لحلول مستدامة... لِمَ لا يقتدي العالم بالآسيويين الذين استخدموا الخيزران لبناء منازلهم منذ آلاف السنين؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- خلال بحثه عن أساليب جديدة لبناء منازل مستدامة، عاد إيرل فورلاليس إلى ماضي أجداده، السكان الأصليين، الذين عاشوا على مر الأجيال، داخل أكواخ تقليدية، مصنوعة من الخيزران، وقائمة على ركائز خشبية متينة، تعرف بـ"باهاي كوبو" (Bahay Kubo) .
وقال فورلاليس إنّ "استخدام الفلبينيين للخيزران في بناء المنازل يعود إلى آلاف السنين، حتى ما قبل الحقبة الاستعمارية".
ويُعتبر الخيزران القوي والمرن من أسرع النباتات نمواً في العالم.
ففي حين تستغرق الأخشاب الليّنة والصلبة بين 40 و150 عام كي تنمو، يحتاج الخيزران كي يصير جاهزًا للحصاد أقل من ثلاث سنوات، ويدوم لعقود بعد أن تتم معالجته وتعديله هندسيًا، حيث يمكن أن يدوم لعقود.
وعند إدراكه لإمكانية تعديل Bahay Kubo لتشييد منزل معاصر، بدأ فورلاليس بوضع تصاميم لبيوت من الخيزران.
وبعد فوزه عام 2018، في مسابقة Cities for our Future Challenge التي ينظمها المعهد الملكي البريطاني للمساحين القانونيين، حوّل خريج هندسة المواد فكرته إلى شركة، وساهم في تأسيس شركة Cubo، عام 2019.
وأطلقت الشركة عملية إنتاج منازلها الجاهزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، التي في الإمكان تجميع هياكلها خلال بضعة أيام ويتوقع أن تدوم قرابة 50 عاماً، وفق فورلاليس. وأمل أن تساهم تصاميم الشركة النموذجية واستخدام البامبو "في الإسراع في البناء المستدام"، بالتوازي مع تقديم حلول سكنية بأسعار معقولة تحل أزمة السكن التي يعاني منها الفلبينيون.
بيت تكعيبي معاصر
وأدخلت شركة "كوبو" إلى تصاميمها المصنوعة من الخيزران العديد من خصائص أكواخ Bahay Kubo التقليدية، مثل القاعدة المرتفعة، والكوّات (louvers)، وهي نوع من الستائر التي تسمح بالتهوئة الطبيعية، ودخول الضوء.
لكن الشركة أضفت تحديثًا على الكوخ كي يتناسب والقرن الـ21، وذلك من خلال تزويده بإضاءة حديثة، ونوافذ البوليكربونات المانعة للتأثير.
ومن المعروف تعرّض الفلبين للزلازل والأعاصير الاستوائية، لذلك، أخذ في الاعتبار واقع الكوارث الطبيعية عند تصميم المنازل. وبهدف تقوية القاعدة الأساسية، استبدلت الركائز التقليدية بالخرسانة المصبوبة.
واختُبر أول مشروع للشركة بسرعة كبيرة، في كانون الأول/ديسمبر 2020. فبعد بضعة أيام على الانتهاء من بناء أول منزلين، ضرب زلزال بقوة 6 درجات المنطقة، وصمدت منازل "كوبو" من دون تسجيل أضرار.
وتنتج الشركة حالياً 6 منازل شهرياً، لكن الطلب أعلى بكثير وفق فورلاليس الذي يأمل بزيادة الإمدادات. وقال إنّ "الفلبينيين رحبوا بهذا المنتج لأنهم متآلفون معه"، مضيفًا أنهم "أدركوا أنّه تطوّر بديهي لمنازل الخيزران المحلية".
طفرة البناء باستخدام الخيزران
وتعرض قطاع البناء لانتقادات شديدة في الأعوام الأخيرة جراء تأثيرها السلبي على البيئة. إذ ساهم استخدام مواد مثل الفولاذ والخرسانة على نحو كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأدّى استخراج المواد الخام مثل الحجارة، والصخور، والحصى إلى تشويه المناظر الطبيعية، وتدهور التربة. هذا الواقع دفع للبحث عن بدائل صديقة أكثر للبيئة.
وشركة "كوبو" ليست الوحيدة التي اكتشفت خصائص الخيزران كمادة بناء قوية ومستدامة.
فقد استخدم الاستوديو الفيتنامي "Vo Trong Nghia Architects" الخيزران في العديد من مشاريعه، بينها "Casamia Community House" في منتجع "Casamia" في هوي أن، بينما أنشأ استوديو "Zuo" في شنغن أجنحة من الخيزران لمعرض "Taichung Flora" في تايوان.
في بالي بإندونيسيا، تتخصص شركة الهندسة المعمارية "Ibuku" في تشييد "مباني" الخيزران المعقدة، الواسعة النطاق.
ومنذ عام 2007، قامت "Ibuku" ببناء أكثر من 60 منشأة مصنوعة من الخيزران، تضمّ "Green Village"، وهو مجمّع مستدام يتكون من 12 فيلا فاخرة، و"المدرسة الخضراء".
وفي حين استُخدم الخيزران لبناء منشآت صغيرة لآلاف السنين، إلا أنه "يمكننا للتو فقط التفكير في بناء مبانٍ متعددة الطبقات بعد أن أصبحت لدينا حلول معالجة طبيعية وآمنة"، وفقاً لما قالته المؤسسة والمديرة الإبداعية لشركة "Ibuku"، إلورا هاردي.
وبينما تستخدم معظم مشاريعها الخيزران المُعالج في شكله الطبيعي، إلا أن هاردي أضافت أنه مع التطوّر الحاصل عندما يتعلّق الأمر بالخيزران الذي تمت هندسته، يمكن بناء "ناطحات سحاب، وحتى مدن بأكملها من الخيزران" مستقبلًا.
ودخل الخيزران الذي تمت هندسته في التيار الرئيسي للبناء، أواخر القرن العشرين، بحسب بهافنا شارما، الأستاذة المساعدة للهندسة المعمارية في جامعة جنوب كاليفورنيا، والعضو في فريق العمل لتطوير المعايير الدولية لمواد البناء المصنوعة من الخيزران.
وكمادة قوية، وسريعة النمو، ومتجددة ، يمكن للخيزران أن يكمّل الأخشاب الصلبة التي يتم حصادها بشكل مستدام، وفقاً لما ذكرته شارما، إلى جانب وجود فائدة إضافية تتمثل في مساهمة مزارع الخيزران في استعادة التربة، والأراضي المتدهورة.
المساعدة في الخروج من أزمة السكن
ومع أن الاستدامة هي الميزة الأساسية للخيزران، إلا أنه ليس السبب الوحيد الذي يجعل شركة "كوبو" تتطلع إليه كمادة بناء بديلة. فالفلبين تواجه راهنًا، نقصاً كبيرًا في المساكن، حيث لا مأوى لنحو 4.5 مليون شخص عام 2021، بالإضافة إلى أن كلفة هذه المنازل غير مقدور عليها.
أما منازل "كوبو" فتتراوح بين 12،900 و35،738 دولار، أي توازي أسعار الشقق المتوسطة المبنية بمواد تقليدية، وفق فورلاليس. وهو يسعى إلى خفض الأسعار من خلال تبسيط الإنتاج، وزيادة التشغيل التلقائي في الورشة، ووضعت الشركة خطة سداد تخفّف من التكاليف الأولية على المشترين.
وخلص فورلاليس إلى أنّ "ملايين الكيلومترات المربعة مزروعة بالخيزران في أنحاء آسيا. لذا علينا فقط الإفادة من الأسواق الأخرى للحصول على هذه المادة".