معرض جديد في لندن يستكشف إرث كوكو شانيل الخالد..كيف؟
دبي، الإمارات العربيىة المتحدة (CNN) -- عندما سُئل عن سرّ جاذبية المعرض الذي يحمل عنوان "غابرييل شانيل: تظاهرة الموضة"، قال تريسترام هانت، مدير متحف فيكتوريا وألبرت في العاصمة البريطانية، لندن: "من المؤكد أنني من أشد المعجبين بالفستان الأسود القصير".
ونُظّم هذا المعرض برونق يشبه بوتيكات الأزياء، ويُعد الأول من نوعه في المملكة المتحدة المخصص لمصممة الأزياء الشهيرة التي بنت واحدة من أنجح العلامات التجارية للأزياء في العالم.
وفي نهاية عام 2021، وظفت شانيل نحو 28،500 شخص من حول العالم.
ويجمع المعرض قطعًا من مجموعة متحف فيكتوريا وألبرت، ومتحف الأزياء "Palais Galliera" في العاصمة الفرنسية باريس، و"Patrimoine de Chanel" (المجموعات التراثية لدار الأزياء)، ويضم حوالي 200 قطعة ملابس في المجموع.
ويبدأ المعرض بعرض بلوزة ذات ياقة يعود تاريخها إلى عام 1916. هذه القطعة المصنوعة من قماش الجيرسي الحريري الفاخر تُعد أحد أقدم أزياء شانيل الباقية.
ثم ينتقل بعد ذلك من خلال الفساتين النهارية ذات الخصر المنخفض من عشرينيات القرن الماضي إلى "بيجامات السهرة" من الستينيات (مجموعات السراويل المصممة خصيصًا من الديباج واللاميه) عبر غرفة من مستويين لبدلات التنورة الرمزية للعلامة التجارية؛ قبل أن ينتهي بقطع من مجموعة شانيل النهائية لعام 1971.
وقالت أمينة المعرض أوريول كولين لـ CNN في مقابلة: "يبلغ عمر الكثير من القطع المبكرة أكثر من 100 عام، ومن المدهش أن نرى مدى أهميتها اليوم".
وتسلّط كولين الضوء على البلوزة من عام 1916 بسبب سهولة ارتدائها وأناقتها، قائلة إنها "القطعة التي أطلقت مسيرة شانيل المهنية في مجال الموضة، إنها بسيطة للغاية وبالطبع مصنوعة من قماش الجيرسي الشهير الخاص بها".
وكان تركيز شانيل على عوامل مثل الراحة وحرية الحركة يمثّل اتجاه رائداً في عالم الموضة، وسرعان ما أصبح رائجا.
وفي عام 1926، وصفت مجلة "فوغ" الأمريكية فستانها النهاري القصير المصنوع من قماش كريب دي شين باللون الأسود بأنه "الفستان الذي سيرتديه العالم أجمع".
وذكرت جوستين بيكاردي، مؤلفة كتاب "كوكو شانيل: الأسطورة والحياة"، في مقابلة عبر الهاتف مع CNN أن الفستان أصبح "مرادفًا للمرأة العصرية في عصر موسيقى الجاز، التي تتمتع بالاستقلالية، والقوة، المرونة".
وأضافت: "أحد الجوانب الفريدة لشانيل كمصممة يتمثل أن ملابسها كانت جذرية للغاية بابتكاراتها في وقت إطلاقها، ومع ذلك فهي تبدو خالدة".
ولكن السبب وراء الإقبال الكبير على معرض السيرة الذاتية لشانيل يعود إلى أن موضوعه يتجاوز عالم الموضة.
وبالنسبة لهانت، "يبدو التحول الذي أحدثته شانيل في إطلالاتها الرجالية الجذابة وتفاعلها مع الهويات الجنسية في أوائل القرن العشرين حديثًا للغاية".
وأضاف: "لقد كانت امرأة رائعة، وتُعد قصة حياتها جزء كبيرا من قصة المعرض".
بداية متواضعة
وولدت غابرييل "كوكو" شانيل في عام 1883 بدار لرعاية الفقراء في سومور، غرب فرنسا. وتُوفيت والدتها وهي في الحادية عشرة من عمرها، فوضعها والدها في دار للأيتام بدير في قرية أوبازين. وقد عاشت طفولة مؤلمة.
وأوضحت بيكاردي، التي أقامت في دير أوبازين أثناء إجراء البحث الخاص بكتابها: لم تر والدها مرة أخرى بعدما تخلى عنها. رغم ذلك عملت طوال حياتها على تحويل حزنها إلى دافع إبداعي قوي".
ومن هنا يمكن رؤية تأثير إطلالة الراهبات باللونين الأبيض والأسود في مجموعاتها العديدة أحادية اللون.
ولاحقاً، يظهر الفستان الأسود القصير من فترة "فجيعة وحزن، بعد وفاة آرثر كابيل (لاعب بولو إنجليزي)، أول حب كبير في حياتها، الذي توفي في نهاية عام 1919"، حسبما ذكرته بيكاردي.
وقالت بيكاردي إن "شانيل هي واحدة من المصممين الذين لا يستطيعون الوصول إلى مشاعرههم الخاصة فحسب، بل إلى مشاعرنا أيضًا"، مضيفة أن "تجاربها في الحب والفقدان، ومحاولة العثور على القوة والتعبير عن الذات هي تجارب عالمية - وأعتقد أن هذا ما يجعل تصميماتها، وكذلك عطورها، معبرة للغاية، وقوية للغاية، ومغرية للغاية".
ولكن قبل أن تصبح شانيل مصممة أزياء، كانت تعمل في مجال صناعة القبعات - وأثبتت أيضًا أنها سيدة أعمال ورائدة أعمال ماهرة. وافتتحت أول متجر لها بشارع كامبون في باريس عام 1910، وتوسعت إلى منتجعات دوفيل وبياريتز الغنية، واستخدمت نجاح هذه المشاريع لإطلاق خط الأزياء الخاص بها. ولم يمض وقت طويل قبل أن تتوسع مرة أخرى.
وفي عام 1921، أطلقت عطرها الأول، رقم 5 الشهير، والذي أصبح العطر الأكثر مبيعًا في العالم. وفي الخمسينيات، عندما سُئلت مارلين مونرو: "ماذا ترتدين عند النوم؟"، أجابت: "شانيل رقم 5".
المرأة الأسطورة
وفي مختلف أنحاء المعرض، سيرى الزائر تفاصيل حياتها الشخصية مذكورة على لوحات نصوص السيرة الذاتية وكذلك الصور الفوتوغرافية: شانيل مع عشاقها (بما في ذلك هيو جروسفينور، دوق وستمنستر الثاني) وكذلك مع صديقها ونستون تشرشل. وعندما أقام الأخير مع شانيل والدوق في ساذرلاند إستيت في اسكتلندا، كتب عن شانيل: "إنها تصطاد الأسماك من الصباح حتى الليل، وخلال شهرين قتلت 50 سمكة سلمون".
أما إحدى مراحل حياة شانيل التي أثيرت حولها النقاشات كثيرًا فهي علاقتها في زمن الحرب مع مسؤول السفارة الألمانية هانز غونتر فون دينكلاج. وفي يوليو/ تموز عام 1941، سجلت السلطات النازية شانيل كمصدر موثوق به. ولكن الوثائق المكتشفة حديثا تظهر أنه في عام 1943، انضمت شانيل إلى المقاومة الفرنسية كعميل عرضي - وهو بحث دُمج في كل من المعرض والطبعة الجديدة من السيرة الذاتية التي كتبتها بيكاردي.
وأشارت بيكاردي، التي امتدت أبحاثها حول حياة شانيل على مدار 25 عامًا إلى أن "هناك الكثير من الأساطير حول شانيل. لم أرها مطلقًا مؤيدة للنازية، لذلك عندما ظهرت هذه الوثيقة التي تظهر أنها كانت في الواقع عضوًا في المقاومة الفرنسية، فإنها تضيف، بالنسبة لي، القطعة الأخيرة في اللغز".
وختمت بيكاردي كلامها قائلة: "في كثير من الأحيان ينظر الناس فقط إلى سطح الموضة، ولكن لا يمكن أن يكون هناك سطح جميل من دون فهم الأعماق الخفية، ولا يكون هذا أكثر صدقًا مما هو الحال مع مصممة مثل شانيل، إذ تبرز قصة حياتها من خلال تصاميمها".