اجتاحت المظاهرات حول العالم.. كيف أصبحت الكوفية رمزًا وطنيًا فلسطينيًا؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رُغم ارتداء الكوفية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أنّها أصبحت تُعرف في العقود الأخيرة كرمز للهوية الفلسطينية والمقاومة بشكلٍ خاص.
ووضع المتظاهرون هذه الأوشحة حول أعناقهم، أو استخدموها لتغطية وجوههم، أثناء الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وسط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقال صحفي فلسطيني كندي وطالب دكتوراه في الأنثروبولوجيا بجامعة تورنتو الكندية، مجيد ملحس، إنّ الكوفية التي ارتداها في الأصل الرعاة والمزارعون البدو "أصبحت قطعة مميزة يضعها الثوار ضد الاستعمار، والنشطاء، وغيرهم، على مستوى العالم، في حين لا يزال كبار السن والمزارعون يرتدونها كغطاء تقليدي للرأس".
ما هي الكوفية؟
وعادةً ما تأتي الكوفية باللونين الأسود والأبيض، أو الأحمر والأبيض، وتتميز بأنماط مختلفة، ووجود شرابات على جانبها.
وأشارت الباحثة والمنسقة المتخصصة في تاريخ الملابس الفلسطينية، وفاء غنيم، لـCNN، إلى أن "البدو وضعوا الكوفية في فلسطين التاريخية حتّى عشرينيات القرن الماضي".
وخلال حياتها المهنية، أفادت غنيم، وهي زميلة باحثة في متحف "متروبوليتان" للفنون في مدينة نيويورك الأمريكية، أنّها غالباً رأت أن القطع التي تعود إلى القرن الـ19 مصنوعة من القطن، والحرير، والصوف الناعم، وتتضمن خيوطاً بيضاء، وسوداء، وخضراء، وحمراء.
وارتدى القرويون وسكان المدن أغطية الرأس بطرق مختلفة عن البدو، وفقًا لما ذكرته غنيم، موضحة أن "الرجال البدو كانوا يثنون أطراف الكوفية بشكلٍ مائل، ويثبتونها على رؤوسهم باستخدام عقال".
وبالإضافة إلى كونها علامة بصرية للهوية البدوية، تخدم الأوشحة غرضًا عمليًا، إذ تساعد على حماية من يرتديها من شمس الصحراء ورمالها.
وأكّد ملحس لـCNN أنّ الأنماط المنسوجة في كل كوفية "تعكس جوانب مختلفة من أرض فلسطين، مثل شجرة الزيتون، وشباك صيد الأسماك".
ماذا تعني الكوفية للفلسطينيين؟
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، تُعتبر الكوفية رابطًا مهمًا لثقافتهم.
وقالت خبيرة استراتيجية ومديرة إبداعية فلسطينية تُدعى داليا جيكوبس، لـCNN إنّها ترتدي كوفية مصنوعة في مسقط رأسها، الخليل، عندما تسافر إلى الخارج.
وأوضحت أنّ ارتداء الكوفية "أشبه بحمل الوطن على كتفي"، واصفةً الوشاح كـ"رمز للمقاومة والوجود".
وقالت غنيم أيضًا إنّ الكوفية تذكرها بوالدها، بينما يذكرها التطريز الفلسطيني التقليدي بوالدتها.
كيف أصبحت الكوفية رمزًا للمقاومة؟
ومثل العديد من الملابس الأخرى المرتبطة بالتراث الثقافي، أو الديني، والقومية، اتخذت الكوفية بُعدًا سياسيًا أيضًا إلى جانب تجسيدها للهوية الثقافية.
وبحسب ما ذكرته غنيم، يرجع هذا البُعد السياسي إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
وخلال الثورة العربية بين عامي 1936 و1939، عندما سعى الفلسطينيون إلى إنهاء الاحتلال البريطاني، وإقامة دولة مستقلة خاصة بهم، ارتدى هؤلاء من مختلف الطبقات الاجتماعية والأديان الكوفية السوداء والبيضاء كرمز للتضامن.
وعادت الكوفية كرمزٍ سياسي في الستينيات عندما ارتداها الرجال والنساء كوشاح. وتم تصوير ياسر عرفات، الذي شغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لعقود، في كثير من الأحيان وهو يرتدي الكوفية باللونين الأبيض والأسود، وعزّز ذلك الوشاح من رمزٍ النضال الوطني الفلسطيني.
وفي كثير من الأحيان، تم تصوير ليلى خالد، وهي مقاتلة سابقة اشتهرت بدورها في اختطاف طائرة بعام 1969، وعضوة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جزء من منظمة التحرير الفلسطينية) وهي ترتدي كوفية. حول شعرها ورقبتها.
وأثناء المظاهرات الأخيرة المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، شجع المنظمون المشاركين على ارتداء الكوفية لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وبحسب ما أبلغت عنه CNN سابقًا، قال أحد المتظاهرين في فرنسا إنّه تم تغريمه بـ135 يورو لارتداء الكوفية بعد حظر البلاد جميع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.
ولكن قد يُعرِّض ارتداء الكوفية من يرتديها أيضًا لمشاعر معادية للفلسطينيين، أو الإسلاموفوبيا، إذ قال محامي الطلبة الذين تعرضوا لإطلاق النار في بيرلينغتون إنّه يعتقد أنّهم استُهدِفوا جزئيًا لارتدائهم الكوفية.
هل يمكن لأي شخص ارتداء الكوفية؟
ودخلت الكوفية أيضًا عالم الموضة السائدة رُغم كونها رمزًا للهوية الوطنية، والمقاومة، ولكن قد يكون تجريد الكوفية من سياقها الأصلي مثيرًا للجدل.
في عام 2021، اتُّهِمت علامة "لويس فويتون" بالاستيلاء الثقافي عندما أطلقت وشاحًا يشبه الكوفية بقيمة 705 دولارات، وفقًا لما ذكرته تقارير متعددة.
وبحسب ما ورد، أَجبرت ردود الفعل العنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي العلامة التجارية الفاخرة على سحب المنتج من موقعها على الإنترنت.
ورفضت العلامة التجارية الإدلاء بتعليق لمنصات متعددة آنذاك، وتواصلت CNN معها مجددًا طلبًا للتعليق.
وقد يكون ارتداء الكوفية من قبل الفلسطينيين وغير الفلسطينيين طريقة رائعة "لإظهار التضامن" بشكل عام.