"آرمات عمّان".. متحفٌ يروي ذاكرة المدينة وأعمال خطّاطيها
عمّان، الأردن (CNN)-- من قلب شوارع البلدة القديمة في العاصمة الأردنية عمّان، استطاع الخطّاط غازي خطّاب وأشقائه، أن يجمعوا مئات "الآرمات" للأنشطة التجارية والثقافية والاقتصادية التي ازدهرت بها عمّان منذ أربعينات القرن الماضي، في "متحف" يروي ذاكرة المدينة وأعمال أبرز الخطّاطين فيها.
وفوق مقهى السنترال في شارع الملك الحسين أو شارع السلط، تطل عليك نوافذ "متحف آرمات عمّان" الذي افتتح منذ أسابيع قليلة فقط، بعد رحلة بحث بدأت منذ عام 1986 بحسب خطّاب، لاقتناء آرمات المحلات التجارية وأسماء قدامى الأطباء ومحلات النوفوتيه والفنادق والمكتبات والمقاهي، وشركات الاستيراد والتصدير ومحلات الألبسة والمعالم الرئيسية للمدينة.
ويقول خطّاب الشريك والمؤسس في الشركة الهندسية لصناعة الإعلان، لموقع CNN بالعربية، إن "الفكرة انبثقت من الشغف بعمّان المدينة وخطاطيها ولوحاتها وواجهاتها ومحلاتها التجارية وأطبائها.. حاولنا أن نحفظ هذه الذاكرة التي خشينها عليها من الاندثار بسبب القوانين الجديدة، وتغيير بعض الناس لمهنهم وتوسيع محلاتهم.. قلنا لابد من تخصيص مكان آمن لهذه اللوحات، نعرضها بشكل جميل ويحترم الخط العربي وشغف الناس".
ويمكن لزائر المتحف بعد الصعود بضع درجات إلى المبنى العمّاني، أن يستذكر بوجدانه إرث المدينة الاجتماعي والاقتصادي، عبر لوحات عرضت بحالتها الأصلية دون ترميم، كلوحات محلات "عاشوري" و"فاخوري إخوان" و"زنانيري" و"بيجو ورينو" ومخيطة "الامبسادور" وفندق القاهرة ومقهى الأردن، ووكالة "اسطفان التجارية" والفندق الأموي ومكتبة الاقصى، وصالون كليوبترا وستوديو كولومبيا، ولوحات أوائل الأطباء مثل جورج لطفي الصائغ ولوحات محامين.
ووجد الأردني سعيد المغربي، صاحب كافتيريا حملت اسم "الفلاح" للسندويشات والمرطبات، صورة عن آرمة محله الذي اشتراه في العام 1985، في المتحف كما روى لـCNN بالعربية، إذ أخبره أحد الأصدقاء عنها، ويقول: "كانت الآرمة معلقة قبل أن أشتري المحل وبعته في 2010.. رجعتلي ذكريات 30 عاما إلى الوراء".
ويعود تاريخ بعض اللوحات المعروضة في المتحف المفتوح مجانا أمام زواره إلى حقب سابقة، كما في لوحة مسجد "قارة" التاريخي التي تعود لنحو 50 عاما مضت، ولوحة "المخزن الملكي الهاشمي" لصاحبها الأردني الأرمني "روبين كتشجيان"، التي كانت واجهة لمحل معدات التصوير الخاص به.
ويضيف خطّاب عنها: "هذه جدة اللوحات وهي تعود لعام 1949، هي من أعرق وأجمل اللوحات وفيها قلب ينبض رغم قدمها.. حصلنا عليها من صديق أحفاد مالكها كشجيان، الذي كان وكيلا لشركة كوداك العالمية ووكيلا لإحدى الساعات السويسرية الشهيرة، وكان يورّد للقصور الملكية أيام الملك المؤسس عبدالله الأول".
وكان الملك المؤسس قد منح شهادة بكتابة هذه اللوحة لكتشجيان، وحفظت في مخزن صديق العائلة ممدوح بشارات صاحب متحف "الدوق" وأشهر شخصيات العاصمة، حيث "أهداها إلى أهل عمّان"، بحسب تعبير خطّاب.
وتحتضن اللوحات المعروضة، تواقيع أشهر خطّاطي المدينة، من أمثال سبانخ وفضل وهارون وانطون وسلامة وحمدي وياسين وتركي وآخرين، الذين كان تستغرق لوحاتهم وقتا وجهدا ومزجا للألوان والخشبيات والحديد والخطوط لتخرج قطعا فنية يدوية، وقبل أن تغزو التكنولوجيا هذه الصناعة، ويقول خطّاب: "من بعد العام 1985 بقي نحو 3-4 خطّاطين يقومون بهذه المهمة التقليدية عندما بدأنا في الشركة عام 1988 بثورة اللوحات الحديثة، لم نجرؤ أن نقلّد هؤلاء الخطاطين أو أن نصنع تواقيع مشابهة".
وتنوعت طرق اقتناء اللوحات بين استبدال اللوحات القديمة التي يحبّ أن يصفها خطّاب "بلوحات بنات عمّان"، بلوحات جديدة أو بعقد اتفاقات مع أًصحاب المحلات التي توشك على تغيير لوحاتها أو الاغلاق، وإن تطلّب الأمر تحمّل بعض الكلف المالية، ويقول: "لم يكن هدفنا جمع الآرمات... بل إعادة إحياء هذا الإرث والحفاظ عليه وعلى أسماء الخطاطين بدلا من أن تتحول إلى سكراب (قطع خردة).. كلها لوحات أصيلة عرضت حتى بالأتربة التي تعلوها".
ويمزج المتحف اليوم، بين عرض هذا الإرث، وبين تعليم الخط العربي بمختلف أنواعه، في مساحة موازية داخل المتحف للراغبين، عبر ركن خاص يحمل اسم "ركن الضّاد"، بتعاون مع مؤسسة ولي العهد، بحسب خطّاب، الذي يحرص على عدم تصوير مقتنيات المتحف من مرتاديه ليمنح مزيدا "الدهشة" للزوار الآخرين.