هذا المصور يلتقط مشاهد طبيعية مذهلة للغرب الأمريكي.. كيف؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في المرة الأولى التي رأى فيها روبن وو ألوان الحجر الرملي الدافئة وسماء الغرب الأمريكي الشاسعة، كان ذلك عبر نافذة حافلة سياحية.. حيث توالت أمامه المناظر الطبيعية سريعًا.
واشتهر الفنان التشكيلي البريطاني، المقيم الآن في مدينة شيكاغو الأمريكية، بصوره الرائعة للمناظر الطبيعية النائية، مستخدمًا إضاءة الطائرات من دون طيار، أو تعزيز القمم الصخرية بهالات ضوئية، أو كتابة أحرف رمزية في السماء، كأنها إشارات من كيان خارق للطبيعة.
لكن، لطالما كان الفن لوو مجرّد مشروع شغوف، في حين كان يركز على مهنة الموسيقى لا سيما أنه أحد الأعضاء الأربعة في فرقة سينث بوب لاديترون.
وأوضح في مقابلة مع CNN أنّ "(التصوير) بدأ كهواية تستهلك كل الوقت". لكن منذ أن أخذت الفرقة استراحة في عام 2011 بعد إصدارها خمسة ألبومات استوديو (أصدروا الألبوم السادس بعنوان ذاتي في عام 2019، والألبوم السابع، "Time's Arrow، هذا الشهر)، بدأ مهنة جديدة من الصفر، مضيفًا أن "الآخرين قاموا بمشاريعهم المنفردة، وصنعوا الموسيقى الخاصة بهم وأصدروا ألبوماتهم الخاصة"، ومؤكدًا: "كان هذا مشروعي الفردي".
وتتّسم صور وو بمزيج من شخصية المصوّر الكلاسيكية التي تجمع بين الضوء والمناظر الطبيعية، حيث يزاوج بينهما لالتقاط صورًا مغايرة. وغالبًا ما يبدأ بضوء المساء الداكن أو ألوان الليل ذات السواد الحالك، ثم يضيء بشكل استراتيجي أجزاءً من المشهد بطائرات من دون طيار مخصّصة للمستهلكين. وفي إحدى الصور، يتدلّى خط أفقي لامع فوق نهر جليدي في جبال الأنديز بالبيرو، كاشفًا عن تألّق الجليد بتناقض مع السماء المظلمة. وفي تصوير متحرّك مختلف، قام وو بمحاكاة عاصفة كهربائية في وادي جوبلين بولاية يوتا الأمريكية، لكن بضربات ضوئية مستقيمة تمامًا بدلاً من لمع البرق الكثيف.
ويحتفظ بكتاب صور الفنان "Lux Noctis" الصادر عام 2018، ضمن مجموعات Guggenheim ومتحف الفن الحديث في مدينة نيويورك الأمريكية، وقد قام بتصوير أعمال تجارية لصالح شركات آبل، وأودي (Audi)، وغوغل، بالإضافة إلى DJ والمنتج الموسيقي Zedd.
وفي الصيف الماضي، كشف وو عن مشروع ضخم لـ"National Geographic"، عبارة عن قصة غلاف وقطعة وسائط متعددة متتابعة عن ستونهينج، أضاءت النصب التذكاري الغامض بطائراته من دون طيار.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، تفوّقت إحدى حلقات الفيديو NFT الخاصة به، وهي حلقة فيديو بدقة 4K بعنوان "An Irresistible Force"، على تقديراتها العالية بأكثر من 25٪ خلال مزاد نظمته دار سوزبي للمزادات في هونغ كونغ، حيث بيعت بسعر 441،000 HKD (حوالي 56،500 دولار أمريكي).
وقال وو: "لم أسمح لنفسي بأن أحلم بما حقّقته الآن". وتابع: "أردت فقط أن أكون قادرًا على كسب لقمة عيشي من العمل الفني، والتصوير الفوتوغرافي".
مصدر الإلهام: الكائنات الفضائية
وكان وو ينجذب دومًا إلى الأماكن البرية النائية بحثًا عن العزلة. وهاجر والداه من هونغ كونغ إلى المملكة المتحدة قبل ولادته، ونشأ كطفل انطوائي في ليفربول، على حد قوله، ولم يحب المدرسة. وكان مفتونًا بأفلام الخيال العلمي التي تمزج بين العالم الفضائي والحياة اليومية، مثل فيلم "Close Encounters of the Third Kind" لستيفن سبيلبرغ، الذي أظهر برج الشياطين في وايومنغ كموقع لإجراء التواصل مع العالم الخارجي. ولم يكن وو على دراية بالتضاريس الأمريكية، إذ أوضح أنه اعتقد بداية أن البوت، النصب التذكاري الوطني، كان كيانًا جيولوجيًا خياليًا.
وشكلت صور الفيلم لمشاهد الصحراء النائية الممزوجة بأضواء مخيفة إلهامًا تكوينيًا في عمله. وقال: "فكرة هذه الأضواء التي تبدو مستحيلة، مترسخة في ذهني، كيف تتحرك في السماء، نوعًا ما مثل أضواء البحث في المناظر الطبيعية (الأمريكية) العادية جدًا".
وشرع بأول رحلة تصوير عبر الولايات المتحدة عام 2013، بعد حوالي عقد على تركه فرقة Ladytron. وتضمّنت سلسلة الصور مشاهد حية لغراند كانيون، وساوث داكوتا بادلاندز، بالإضافة إلى صورة مع فاصل زمني لبرج الشياطين في الليل، بين مسارات النجوم.
وبعد ذلك بعامين، اكتشف وو التأثير الذي يمكن أن تحدثه إضاءة الطائرات من دون طيار على العالم الطبيعي خلال عمله على جلسة تصوير خارجية للسيارات.
وشرح قائلاً: "لقد حلقت بالطائرة من دون طيار فوق بعض المنحدرات، وكنت مفتونًا تمامًا بتأثيرها على المشهد الطبيعي. وجعلت المنحدرات تتوهّج، لتصل إلى المناطق التي يستحيل إضاءتها بشكل مصطنع".
ويضيء وو الطائرات من دون طيار لتناسب احتياجاته في أي لقطة أو مشروع معين. وأوضح أن التكرار الأول الذي اتّبعه عندما كانت التكنولوجيا لا تزال في طور النشوء، عبارة عن طائرة من دون طيار "ضخمة" من ثمانية مراوح مزودة بأضواء محلية الصنع لا تضيء سوى مدة 8 دقائق من زمن الطيران. واستخدم تاليًأ قوسًا مطبوعًا ثلاثي البعد مع ضوء LED ساخن، لكنه منحه دقيقتين إضافيتين في الهواء. وتمنحه التكنولوجيا التي يستخدمها الآن مساحة أكبر قليلاً، مع نصف ساعة للطيران في الخارج والتقاط الصور والعودة إليها، ولكن كان عليه أن يتعلم العمل ضمن حدود كل مجموعة.
وقال: "أنا أقل قلقًا الآن، لأنني حطمت العديد من الطائرات من دون طيار". وتابع: "في النهاية، إنها مجرد أدوات".
سلسلة تجريبية
وبعد تطوير سلسلة من الصور الثابتة مثل "Lux Noctis" و"Aeroglyphs"، التي جربت الإضاءة الشبحية والأشكال الهندسية في السماء، وجد وو نفسه راغبًا بدمج الحركة والصوت في عمله بسبب خلفيته الخاصة بالموسيقى. وبدأ بإعداد حلقات فيديو مدتها 15 ثانية من صوره، تظهر أشعة ضوئية تشكل أنماطًا، أو تُظهر القمر يتقوس عبر السماء، ترافقها إيقاعات الموسيقى الإلكترونية التي أنتجها.
وأوضح أنّ "هذه (الأعمال) كانت تجريبية إلى حد كبير وليس لها هدف نهائي، لقد كانت مجرد أمور فعلتها من أجل الحب وبدافع الحب"، لافتًا إلى "أنني لم أتمكن من ترخيصها، ولم أستطع طباعتها.. لذا كانت هناك فقط، تكدّس علامات الإعجاب على صفحتي على إنستغرام".
ولكن في يناير/ كانون الثاني 2021، وجد وو طريقة لجعلها جزءًا جوهريًا من حياته المهنية عندما تعرف على فن NFT. وقام بسك أول "رمز غير قابل للاستبدال" له في مؤسسة السوق بعد شهرين - "أيروغليف" من الخطوط الساطعة التي تشكل مستطيلاً فوق منحدر على شاطئ البحر. وبيعت مقابل 30 ETH (45000 دولار)، وتبرع بجزء منها لجمعية الحفاظ على المنتزهات الوطنية وصندوق مجتمع AAPI.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، كلفته منظمة الويب 3 Obscura الفنية بإنتاج مجموعة جديدة من الصور بعنوان "أيروغليف المتغيرات"، التي نقلته إلى الأراضي الوعرة في نيو مكسيكو لتصوير مدته 20 ساعة نتج عنه 55 صورة من المكان ذاته، لكل منها ظروف وأنماط إضاءة مختلفة. وجرب وو أيضًا تقديم العمل بطرق مختلفة، من الرسوم المتحركة، إلى تجارب AR، ورسم خرائط الصور المتحركة على المطبوعات المادية.
وقال عن هذه التجربة إنها "وسيلة هجينة إلى حد كبير، ولذا أود توسيع هذا الأفق أكثر، والتفكير بالهدف النهائي لعملي. هل أقوم بصنع قطعة فنية جميلة لكي ينظر إليها الناس ويقدرونها، أم أقوم بإنشاء تجربة كي يشاركها الناس"؟
ويميل وو نحو الأخير بينما يستمر في تجربة الشكل الذي يتخذه عمله، ولكن بغض النظر عن الوسيلة، تبقى رؤيته للعالم الطبيعي ومقاربته على اتساق.
وأشار إلى أن "الكثير من الناس يقولون دومًا إن عملي عالم آخر، هذه هي الكلمة الأولى التي تتبادر إلى ذهن الناس عندما يفكرون بعملي، لكنني لا أحاول إنشاء صورة غريبة المظهر، بل أحاول إظهار أن هذا هو كوكبنا. وهناك العديد من الطرق الجديدة المتاحة لرؤيته والتي يمكن أن تجدد نظرتك إليه".