كيف تحوّل جراد البحر من طعام للسجناء إلى رمز للمكانة الاجتماعية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رغم هيكله الخارجي الأحمر اللّامع وسُمعته كحشرة بحرية، إلّا أن جراد البحر يُعتبر سلعة فاخرة غير متوقعة منذ فترة طويلة.
وإلى جانب ثمنه الباهظ في قوائم الطعام، فإن هذا النوع من القشريات هو رمز طويل الأمد للثراء في عالم الفن والأزياء، حيث وصل إلى مكانة ثقافية تفوق غيرها من الأطعمة الشهيّة، مثل الكافيار.
ولكن، لم يكن هذا حال جراد البحر دائمًا، حيث كان طعامًا شهيًّا للسجناء والأشخاص الذين خضعوا للعبودية في أمريكا سابقًا.
ورغم أن جراد البحر الوفير في إقليم إنجلترا الجديدة لم يحظ بتقدير كبير من قبل المستوطنين البريطانيين، إلّا أنّ ذلك لا يُجسّد التاريخ الكامل للمخلوق البحري، الذي تم تناوله منذ 250 مليون سنة على الأقل، بحسب كتاب إليزابيث تاونسند "Lobster: A Global History".
وكتبت تاونسند: "بدأت علاقة حب العالم لجراد البحر بدافع الضرورة.. كان البشر بحاجة إلى تناول الطعام، وغالبًا ما كانت القشريات في متناول اليد.. لكن أصبح هذا النوع من القشريات في نهاية المطاف أكثر من مجرد طعام، فقد تحوّلت مكانته من بروتين حيوي إلى رمز ثقافي".
في التاريخ القديم، الذي يعود إلى العصور الحجرية، كان جراد البحر يُعتبر "طعامًا ضروريًا للبقاء على قيد الحياة"، وفقًا لما ذكرته تاونسند، للأسباب ذاتها التي تجعله قيّمًا اليوم، إذ أنه من الصعب جمع جراد البحر ونقله لأنه يتحلّل بسرعة بمجرد قتله.
وكان جراد البحر يحظى بالتبجيل في بعض الأماكن بالعالم القديم أيضًا، حيث ظهر على معبد مصري يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وعلى أرضية فيسفسائية تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد في مدينة بومبي الإيطالية.
وكان يتم استهلاك جراد البحر بطرق مختلفة عبر المناطق والعصور.
وبعد أن كان يُقدّم مسلوقًا، أو مُدّخنًا، أو مخبوزًا، أصبحت كتب الطبخ تقترح أطباقًا، مثل حساء جراد البحر الحارّ، خلال فترة دخول أوروبا العصور الوسطى. وأوضحت تاونسند أن هذا المُكوّن كان باهظ الثمن بسبب تكاليف النقل.
وعندما بدأت التجارة البحرية في إعادة تشكيل العالم، أصبح جراد البحر مُكوّنًا رئيسيًا للأوروبيين الأرستقراطيين الذين كانوا يقدمون ولائم مُكدّسة بالمكونات العالمية الغريبة لاستعراض ثرواتهم وسلطتهم.
وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر، عكس الفن في مقاطعة فلاندرز البلجيكية الرغبة ذاتها في تكديس مجموعة رائعة من السلع.
وقال كريستوفر د. أتكينز، وهو مدير مركز الفن الهولندي بمتحف الفنون الجميلة في بوسطن لـCNN: "كانت هناك حركة أكبر في لوحات الحياة الصامتة مثل مشاهد متواضعة نسبيًا في شمال أوروبا ومشاهد أكثر فخامة وتفصيلاً".
وأضاف أتكينز: "في وقت سابق، كان الرسّامون الهولنديون يُصوّرون وجبات طعام بسيطة نسبياً، مثل أسماك الرنجة، والجبن، وكأس من الجعة".
ولكن مع ازدياد ثراء المنطقة، ازدادت مواضيع الرسم، حيث ظهرت الفاكهة والنبيذ، والأواني الزجاجية، والخزف المستوردة، والسلع الفاخرة،
وأظهر الرسام ويليم كالف، من عام 1565، جراد البحر إلى جانب قرن جاموس لامع، وأواني زجاجية، وسجّادة مُزخرفة.
وقال أتكينز إن الكركند ربما كان جاذبًا للفنانين في تلك الحقبة أيضًا باعتبار أنه يُضيف لونًا زاهيًا إلى لوحاتهم أو بسبب قوامه الفخم والمتناقض، مضيفًا: "لقد قدّم فرصة للرسّامين للتباهي".
ومع مرور الوقت، أصبح جراد البحر أيضًا محطّ الأنظار في تاريخ الفن والموضة، بدءًا من الصحفية البريطانية آنا وينتور التي ارتدت قطعة من تصميم "برادا" في حفل الـ"ميت غالا" بعام 2012 إلى المغنية الأمريكية زندايا التي ارتدت تنورة من تصميم دار الأزياء الإيطالية "سكيابارلي".
ومع ترسيخ مكانته في عالم الطهي والثقافة البصرية على حد سواء، فمن غير المُرّجح أن يفقد جراد البحر رمزيته في وقت قريب.