تقنية حديثة تكشف تفاصيل خفية في لوحتين من مصر القديمة

نشر
5 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) --  تمكّن باحثون باستخدام تقنية حديثة من اكتشاف تفاصيل مخفية في لوحتين مصريتين قديمتين، بمقبرة طيبة بالقرب من نهر النيل، يرجع تاريخهما لأكثر من 3 آلاف عام.

محتوى إعلاني

وتتواجد اللوحتان داخل المقابر، في قاعات حيث يمكن للناس أن يجتمعوا لإحياء ذكرى الموتى.

محتوى إعلاني

وباستخدام تقنية التصوير الكيميائي المحمولة، تمكن الباحثون من تحديد التعديلات التي أجراها فنانو مصر القديمة، والتي تُعد نادرة في اللوحات المصرية القديمة، ويُعتقد عادة أنها نتاج لجلسات عمل رسمية.

وتحاول الدراسة كذلك تغيير الإجراءات التقليدية في علم المصريات، إذ تم إجراء التحليل داخل المقابر باستخدام أجهزة محمولة متطورة، بينما أن غالبية الدراسات تجرى تقليديًا داخل المتاحف أو المختبرات.

وأوضح فيليب مارتينيز، وهو عالم مصريات بجامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت في مجلة "PLOS ONE"، أن الجديد هو الطريقة التي يحاولون بها استخدام تلك التقنية.

وقال مارتينيز: "الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه الأعمال الفنية في السابق كانت بشكل تناظري، ولم يتم التفكير فيها كثيرًا - ولم يكن أحد ينظر إليها حقًا من وجهة نظر الفنانين. ونحن نرغب في فهم كيف رُسمت هذه اللوحات".

وتتضمن تقنية التصوير الكيميائي تقنية فلورية الأشعة السينية.

تساعد الأشعة السينية في تقنية التصوير الكيميائي على الكشف عن التعديلات التي تم إجراؤها على لوحات المقابر المصرية القديمة والتي قد لا تبدو واضحة للعين المجردة.تصوير: Theban Tombs Project (LAMS MAFTO CNRS - CA Uliège)

وتسمح الأشعة السينية بإنشاء خريطة لسطح اللوحة على مستوى الجزيئات، بما في ذلك خصائصها الكيميائية. وبعملية أخرى، يقوم التصوير فوق الطيفي بتحليل اللوحة على أطوال موجية متعددة، مثل الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، للكشف عن مزيد من المعلومات غير المرئية للعين البشرية.

واستُخدمت التقنية الرقمية في مقبرتين تعودان لفترة أسرة الرعامسة الفرعونية، خلال الفترة من 1292 قبل الميلاد إلى 1075 قبل الميلاد، في مصر القديمة.

واللوحة الأولى في الدراسة موجودة في مقبرة "مننا"، وهو مسؤول الخدم في عهد الفرعون أمنحتب الثالث.

وأشارت الدراسة إلى أن العمل يُعتبر "ذروة الرسم المصري القديم"، والتعديل الذي لوحظ على اللوحة مرئي حاليًا بالعين المجردة - ربما نتيجة التغيير الكيميائي عبر الزمن، لكنه كان مخفيًا عندما كانت اللوحة لا تزال جديدة.

وأوضح مارتينيز أنها تشبه إلى حد ما لوحة الموناليزا في مصر، مشيرًا إلى أن "مقبرة مننا واحدة من أفضل المقابر والمعروفة منذ 200 عام، وقد تم الحفاظ عليها جيدًا".

صورة توضح اليد الخفيةتصوير: Theban Tombs Project (LAMS MAFTO CNRS - CA Uliège)

وفي أحد المشاهد، يقوم مننا وزوجته بتبجيل أوزوريس، أحد أهم الآلهة في مصر القديمة، ويمد مننا يديه أمام وجهه. ومع ذلك، هناك يد ثالثة مخفية تحت طبقة الخلفية البيضاء، ما يوضح إجراء تعديل على اللوحة.

وقال مارتينيز: "كنا نعلم بالفعل أنها موجودة، لدينا رؤية واضحة جدًا للذراع الثانوية التي تم تغييرها بعد ذلك، لكن لا نستطيع معرفة متى تم تغييرها، أو حتى لماذا تم تغييرها".

ولفت مارتينيز إلى أن "الأمر المثير للاهتمام هو أنّه حتى لو تم اعتبارها (اليد) مجرد خطأ يجب تصحيحه، فإن طريقة التصحيح تختلف كثيرًا عن الأصل".

وتابع: "أما صاحب المقبرة، أو مجموعة الفنانين، أو من كان يدير العملية، رأى فيها شيئًا خاطئًا، ولكن التصحيح جرى بمواد ووسائل فنية تظهر عملية تفكير مختلفة تمامًا".

وقد تشير هذه التفاصيل الصغيرة إلى أدلة جديدة حول عملية الرسم.

يمكن أن يستغرق تحليل مقبرة واحدة ما بين 10 إلى 15 عامًا في المتوسط. وتساعد التقنيات الرقمية الجديدة والمتطورة على تسريع هذه العمليةتصوير: Theban Tombs Project (LAMS MAFTO CNRS - CA Uliège)

وأشارت الدراسة إلى أن هذه التعديلات تكشف إمكانية أن تكون اللوحات قد تم تنفيذها من قبل مجموعات مختلفة على مدار جلسات مختلفة.

أما اللوحة الأخرى، في مقبرة رجل الدين "نختمون"، والتي يظهر فيها الفرعون رمسيس الثاني، فقد كشف تحليل اللوحة عن تعديلات مختلفة في تاجه وقلادته وعناصر ملكية أخرى، ويرجع ذلك على الأرجح إلى بعض التغيير في المعنى الرمزي للرسوم بمرور الوقت.

وأوضح مارتينيز: "من المثير للاهتمام أن هذا التمثيل لرمسيس الثاني يظهره بلحية ناشئة".

وتابع: "هذا أمر غريب لأننا تقريبًا لا نملك صورًا للفراعنة بقصات شعر - فهم عادةً يتم تصويرهم بمثابة أبطال خارقين. ولكن إظهار شخص بلحية يعني إظهار شخص ما في لحظة من حياته، وهذا نادر جدًا".

ولفت مارتينيز إلى أن التفاصيل التي كشف عنها التصوير الكيميائي تُعد محيرة بشكل خاص.

وأضاف: "التصوير الكيميائي لم يمنحنا ألوانًا مختلفة فحسب، بل أشكالًا مختلفة لرقبة الملك؛ لم يتم عرض تفاحة آدم في الفن المصري أبدًا، ولكن لدينا هنا تفاحة آدم مرئية بوضوح. تظهر التعديلات أيضًا صورة لم تكن مثالية".

ومن خلال تسليط الضوء على هذه التفاصيل المخفية من خلال تحليل تم إجراؤه في الموقع، يأمل مارتينيز وزملاؤه تحدي الافتراضات التقليدية الراسخة حول الفن المصري.

نشر
محتوى إعلاني