عدسات اللاجئين الشباب على الحدود السورية التركية... ماذا كشفت؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تركوا منازلهم، وأشياءهم، وأماكنهم... وانضمّوا إلى ملايين اللاجئين الهاربين من سوريا، وأفغانستان، والعراق. صور كثيرة وثّقت البؤس المحفور على وجوه هؤلاء، قوارب الموت المكتظّة بالتائقين إلى أمل في بقعة ما، والجثث التي لفظها البحر إلى عدد من الشواطئ ... تصدّرت الصفحات الأولى للصحف العالمية، ونشرات الأخبار، ووسائل التواصل الاجتماعي.
لكن في مدينة ماردين التركية، الملاصقة للحدود السورية، حيث يقيم نحو 100 ألف لاجئ، يمنح برنامج "Sirkhane Darkroom" الأطفال والمراهقين فرصة لتوثيق تجاربهم الحياتية اليومية من خلال صور التقطوها بأنفسهم.
وكان مدير البرنامج سربيست صالح قد أسّس هذا المشروع في هذه المنطقة عام 2017. وبعد عامين، بدأ ينظّم ورش عمل للتصوير الفوتوغرافي بواسطة الهاتف على طول الحدود. وجمع شبابًا من اللاجئين والسكان المحليين، بهدف تدريبهم على كيفية استخدام آلات التصوير التناظرية وطباعة الصور التي التقطوها، كأداة للتعبير عن ذاتهم.
وقال صالح لـCNN إنها وسيلة مهمة جدًا لأطفال نشأوا وسط الحروب، إذ صعّب انتشار جائحة كورونا على هؤلاء الشباب فرص الحصول على تعليم.
ووصف صالح صور هؤلاء الأطفال بـ"المؤثرة جدًا لأنهم يصوّرون لنا حياتهم من جوانب متعدّدة...باستخدام آلة تصوير سهلة الاستعمال"، مضيفًا: "يقومون بعملية تظهير الصور على الورق بمفردهم داخل الغرفة المعتمة التي كانت بمثابة السحر بالنسبة إليهم في البداية".
وقد نُشرت أكثر من 100 صورة بالأبيض والأسود بين دفّتَي كتاب شعري عنوانه "رأيت الهواء يطير". وتُبيّن هذه الصور كيف أن التصوير قد يكون وسيلة علاجية، لا تقتصر فقط على توثيق اللاجئين لصدمتهم.
ويمكن لمن يشاهدون الصور لمس مشاعر المرح واللعب في أعمال هؤلاء الفنانين الشباب، الذين راقب كل منهم محيطه من خلف العدسة.
والتقط سلطان، 14 عامًا، صورة لطفلين قوّسا جسديهما داخل عجلتين، وفتاة ترسم قلوبًا بشعرها الطويل. أما ألن الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، فقام بتصوير فتاتين في وضعية القرفصاء داخل إطار "هولا هوب". وفي مكان آخر، التقط روجين، 14 عامًا، عدة أذرع مرفوعة لتدوير الصفائح على أعمدة طويلة في مواجهة السماء الملبدة بالغيوم.
وسيط للاتصال
ورحل صالح عن مدينته "عين العرب" (كوباني) السورية قاصدًا حلب بهدف دراسة فن التصوير في جامعة حلب عام 2012، قبل أن يُجبر على المغادرة هربًا من تنظيم الدولة الإسلامية بعد عامين. وعند وصوله إلى تركيا التي يجهل لغتها، استخدم الصور كوسيلة للتعبير عن نفسه.
واعتُبرت القدرة التي تملكها الصور للتواصل مع الناس أساسية لصالح عند تأسيسه مشروع "سيرخان داركوم"، وهو جزء من أنشطة الجمعية المحلية غير الربحية "Sirkhane" التي تدير مدرسة سيرك محلية، ومهرجان فنون، ومدرسة موسيقى للأطفال المتضرّرين من الحرب.
وقال صالح: "قابلنا أشخاصًا من خلفيات متنوعة، من بينهم لاجئين وسكان محليّين يتحدثون لغات متشابهة، (مثل) الكردية، أو التركية، أو العربية، لكنهم لم يتواصلوا مطلقًا"، مضيفًا: "أردنا استخدام التصوير الفوتوغرافي التناظري كوسيلة علاجية، والسماح لهم بالتعبير عن أنفسهم من خلالها، ونقل نظرتهم إلى هذه المجتمعات المختلفة (معًا) من خلال التصوير الفوتوغرافي".
وفي ورش العمل، شرح صالح للطلاب عن الكاميرات التناظرية والرقمية، وعلّمهم أسس كيفية تكوّن الصورة وتقنياتها، وأعطاهم آلات تصوير مزودة بأفلام للتصوير في محيط كل منهم مدة أسبوعين. ثم علمهم كيفية تطوير وطباعة شريط النيغاتيف، قبل مساعدتهم في كيفية انتقاء الصور الأفضل.
ورغم من صعوبة الحفاظ على استمرارية المشروع، بسبب عوائق عدة تبدأ بجمع التبرعات وتنتهي في تأمين مواد الغرفة المظلمة، يأمل صالح أن تُحدث الجهود المبذولة فرقًا في حياة طلابه.
ورأى صالح أن "الجزء الأهم من هذه الورشة التدريبية هو المقارنة بين أول وآخر يوم لهؤلاء الأطفال، إذ أنه في اليوم الأول، لم يكن لديهم الكثير من الثقة بالنفس". لافتًا إلى أنّ "التصوير الفوتوغرافي التناظري يُعد أداة رائعة بالنسبة إليهم، فهم لا يستطيعون حذف صورة لم ترُق لهم، على غرار التصوير الرقمي. وعندما يرون النتائج المذهلة للصور، يبدأون ... باكتساب الثقة بأنفسهم".