من هو المصوّر الذي طلى نيويورك بألوان المظلات الفاقعة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان لدى سول ليتر شغف بالمظلات. فقد زيّنت صوره الفوتوغرافية لمدينة نيويورك الأمريكية التي التقطها في منتصف القرن الماضي، ولم تغب عن أعماله على مدى سنوات: مظلات وردية، وحمراء، وصفراء اللون، يبتعد أصحابها عن الأنظار تحت ألوانها الزاهية، غير مبلّلين بمياه الأمطار.
ويمكن زيارة المعرض الاستعادي الجديد والمبهج: "سول ليتر: كلمة غير مكتملة" بصالة عرض MK، في ميلتون كينز، بإنجلترا، حيث تزيّن هذه المظلات الجدران، كما هي الحال مع لافتات المتاجر البرتقالية، والستائر القرمزية، ولافتات سيارات الأجرة صفراء اللون.
أصبح ليتر، الذي توفي في عام 2013، معروفًا الآن كواحد من أعظم المصورين الفوتوغرافيين للصور الملوّنة في القرن العشرين، وهو رائد تبنى - وجرب - أفلام الشرائح الملونة عندما تشبّث غالبية المصورين المحترفين بالصور السلبية أحادية اللون. وعلى خلفية مانهاتن الصامتة المليئة بالخرسانة، والحجر، ومداخن الدخان، ركز على لافتات الحلاقة ذات أضواء النيون الوامضة، والمخططة بألوان الحلوى الزاهية.
تبدو لقطات ليتر المجرّدة لنيويورك متطرفة، لكنها مطابقة لكيفية رؤيتنا للشوارع: المجزأة بسبب حركة المرور، وواجهات المباني، والمداخل، والزوايا، والحشود.
من خلال تبنيه وجهة النظر الطبيعية المختلطة هذه، تمكن ليتر من إنشاء لوحة كولاج داخل إطار واحد، مع تقديم نظرة سريعة على جميع العناصر الحضرية. في هذه التشكيلات المقطوعة، نرى مشاة، ورجال شرطة، وعمّال متاجر، ومشاة كلاب، وعمّال بناء، ليس كشخصيات محدّدة، إنما أقرب إلى نوتة موسيقية.
غالبًا ما تكون صور ليتر متقطّعة، أو مشوّشة، أو مزيّنة، وأحيانًا الثلاثة معًا، بسبب نزوات الطقس، والتأثيرات الجوية. يمكن رؤية الأشكال من خلال كثافة العناصر الحاجبة و الثلج، وسيارات الأجرة.
وقال ليتر في فيلم وثائقي يحمل عنوان "لست في عجلة من أمري: 13 درسًا في الحياة مع سول ليتر"، الصادر في عام 2013، إن "النافذة المغطاة بقطرات المطر تهمني أكثر من التقاط صورة لشخصية مشهورة".
لم يفترض أن يكون ليتر مصورًا فوتوغرافيًا. وُلِد في عام 1923، لعائلة يهودية ملتزمة بشدة في بيتسبرغ، وكان متوقعًأ أن يُصبح حاخامًا مثل والده، عالم التلمود. تغيّر كل ذلك في عام 1946، عندما استقلّ سول القطار إلى نيويورك. بعمر الـ 23 عامًا حتى يُصبح رسامًا.
فلتشق طريقها إلى الموضة
كانت صداقة ليتر مع المصور الصحفي دبليو يوجين سميث هي ما دفعته للتفكير بالتصوير الفوتوغرافي، رغم استمراره بالرسم. وعُرضت بعض أعماله على الورق واللوحات القماشية في ميلتون كينز، وهي لوحات تجريدية وتصويرية متأثرة بما بعد الانطباعيين وصانعي الطباعة اليابانيين مثل هوكوساي (فنان آخر أحب المطر).
لم تكن صور الرصيف الخاصة التي يُحتفى بها الآن، هي ما يدعمه. فمنذ أواخر خمسينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي، قام بتصوير صور الموضة لمجلات مثل "Queen" و"British Vogue"، مستمتعًا بالعمل في الغالب لكنه وجد نفسه أحيانًا مقيدًا بالموجزات من مكاتب تحرير الصور. ويتذكر قائلاً: "قلت ذات مرة لمحررة المجلة إن رسم بونارد يعني بالنسبة لي أكثر من عام كامل من بازار هاربر. لقد نظرت إلي بنظرة رعب".
وقالت آن مورين، أمينة المعرض: "لم يكن مصورًا فوتوغرافيًا، ولم يكن رسامًا فقط، بل كان شاعرا". في الواقع، كان تعامل ليتر غير التقليدي مع الكاميرا يعكس التجريب الأدبي لمعاصريه جاك كيرواك وألين غينسبيرغ. تمّ تشكيل صوره من مخزون أفلام قديم، و تعرّضات غريبة، وتركيز غير منتظم، ووجهات نظر مجنونة. حتى أنه قام بتعزيز بعض مطبوعاته باستخدام الغواش، والألوان المائية، لإنشاء صور-لوحات هجينة.
بدلاً من القيام برحلة زمنية عبر مسيرة ليتر المهنية، يغمر معرض MK الزوّار بفلسفته المتمثّلة في البحث عن الجمال في الحياة اليومية، من خلال الجمع بين الفترات، والوسائط، والموضوع معًا.
سلسلة من المغامرات المستمرة في الفن
يُعد هذا العرض، الذي يأتي في أعقاب كتاب ضخم جديد بعنوان "Saul Leiter: The Centennial Retrospective"، بمثابة صندوق من المسرات والمفاجآت. كما أن مطبوعاته المبكرة بالأبيض والأسود، خصوصًا صوره للنساء، عبارة عن جواهر صغيرة مقصوصة، تم التعامل معها بحساسية، ونوافذ صغيرة مفتوحة على الصداقات. في حين تكشف سلسلة من الصور العارية عن موهبة التقاط صور من علاقات حميمة رقيقة وحلوة، لا سيما عند تأطير عشيقته وملهمته لفترة طويلة سوميس بانتري. وتوضح لوحاته ذات الألوان الحمضية مغامراته المستمرة بالفرشاة.
لكن تصويره الفوتوغرافي الملوّن وسط المباني المزدحمة، حيث ترك حوالي 40 ألف شريحة، هو أكثر أعماله تميزًا.
من خلال مستويات التشويش الكبير، بسبب مظلة متجر أو أحد المارة، كانت صوره تعكس لوحات الفنانين التعبيريين التجريديين، الذين كان ليتر يعرف بعضهم شخصيًا (عاش لفترة في الشارع العاشر بقلب المشهد) ). وبالمثل، كان في فلك "مدرسة نيويورك للمصورين"، وهي مجموعة ذات علاقات ضعيفة ضمت ديان أربوس، وروبرت فرانك. لكنه ظل دائمًا شخصية منفصلة، ولم ينتمِ أبدًا لأي حركة.
وخلصت مورين إلى أنّه "لم يستقر أبدًا في المجتمع". وذكر ليتر سابقًا: "لقد نجحت في ألا أكون مشهوراً". وما فعله عوض ذلك إبقاء عينه الثابتة على ما هو أقل وضوحًا.