في ظل نهب الكنوز الأثرية القديمة.. كيف يمكن لتقنية بلوك تشين المساهمة بحمايتها؟

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: Khaled Desouki/AFP/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لطالما كان التحقّق من مصدر الآثار مهمّة صعبة.

محتوى إعلاني

اكتشف متحف المتروبوليتان في نيويورك ذلك عام 2019، لدى إعلانه عن إعادة نعش مصري تم شراؤه من تاجر للقطع الفنية بعد معرفة أنه نُهب من مصر خلال اضطرابات عام 2011.

والآن، يقترح البعض أنّ تقنية البلوك تشين قد تُجنِّب أولئك الذين يتاجرون في الكنوز والتّحف القديمة هذا الموقف.

سجل للآثار في الوقت الحقيقي

التابوت الذّهبي لنجم عنخ في المتحف القومي للحضارة المصريّة في القاهرة بعد إعادته من الولايات المتحدة. Credit: Khaled Desouki/AFP/Getty Images

وفي تقدمٍ واعد بمجال مكافحة نهب الآثار، طوّر باحثون في جامعة أبوظبي وكلية لندن الجامعية (UCL) أداة بلوك تشين تُدعى "Salsal" (معروفة أيضًا باسم Agur).

والبلوك تشين ( تكنولوجيا داعمة للعملات المشفّرة مثل "بيتكوين") عبارة عن سجل رقمي، لا مركزي، غير قابل للتغيير، ومتاح للجمهور.

وتُسجَّل البيانات من خلال العديد من أجهزة الحاسوب لتشكيل قاعدة بيانات للكتل المرتبطة.

وبمجرّد تسجيل المعلومات على البلوك تشين، لا يمكن تغييرها بأثرٍ رجعي من دون تغيير جميع الكتل في السلسلة، وإجماع الشبكة.

وتسمح أداة "Salsal" للمتاحف أو هواة الجمع بتقديم التفاصيل حول مجموعاتهم باستخدام منصّة عبر شبكة الإنترنت، ومن ثمّ يقوم العديد من الخبراء بتقييم ما إذا تم الحصول على المجموعة بشكلٍ قانوني وأخلاقي، مع إصدار حُكم على أصالتها.

وقاد المشروع أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة أبوظبي، عادل الخليفي، وأستاذ مارك الطويل من معهد الآثار في كلية لندن الجامعية.

وأشار كلاهما إلى أنّه يوفّر طريقة آمنة، وشفّافة، وموثوقة لتتبّع الأصالة والملكيّة.

وشرح الطويل: "إذا كنت من هواة الجمع، كمتحفٍ مثلاً، يمكنك تحميل صور وتفاصيل هذه القطع، ومن ثم ستَنتقل إلى المحققين الذين يتأكّدون من صلاحيتها".

وأضاف الطويل: "نحن نستخدم إجراءات إصدار الشهادات وفق جمعية المتاحف التي تقوم خلالها بتقييم العناصر على مقياس يتراوح من 1 إلى 5 (بناءً على) مدى أمان المجموعة أو صلاحيتها".

وبحسب الطويل، كانت الفكرة تهدف إلى أن "تُصبح هذه أيضًا وسيلة للضغط على هؤلاء الجامعين، ضمنًا المتاحف، للتأكّد حقًا من أنّ العناصر التي يعرضونها للجمهور قانونيّة".

وشرح الطويل: "إذا تواجد عندهم قطعة على نحو غير قانوني، أو تم الحصول عليها بطريقةٍ غير أخلاقية، فعليهم فعل أمر حيال ذلك".

وإذا جرى التّحقق من مجموعة، يمكن للمالك تحويلها إلى عمل فنّي افتراضي برمز غير قابل للاستبدال (NFT) يوازي شهادة اعتماد، كما أنّه يسمح بنقل الملكيّة بشكلٍ آمن، وتتبّع حركة المجموعة بمرور الوقت.

هذه الميزة تبني تاريخًا شفافًا بشكلٍ يردع اللصوص المحتملين، كما تشجع على إعادة القطع الأثريّة المسروقة إلى بلدانها الأصلية.

وتُتيح أيضًا إمكانيّة الوصول إلى القطع الأثرية ذات الأهميّة الثقافيّة عبر قاعدة البيانات لمن لا يستطيعون مشاهدة المجموعة شخصيًا.

ويرى الطويل أنّها "وسيلة يمكن للمؤسسات الثقافية خلالها بدء مشاركة المعلومات حول (مجموعاتها) للجمهور بطريقة تُمكِّنهم أيضًا من المشاركة في حمايتها بشكلٍ فعّال، أو تقاسم المعرفة بشأنها".

العدالة الثقافيّة

وقالت تسولا هادجيتوفي، مؤلّفة كتاب "The Icon Hunter" التي أُجبرت على الفرار من بيتها في فاماغوستا بقبرص عام 1974، بعد الغزو التركي: "بصفتي لاجئة، اخترت لغة التّراث الثّقافي للنضال من أجل العدالة، وإعادة الفن المنهوب إلى الوطن".

وتحتلّ هادجيتوفي أيضًا منصب الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "Walk of Truth" غير الربحيّة المكرّسة لحماية القطع الأثريّة الهامّة، ومكافحة نهب الآثار التي تأخذ من هولندا مقرّا لها.

وشرحت هادجيتوفي: "قادتني عدم قدرتي على حل صراعاتي الداخلية كطفلة شهدت الحرب إلى توجيهها بطريقةٍ أخرى، وكان ذلك عبر البحث عن القطع الأثريّة المنهوبة من قبرص، وتعقّبها، وإعادتها إلى شعبي لأعيد لهم شيئًا ممّا فقدوه".

وضغطت هادجيتوفي على النّواب البريطانيين والهولنديين لتغيير القوانين، والمصادقة على معاهدة "Hague" لعام 1954، الهادفة إلى حماية التّراث الثقافي في حالة الحرب، والنزاع المسلّح.

ووفقًا لهادجيتوفي، "كانت هذه الرّحلة صعبة، وخطرة، كما أنّها قادتني عبر ممرّات القوى السياسيّة، والدينيّة، والعوالم السفليّة لأفراد العصابات، واللصوص، وذلك أثناء العمل مع أفضل الأدمغة في مجال القانون بالعالم".

وترى هادجيتوفي أنّ الأدوات المشابهة لـ"Salsal" قد تساهم في زيادة الوعي بدور التجّار، والمتاحف، وجامعي التّحف، وتسليط الضوء على الأخلاقيات المتعلقة بالامتلاك الخاص للقطع الأثريّة، والآثار.

وعندما يأتي الأمر لمجال البحث عن المصدر، غالبًا ما يكون تاريخ الأشياء غامضًا، بحسب هادجيتوفي، ويمكن استغلال ذلك من قِبَل المجرمين الذين ينقلون القطع الأثريّة بشكلٍ غير قانوني.

وتأمل هادجيتوفي أن تضغط أداة "Salsal" على المنظمات والأفراد الذين يمتلكون الآثار لتسجيل رحلتهم "من المكان الأصلي، إلى المتحف، أو دار المزادات، أو منزل الجامع".

ووفقًا لهادجيتوفي، غالبًا ما يتم إضفاء الشرعيّة على القطع ذات المصدر المشكوك فيه بفضل التشريعات الضعيفة، ما يسمح بتداولها بين هواة جمع الآثار من القطاع الخاص الذين لا يتعرّضون لضغوط عامّة لإعادة هذه الآثار إلى أصحابها الشرعيين.

وقالت هادجيتوفي: "يمكن للتكنولوجيا أن تساعد النشطاء، والمتطوعين، والباحثين في تسليط الضوء على تهريب الفنون، ومكافحتها".

كما أنّها تأمل أن تولِّد الأداة "جيوشًا من الطلبة" لـ"البحث" عن الآثار المكتسبة بطريقة غير قانونية، ومناشدة "ضمير الجامعين" لمشاركة المعلومات حول مجموعاتهم، وإعادة أي عناصر اتّضحت أنّها سُرِقت.

قوّة الشّعب

طُوِّرت أداة أخرى تعتمد على البلوك تشين تُدعى "Kapu" في إيطاليا عام 2017، لكنها انفصلت عن الشبكة منذ ذلك الحين.

ورُغم التقدّم الكبير الذي تم إحرازه مع تقنية البلوك تشين، لا تزال هناك تحديات. ويرى كل من الطويل والخليفي أنّ مفتاح نجاح "Salsal" يكمن في إقناع الأشخاص باستخدامه.

وقال الطويل: "نحن الآن في مرحلة محاولة توفيره بين أيدي الأشخاص".

ويتعيّن على الجامعين دفع كلفة بسيطة لاستخدام "Salsal"، ولكنّها لا تتجاوز أكثر من دولارين لكل مجموعة.

ويأمل الطويل والخليفي باستخدام الأشخاص لهذه الأداة على نطاقٍ واسع بما يكفي بحيث يتم الشك في المجموعات التي لم يتم التحقق منها بمرور الوقت.

وفي النّهاية، يأمل الطويل أن تصل الأداة إلى المرحلة التي "يبدأ فيها الأشخاص بالتساؤل عن السبب إذا لم تتمتّع بحالة التحقّق بالنسبة لأشيائك".

نشر
محتوى إعلاني