاحترازية أثناء الجائحة.
وفي مدينة فلورنسا الإيطالية، يتطلع البعض إلى الماضي، من خلال استخدام نوافذ النبيذ التي تعود إلى قرون لتوزيع الطعام والشراب.
وقد تفوتك هذه الفتحات الصغيرة، المسماة "buchette del vino"، والتي تعني حرفياً باللغة الإيطالية "ثقوب النبيذ الصغيرة". وقد استخدمت النوافذ الصغيرة لبيع النبيذ الجاهز خلال فترة عصر النهضة، وكان الغرض منها أن تكون بدائل مباشرة ورخيصة للمستهلك عن الحانات وأوكار الشرب الأخرى، كما أنها كنت تعد طريقة سرية للتجار لتجنب دفع الضرائب على المشروبات الكحولية التي كانوا يبيعونها.
وكان هؤلاء التجار من النخبة في فلورنسا، وكان لدى الكثير نوافذ طويلة مبنية في الجدران المواجهة للشارع في مساكنهم الفخمة، والتي عادةً ما تكون بجوار المدخل الرئيسي.
وبالعودة إلى القرن السادس عشر، كان عدد من الأرستقراطيين في المدينة من كبار منتجي النبيذ في المناطق الريفية المحيطة. وسمحت لهم "نوافذ النبيذ" ببيع مشروباتهم الكحولية مباشرة من أقبية منازلهم إلى أي شخص، مع تقليل الحاجة إلى الاتصال الجسدي.
وفي شهر مايو/ أيار الماضي، مع قيام إيطاليا بتخفيف الإغلاق الذي دام لمدة شهرين، قررت العديد من شركات المأكولات والمشروبات في فلورنسا، التي تصادف وجودها في أماكن تضم نوافذ النبيذ، إعادة فتحها مستفيدة من جانب الحد الأدنى من الاختلاط في تصميمها، ومنذ ذلك الحين، يتم تقديم المشروبات الكحولية والمقبلات، والآيس كريم، والشطائر من خلال الفتحات على مسافة آمنة.
إحياء تقليد فلورنسي
وكان متجر "Gelateria Vivoli"، أحد متاجر بيع المثلجات الإيطالية "الجيلاتي" الشهيرة في فلورنسا، من أولى الشركات التي استفادت من نافذة النبيذ الخاصة بها خلال وباء فيروس كورونا. وتتميز نافذة النبيذ الخاصة بها بإطار من الحجر الرمادي حول فتحة خشبية صغيرة.
وقالت جوليا فيفولي، مالكة الجيل الرابع لمتجر بيع المثلجات الإيطالية "الجيلاتي" في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: "اخترنا استخدام نافذة النبيذ الخاص بنا خلال كوفيد-19 كإجراء وقائي ولإضفاء البسمة على المارة".
وأضافت فيفولي أنهم فتحوا النافذة في الماضي، إلا أن إعادة استخدامها خلال هذه الفترة بالتحديد بدا مناسباً بشكل خاص.
وقام صاحب مطعم "Osteria delle Brache"، ويدعى ناجي كمال، بفعل ما فعلته فيفولي بعد فترة وجيزة.
وقال كمال في مقابلة عبر الهاتف: "لدينا واحدة من أقدم نوافذ النبيذ في فلورنسا"، مشيراً إلى أن إعادة فتحها خلال هذا الوقت الصعب أثبت أنه مفيد للغاية وأظهر بالفعل أن بعض التقاليد لا تموت أبداً".
وأوضح كمال أنه لمدة أربعة قرون، كانت نوافذ النبيذ إحدى الطرق المفضلة للحصول على النبيذ، إذ وفرت مجالاً للتعاملات أثناء التنقل وطريقة تبادل مريحة ومباشرة بين البائع والزبون، مضيفاً أن هذا "بالضبط ما نحتاجه جميعاً للتعامل مع الزبائن وسط جائحة فيروس كورونا.
وكانت نوافذ النبيذ بمثابة أماكن تداول آمنة خلال الأزمات الصحية. ووفقاً لوثيقة من عام 1634، كانت نوافذ النبيذ تستخدم على نطاق واسع خلال تفشي الطاعون الإيطالي، الذي اجتاح شمال ووسط إيطاليا، بما في ذلك فلورنسا، بين عامي 1629 و1631.
تراث ثقافي صغير
ويوجد اليوم ما يقدر بنحو 180 نافذة نبيذ في فلورنسا، على الرغم من أنه يعتقد أن المئات منها قد انتشرت في المدينة في القرنين السادس عشر والسابع عشر. كما عثر على المزيد منها في مدن أخرى في توسكانا، من بيستويا إلى سيينا. ومع ذلك، لا يزال عدد قليل منها يعمل كنوافذ للنبيذ.
وفي مطلع القرن العشرين، مع تغير القوانين الخاصة ببيع النبيذ وتحويل العديد من القصور الأرستقراطية إلى مباني سكنية متعددة الشقق، أصبحت نوافذ النبيذ قديمة، وغالباً ما تكون مقفلة، أو تحولت إلى صناديق بريد وأجراس للأبواب. وفُقدت العديد من نوافذ النبيذ الخشبية خلال الفيضانات المدمرة التي دمرت المدينة في عام 1966، وبسبب نقص جهود الحفاظ عليها.
وفي عام 2015، تأسست المنظمة الثقافية "buchette del vino" لتحديد ورسم خريطة والحفاظ على نوافذ النبيذ المتبقية في المنطقة.
وفي مقابلة هاتفية، قال ماتيو فاجليا، رئيس وعضو مؤسس في "buchette del vino": "إلى جانب استخدامها، الذي كان فريداً في توسكانا وفلورنسا على وجه الخصوص، فإن نوافذ النبيذ تعد بقايا صغيرة وأساسية من فن العمارة في عصر النهضة".
وأوضح فاجليا أن كل نافذة تبرز الأذواق والأنماط المعمارية للعائلات والمباني للفترة التي تنتمي إليها.
وبينما تشترك معظم نوافذ النبيذ في شكلها المقوس، والذي قال فاجليا إنها كانت بمثابة علامة مميزة لعامة الناس، فإن كل نافذة نبيذ تختلف عن الأخرى. إذ بعضها محاط بإطارات حجرية ملونة، والبعض الآخر مصنوع من الطوب، والبعض الآخر لا يزال يحتوي على شبكات حديدية. وفي حالات قليلة، بنيت فتحات النوافذ مباشرةً في بوابات القصر.
وقد دفع هذا التنوع المصورة الأمريكية، روبن جيسلينج، إلى توثيق حوالي 140 من نوافذ النبيذ في كتاب بعنوان "Wine Doors of Florence" العام الماضي.
وكتبت جيسلينج في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "على الرغم من أن أبواب النبيذ عادةً ما يكون لها الأبعاد ذاتها، إلا أن الاختلافات في إطاراتها أصبحت مثيرة للاهتمام بالنسبة لي".