ستتحدى قرية الألعاب الأولمبية في باريس حرارة الصيف بدون مكيفات.. كيف ذلك؟

نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- آخر مرة استضافت باريس دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، كان قبل مئة عام. وحينها، حرص المنظمون على جمع الرياضيين تحت سقفٍ واحد، وقاموا ببناء أول قرية أولمبية في العالم.

لقد كانت القرية ذات طابع متقشف، ومكونة من أكواخ خشبية مفروشة، ثم فُكّكت بعد فترة وجيزة.

محتوى إعلاني

وبعد مرور قرن على ذلك الحدث، تعود المنافسة إلى "مدينة الأضواء"، ولكن قرر المسؤولون الفرنسيون القيام بأمرٍ مختلف هذه المرة، وذلك عبر ببناء قرية يفترض أن تدوم كجزء من جهودهم لجعل باريس 2024 "الألعاب الأكثر مسؤولية واستدامة في التاريخ".

وقالت جورجينا غرينون، مديرة الاستدامة في ألعاب باريس 2024: "لقد وُضع تصوّر هذه القرية كحي سيكون له حياة بعد ذلك. وألعاب باريس 2024 تستأجره لبضعة أشهر".

وبدلاً من السكن في شقق مصممة خصيصاً لهم، سيعيش الرياضيون في القرية الأولمبية هذا الصيف، حيث ستصبح كل شقة منزلاً أو مكان عمل لشخص آخر.

فما أن تنتهي دورة الألعاب البارالمبية في 8 سبتمبر/ أيلول، ستتحوّل القرية المؤلفة من 82 مبنى، إلى مساحات مكتبية تتسع لـ6 آلاف موظف، وشقق تتسع لـ6 آلاف شخص آخر.

رياضيون يجلسون أمام إحدى مقصورات القرية الأولمبية خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1924، بباريس، فرنسا. وكانت هذه أول دورة ألعاب تحتوي على قرية أولمبية، حيث بُني عدد من الكبائن بالقرب من الملعب لاستيعاب الرياضيين.Credit: Topical Press/Hulton Archive/Getty Images

وتعقد آمال على هذا المشروع بأن يقدّم نموذجُا للتخفيف من أزمة الإسكان في العاصمة الفرنسية، حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع الأسعار، ووجود أزمة في الإمدادات إلى جعل شراء أو استئجار منزل أكثر صعوبة من أي وقت مضى. 

واختير موقع بناء القرية الأولمبية رغبةً في تنشيط بعض الضواحي الشمالية الفقيرة تاريخيًا في المدينة. 

وتقع القرية عند ملتقى ثلاث ضواحي، سانت دينيس، وهو حي متنوّع تسكنه الطبقة العاملة وارتبط منذ فترة طويلة بالجرائم وانعدام الأمن، وسانت أوين سريع التطور؛ وإيل سانت دينيس، وهي جزيرة تقع على نهر السين

وبعد انتهاء الألعاب الأولمبية، سيتم تخصيص 32% من المنازل الجديدة في سانت دينيس، وسانت أوين، و48% من المنازل التي بُنيت للألعاب في إيل سانت دينيس، بحسب المنظمين.

ومع ذلك، هناك خطر من احتمال زيادة رسوم الإيجار على السكان الحاليين، لا سيما أنه تم الإعلان عن تعهدات مماثلة لبناء مساكن بأسعار معقولة في شرق لندن قبل انعقاد دورة الألعاب الأولمبية عام 2012، ولكن معظم تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح

"معمل اختبار ضخم"

وكما هو الحال مع الألعاب الأولمبية نفسها، التي يقول المنظمون إنّها ستعتمد بنسبة 100% على الطاقة المتجددة، فإن كل ما بُني للقرية أخذ الاستدامة بعين الاعتبار

ولتقليل حجم البناء، قام المنظمون بتعديل العديد من الهياكل الموجودة في الموقع بشكل مؤقت أو دائم، بما في ذلك مصنعًا كهربائيًا قديمًا تم تحويله إلى "مركز للمقيمين". واستأجروا أيضًا استوديوهات الأفلام الموجودة في المنطقة لاستخدامها كمرافق تدريب للرياضيين عوض بناء مرافق تدريب جديدة إسوة بما جرى في بعض الألعاب الأخرى.

واستُخدم الخشب والمواد المعاد تدويرها في بناء المباني، كما تم اتباع وسائل بناء تساهم بخفض البصمة الكربونية للمشروع بنسبة 30٪ لكل متر مربع، وفقًا لغرينون، ما يفوق الحد الذي تنص عليه القوانين البيئية الفرنسية.

تعلو الألواح الشمسية والأسطح الخضراء بعض المباني التي سيقيم فيها الرياضيون خلال الألعاب الأولمبية 2024، في باريس. Credit: Nathan Laine/Bloomberg/Getty Images

وأشارت غرينون إلى أنّ ثلث أسطح المنازل مجهزة بألواح شمسية، فيما يحتوي ثلث آخر على حدائق تهدف إلى خفض درجة الحرارة في الداخل. وتُرِكت ممرات طويلة ومستقيمة تؤدي إلى نهر السين بين المباني لتشكل أنفاق رياح تحمل الهواء النقي بالقرب من النهر إلى أقصى مسافة داخلية قدر الإمكان. 

ويُتوقع أن تكون درجات الحرارة هذا الصيف أكثر دفئًا من المعتاد، بحسب خدمة الأرصاد الجوية الوطنية الفرنسية، وهناك مخاوف واسعة النطاق من أن الحرارة قد تعرض سلامة الرياضيين للخطر.

لكن الهياكل نفسها ليست الأمر الوحيد الذي سيتم إعادة تدويره.

سرير مصنوع من الورق المقوى داخل غرفة الرياضيين في القرية الأولمبية بسان دوني، فرنسا.Credit: Nathan Laine/Bloomberg/Getty Images

ستضم القرية حوالي 3000 شقة تحتوي على 14،250 سريرًا مصنوعًا من مواد قابلة لإعادة التدوير، مماثلة لتلك المستخدمة في طوكيو.

كرسي مصنوع من الورق المقوى القابل لإعادة التدوير معروض في مكان إقامة الرياضيين في القرية الأولمبية في سان دوني، فرنسا.Credit: Nathan Laine/Bloomberg/Getty Images

في جميع أنحاء القرية، يجري المنظمون مجموعة من التجارب لمعرفة ما إذا كانت التقنيات الخضراء الجديدة وطرق البناء قابلة للتطبيق في العالم الحقيقي.

ووصّفت غرينون الأمر بأنه "معمل اختبار ضخم".

بُني رصيف تجريبي في القرية الأولمبية باستخدام الأصداف البحرية التي يفترض أن تمتص الماء الذي يتبخر بفعل الحرارة للحفاظ على برودة المارة.Credit: Joshua Berlinger/CNN

الحفاظ على البرودة

يرجح أن يكون الابتكار الأكثر عرضة للتدقيق هو نظام التبريد بالطاقة الحرارية الأرضية، حيث يمكن للرياضيين في باريس أن يواجهوا المستوى ذاته من الحرارة والرطوبة الشديدة التي غمرت طوكيو خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية هناك قبل ثلاث سنوات.

وقال سيباستيان كو، رئيس الاتحاد العالمي لألعاب القوى، في تقرير نُشر في 18 يونيو/ حزيران يبحث في مخاطر الحرارة المرتبطة بألعاب هذا الصيف: "يجب النظر إلى تغير المناخ بشكلٍ متزايد باعتباره تهديدًا وجوديًا للرياضة".

وفي حين تم تجهيز الطبقة الأرضية لبعض المباني في القرية الأولمبية بالمكيفات التقليدية لأنه سيتم تحويلها إلى محلات تجارية بعد الأولمبياد، فإن شقق الرياضيين ستستخدم التبريد الحراري الأرضي عوض تكييف الهواء.

يأخذ هذا النظام المياه المبردة إلى 4 درجات مئوية (39 درجة فهرنهايت) من آبار يصل عمقها إلى 70 مترًا تحت الأرض في محطة قريبة للطاقة الحرارية الأرضية، وينقلها إلى أنابيب تحت أرضيات كل شقة

وينبغي أن تكون المياه الباردة قادرة على تبريد المبنى بمقدار 6 إلى 10 درجات مئوية أدنى مقارنةً بدرجة الحرارة في الخارج، وفقًا بحسب لورنت ميشود، مدير القرية الأولمبية والبارالمبية في ألعاب باريس 2024

وفيما سيتم التحكم بالنظام على مستوى المبنى، ستتمتع كل شقة بمنظم حرارة يسمح لها بخفض أو رفع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين في كل وحدة. سيقوم النظام أيضًا بتدفئة الشقق في فصل الشتاء.

وأدت أزمة المناخ التي يسببها الإنسان إلى جعل موجات الحر أكثر تكرارًا وشدة، وهي تبدأ في وقت مبكر من العام في أجزاء كثيرة من العالم

وباريس معرضة للخطر بشكل خاص، حيث أن الناس في العاصمة الفرنسية أكثر عرضة للوفاة بسبب الحرارة الشديدة أكثر من أي مدينة أخرى في أوروبا، حسبما أظهرت دراسة شملت أكثر من 850 مدينة.

شرفات مبنى سكن الرياضيين بالقرية الأولمبية في سان دوني شمال باريس. ستشكل حيًا بيئيًا حيث يقل ارتفاع جميع المباني عن ثمانية طبقات مصنوعة من الخشب والزجاج، وسيتم الحصول على جميع الطاقة بشكل مستدام عبر المضخات الحرارية ومصادر الطاقة المتجددة.Credit: Nathan Laine/Bloomberg/Getty Images

اعتبارًا من عام 2022، كانت 19% فقط من جميع المنازل الأوروبية مجهزة بمكيفات الهواء، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية. 

ولكن الحرارة الشديدة في جميع أنحاء العالم أدت إلى زيادة الطلب العالمي على وحدات تكييف الهواء، ما شكل مشكلة مناخية محيرة، حيث تستخدم أنظمة تكييف الهواء كميات كبيرة من الطاقة، ولا يزال مصدر معظمها الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون المُسخِّن للكوكب.

بالنسبة للوفود التي تشعر بالقلق إزاء فعالية النظام خلال موجة الحر، ستقدم لهم القرية خيار استئجار وحدات تكييف هواء فردية.

وعندما سُئلت عمدة باريس، آن هيدالغو، عن نقص مكيفات الهواء في القرية في مارس/آذار، قالت إنّ القرية "مصممة لتجنب الحاجة إلى تكييف الهواء، حتى في درجات الحرارة المرتفعة للغاية".

وتابعت: "نحن على حافة الهاوية. يجب أن يكون الجميع، ومنهم الرياضيون، على دراية بذلك. علينا أن نثق بالعلماء عندما يساعدوننا في تشييد المباني بطريقة رصينة تسمح لنا بالاستغناء عن تكييف الهواء". 

نشر
محتوى إعلاني