ما السبب وراء انتعاش قطاع الأزياء في جزيرة إيبيزا الشهيرة بين محبي الحياة الليلية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تتمتع جزيرة إيبيزا، التي تُعد جزءًا من أرخبيل البليار القريب من البر الرئيسي لإسبانيا، بتصورين مختلفين حيث ينظر التصور الأول إلى الجزيرة كوجهة للحياة الليلية والحفلات الصاخبة التي تستمر طوال الليل، والتي أكسبت الجزيرة شهرةً عالمية، وخاصةً منذ أواخر الثمانينيات، بينما يوفر التصور الآخر، مشهدًا معاكسًا لهذه الليالي الجامحة، ويتميز بالسكينة، ويحتضن ثقافة مضادة في البحر الأبيض المتوسط.
يمكن رؤية هذه الأجواء من خلال "أسلوب إيبيزا"، الذي يتميز بالفساتين البيضاء المستوحاة من النمط الـ"بوهيمي"، والأقمشة الخفيفة، والملابس التي تشبه الملابس الداخلية، والكتان، والألوان الترابية.
وأوضحت الصحفية جالا مورا أنّ هذه الإطلالة نشأت في الستينيات والسبعينيات، عندما أصبحت إيبيزا بمثابة "مركز عالم محبي الهيبي (في أوروبا)".
في مقابلةٍ مع موقع CNN بالعربية، قالت مورا، التي شاركت في تأليف كتاب جديد يُدعى "Ibiza Interiors": "اجتمع مزيج من الأشخاص من جميع مناحي الحياة هنا، ووجدوا ملجأً في الجزيرة، واكتشفوا مكانًا يتمتع بتقاليد حرفية غنية"، موضحة أن "اليوم، لا يزال (أسلوب إيبيزا) متواجدًا ويمكن التعرف عليه تمامًا في أي مكان حول العالم".
وإلى جانب المتاجر الموجودة في الجزيرة مثل "Annie's Ibiza" و"Vicente Ganesha"، يحتفل المدير الإبداعي لشركة "Loewe"، جوناثان أندرسون، بهذا الأسلوب أيضًا.
ومنذ عام 2017، قاد أندرسون، الذي ترعرع وهو يأخذ إجازات طويلة في إيبيزا، تعاونًا راقيًا بين دار الأزياء الفاخر ومؤسسة محلية أخرى تُدعى " Paula’s boutique".
ومعًا، تنتج العلامات التجارية هذه مجموعة سنوية من الملابس النسائية، والرجالية، والإكسسوارات التي تجسد جوهر النمط "البوهيمي" لأسلوب جزر البليار.
وشهد صيف 2024 أيضًا إطلاق علامة "Reformation" للملابس مجموعة خاصة لإيبيزا، والمُصمَّمة لرواد النوادي والشواطئ.
ولكن الموضة ليست سوى جانب واحد من سمعة إيبيزا الدولية المتنامية كمركز إبداعي.
وقال نائب الرئيس الأول في شركة "L.E.R" للعلاقات العامة، شين فونر، الذي يمثل فندق السياحة الزراعية الأنيق "Cas Gasi" الواقع وسط الجزيرة، إنّ المنطقة أصبحت تحظى بشعبية متزايدة بين المسافرين من أمريكا الشمالية، وينجذب الكثير منهم إلى المكان بفضل سمعة إيبيزا التي تسمح للاشخاص بالتباطؤ والنظر إلى جوهرهم.
وشرح فونر: "عندما حدثت الجائحة، كانت هناك فرصة لإعادة صياغة ما كانت تتمحور حوله إيبيزا، أي السفر البطيء، والعافية، واليقظة".
وأكدّت سلسلة من الكتب المصورة الجديدة هذا الرأي، مثل كتابي "Ibiza Interiors" لمورا، و"Ibiza Bohemia" الذي نشرته شركة " Assouline"، وكتاب "Oriol Maspons Ibiza" الذي نشرته " IDEA"، والمحرر من قِبَل "Agony + Ecstasy Gallery Ibiza".
وتحتفي جميعها بالتاريخ الطويل للجزيرة كمركز للإبداع، والتصميم، وأسلوب الحياة الـ"بوهيمي".
ويعرض كتاب " Oriol Maspons Ibiza" أعمال المصور الإسباني الشهير، أوريول ماسبونس، الذي قضى مواسم الصيف في الجزيرة من أواخر الستينيات إلى أواخر الثمانينيات، حيث التقط مئات الصور التي تُظهر جماليات إيبيزا الفريدة.
وتتمتع الجزيرة بتقليد طويل في كونها موطنًا للمبدعين من ذوي التفكير المتقدم.
وكانت مجموعة "إيبيزا 59"، التي سُميت بهذا الاسم نسبة إلى العام الذي تأسست فيه، عبارة عن مجموعة من الفنانين المضادين للثقافة من بلدان مختلفة، اجتمعوا جميعًا على الجزيرة في الوقت ذاته.
ومهّد هذا المسار لستينيات القرن العشرين، وأُقيم أول معرض بينالي فني بالجزيرة في عام 1964، وبعد خمس سنوات، افتُتح متحف الفن المعاصر في إيبيزا بالحي التاريخي بالمدينة.
وتعود الجزيرة إلى المشهد الفني الذي لعب دورًا كبيرًا في تاريخها، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى معرض "Contemporary Art Now" (CAN)، الذي جلب أكثر من 30 معرضًا فنيًا وطنيًا ودوليًا إلى الجزيرة لعرض أحدث ما في الفن المعاصر والطليعي.
وأوضح المدير المؤسس لمعرض "CAN" للفنون، سيرجيو سانشو، في مقابلة مع CNN: "إيبيزا تُعيد اختراع نفسها، أعتقد أنّ هذه موجة جديدة في مشهد الفنون والثقافة للجزيرة".
ويرغب سانشو في تسليط الضوء على الإبداعات والحرف اليدوية المحلية كجزء من المعرض.
وبصفته جامعًا شغوفًا للأعمال الفنية، أسَّس سانشو معرض "UVNT" للفنون في مدريد بعام 2017، ولكن أثناء زيارته لإيبيزا أثناء الجائحة، مكّنته الأجواء الهادئة غير الاعتيادية من رؤية العروض الثقافية للجزيرة بعمق وإمكانيتها لاستضافة معرض فني دولي.
كما أثّرت الأجواء النابضة بالحياة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على اتجاهات الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي في إيبيزا، ما أدى إلى ظهور جماليات تصميم فريدة تُعرف باسم أسلوب "إيبيسينكو" (Ibicenco) الذي لا يزال يحظى بشعبية في مجال الموضة.
ويمكن رؤية ذلك في كتاب "Ibiza Interiors"، الذي يعرض تصاميم منزلية مميزة تستغل الحجارة، والمواد المحلية، بما في ذلك الخشب، والألوان الترابية.
وأكّدت مورا: "لا أعتقد حقًا أنّ إيبيزا اكتسبت شعبية في السنوات الأخيرة، بل أعتقد أنّها تمتعت بشعبية فنية دائمًا"، موضحة أنه بينما قد يسعى الأشخاص إلى نمط حياة معين، غير أن ما يجدونه قد يختلف عمّا كانوا يتوقعونه.