في اليابان.. تُظهر هذه الصور الليلية القديمة ثقافة لا يعرفها سوى عشّاق الليل

نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما وصل المصور الكندي الشهير غريغ جيرار إلى طوكيو في أبريل/نيسان من عام 1976، كان يتوقع قضاء بضعة أيام فقط في العاصمة اليابانية.

محتوى إعلاني

وكان جيرار، الذي كان "رحالة مفلسًا" في أوائل العشرينات من عمره آنذاك، يزور أماكن أقل كلفة في جنوب شرق آسيا.

محتوى إعلاني

وترك المصور أمتعته في مطار "هانيدا"، لعدم توافر مكان ينام فيه، وقضى الشاب ليلته الأولى في طوكيو متجولاً بين شوارع حي شينجوكو النابض بالحياة بالمدينة، والكاميرا في يده.

داخل غرفة في فندق "هيلتون" بطوكيو. Credit: Greg Girard

وقال الكندي في مقابلة عبر الفيديو: "اندهشت تمامًا بالطريقة التي بدا بها كل شيء، فلم يتم عرضها في الغرب أبدًا، هذه المدينة الحديثة"، مشيرًا إلى أن وصوله كان قبل وقت طويل من تسليط الضوء على أفلام مثل "Blade Runner"، وثقافة البوب في التسيعينيات للجمهور الغربي، على المدن الآسيوية الكبيرة.

وقال جيرار: "في النهاية، قررت في تلك الليلة الأولى تقريبًا أنني سأبقى".

صورة التُقِطت في حي شينجوكو عام 1979. Credit: Greg Girard

وتحوّل ما بدأ مجرّد نزوة، إلى تجربة استمرت لـ4 أعوام، قام المصور خلالها بتدريس اللغة الإنجليزية نهارًا، وتصوير طوكيو ليلاً.

كما أنه استأجر شقة، وغرفة مظلمة صغيرة في مكان قريب لتظهير صوره.

ومع أنه لم يكن يعلم بالأمر آنذاك، إلا أن هذه الصور وثّقت فترة الازدهار، قبل أعوام على انفجار الفقاعة الاقتصادية في اليابان بالتسعينيات.

ومع ارتفاع سعر الين الياباني، أدت الزيادة الحادة بتوقعات السوق في النهاية إلى أزمة مالية.

سطح المراقبة في مطار "هانيدا" بطوكيو عام 1979. Credit: Greg Girard

لكن قبل ذلك، أشار جيرارد لوجود إحساس واضح بالثراء الناشئ، وتجسّد الأمر بصوره التي أظهرت الإلكترونيات الاستهلاكية، وأبراج المكاتب، والتقاطعات المزدحمة.

وأوضح المصور الكندي الذي نشر مجموعة مختارة من صوره القديمة في كتاب جديد بعنوان "JAL 76 88": "كانت هذه فترة نهوض اليابان قبل إدراك بقية العالم ما كان يحدث حقًا"، ثم أضاف: "لقد كانت فترة تفاؤل حقيقي، ونوع ديناميكي من النمو لليابان كمكان بدأ يُعامل على قدم المساواة (مع الغرب)".

النور بين الظلال

الحياة الليلية في يوكوسوكا، وهي مدينة تقع بمحافظة كاناغاوا اليابانية. Credit: Greg Girard

وأثناء تجوّله ليلاً، لم يُصبح جيرار مفتونًا باقتصاد اليابان المتنامي بسرعة فقط، بل بما يحدث هناك بعد ساعات العمل.

وتلمّح العديد من صور الكتاب إلى الجانب الخفي للبلاد، الذي تجسّد عبر ملصقات النساء العاريات، ومداخل النوادي الليلية، وغرف الفنادق الفارغة التي تترك المشاهدين يتساءلون عمّا قد يكون قد حدث داخلها.

وتابع المصور موضحًا: "كانت القطارات تتوقّف عند منتصف الليل، لذلك كان هناك ثقافة رديفة كاملة حول ما يمكن القيام به بين فترة توقف القطار الأخير، وانطلاق القطار الأول (في صباح اليوم التالي)".

حركة المرور عند تقاطع "شيبويا" الشهير في طوكيو، عام 1976. Credit: Greg Girard

وقال جيرار: "كانت هناك محلات لألعاب الفيديو، ومقاهي مفتوحة طوال الليل.. حيث لن يزعجك أحد إن نمت  في كشك طوال الليل. وهذا ما كانوا هناك من أجله نوعًا ما".

وتُظهر صور الكندي التي بدت مستقبلية آنذاك ألوانًا زاهية تتراوح بين الأخضر، والوردي، والأزرق.

وسمح المصور للضوء بالتدفق إلى عدسته، وإلقاء الضوء على ما يتوارى بين الظلال.

مهنة عبر الصور

نادلات من محطة استراحة في شيزوكا عام 1988. Credit: Greg Girard

ويجمع عنوان كتاب جيرارد الجديد، "JAL 76 88"، بين رمز نداء الخطوط الجوية اليابانية، والأعوام التي التُقِطت فيها الصور (كما أنها تتضمّن صورًا من مهام أخذته إلى اليابان في أواخر الثمانينيات بعد انتقاله إلى هونغ كونغ).

ويحتوي الكتاب أيضًا على العشرات من الصور المُلتقطة في وضح النهار، إضافةً إلى مجموعة مُختارة بالأبيض والأسود.

وغالبًا ما حمل الكندي كاميرتين في الوقت ذاته، واحدة بفيلم أحادي اللون، وأخرى بفيم ملون.

صورة من دار سينما مفتوحة طوال الليل في شينجوكو بعام 1977. Credit: Greg Girard

ولكن رُغم الحيوية الموثّقة في الصور، إلا أن بعض أبرز صوره خلت من أي نشاط بشري، وكانت تُظهر مواقع بناء مهجورة، أو ممرات فارغة مُضاءة بمصابيح الشوارع.

وعند تعرّفه إلى طوكيو، استخدم جيرار التصوير الفوتوغرافي كعذر لاستكشاف المناطق الأكثر هدوءًا التي لم يكن ليزورها لولا ذلك.

وقال المصور: "الأزقة والشوارع المجاورة للمناطق الترفيهية، أو الأحياء العادية، كانت تتمتّع بحياة خاصة بها أيضًا".

وساعدت تجارب جيرار أيضًا بصقل مهارات استخدام الكاميرا لديه، ووضع ذلك الأساس لمهنة تصوير ناجحة.

وذكر المصور أن إجراء التجارب بالتعرّض الطويل، وأنواع مختلفة من الأفلام كان أمرًا "بدأت اسبتكشافه بشكلٍ واعٍ، وإتقانة من الناحية التقنية" في تلك الأعوام.

وفي العقود التي تلت مغادرته اليابان، قام جيرارد بالتصوير لمجلات، ضمنًا "ناشيونال جيوغرافيك"، و"تايم"، مع نشر الكتب عن عددٍ من المدن الآسيوية، منها هانوي، وأوكيناوا، وشنغهاي.

ولعل المصور أكثر شهرة بفضل صوره لمدينة كولون المسوّرة التي تم هدمها.

والمدينة عبارة عن منطقة سيطرت عليها العصابات في هونغ كونغ، حيث انعدم فيها القانون تمامًا.

وسكنها في السابق حوالي 50 ألف شخص في مساحة بلغت 6.4 فدان فقط.

وعند النظر إلى الماضي، وصف جيرار كون صوره كدفتر يوميات لشبابه.

ورُغم قضائه ليالٍ عدّة في المدينة، إلا أنه ظل دومًا على بُعد مسافة معينة من الحياة الليلية التي وثقها، وكان تركيزه الدائم على التصوير الفوتوغرافي.

نشر
محتوى إعلاني