افران منتجع " الماء والخضرة" في الأطلس المغربي.. بالصور
الرباط، المغرب (CNN) -- هي درة الأمكنة الظليلة والخضراء في المغرب وعروس المناطق الجبلية التي تتوزع كسوتها بين الماء والشجر. تستحق " افران" المغربية اسمها الأمازيغي ويعني "الكهوف"، فمسالكها الجبلية الغائرة تحفظ أسرار الكثير من الكهوف الموروثة عن أزمنة جيولوجية قديمة.
بين مدينتين تاريخيتين عريقتين، هما فاس ومكناس، المعروفتين أيضاً بجوهما الحار صيفا، تتخذ افران موقعا في حضن الجبل لتمنح الهاربين من قيض أغسطس ملاذا رطبا يؤقته مجرى الماء المتدفق من العيون والشلالات، وتشكله غابات الأرز والبلوط التي لا تكشف سر مسالكها اللولبية الا لأبناء المنطقة الراسخين في المكان.
باستثناء تجمعات تقليدية للأهالي في المناطق المحيطة، يقول مؤرخون انها اتخذت طابعا مستقرا دائماً ابتداء من القرن السادس عشر، فان افران مدينة حديثة ترعرعت في حضن الحماية الفرنسية، ابتداء من ١٩٢٨، وهي تدين في طابعها العمراني البيئي الحالي للرؤية التي وجهت اعمار المكان في ذلك الزمن. فقد أريد لها أن تكون نموذجا معماريا على شاكلة المحطات السياحية الشتوية والمنتجعات الجبلية في مناطق أوروبا الغربية مثل فرنسا وسويسرا، وكذلك حافظت المدينة على هويتها حتى اليوم، عكس مناطق كثيرة شوه مظهرها التمدن العشوائي أو الإهمال وعدم التخطيط.
مع تباشير فصل الصيف، تكاد وجهات المغاربة تتوحد شطر مراكز الاصطياف الساحلي الموزعة على الشواطئ الأطلسية والمتوسطية الطويلة للمملكة. وحدها افران تكسر المشهد البحري الطاغي لتصنع في ظرف سنين قليلة جاذبية سياحية محلية ودولية مستديمة. هي التي تغوي عشاق ذلك المعطف الأبيض الذي يكسو أعاليها شتاء فيحج اليه هواة التزحلق في جبل ميشليفين المتاخم، وهي التي تمنح الهارب من الحر خيارا آخر غير صخب الشواطئ، وبين الفصلين، تزهو ربيعا باعتدال ودفئ وخضرة.
حتى في ذروة التدفق السياحي، تحافظ المدينة على مظهرها الهادئ. باستثناء قطر صغير تتمركز فيه الخدمات والمرافق الاساسية، أو مراكز الاصطياف الخاصة، تنتظم المساكن التي بنيت وفق طراز أوروبي موحد، يعلوها القرميد الأحمر المقاوم للثلوج والأمطار، على شوارع وأزقة شبه مهجورة، ترصفها الأشجار السامقة التي تتخلى مؤقتا عن أوراقها خريفا لتوشح القارعة ببساط أصفر، بينما تشتبك أغصانها شتاء وربيعا وصيفا لتحيك مظلة طبيعية خضراء صيفا.
حتى سنوات قليلة لم تكن افران تلبي طلب زوارها على أماكن الإقامة بالسعة اللازمة. في غياب فنادق ودور إيواء مصنفة، ظل من تقاليد المدينة انتشار ظاهرة إيجار البيوت الموسمية، التي توفر مداخيل ثمينة لساكنة المدينة التي تعول الى حد كبير على السياحة. مؤخراً بدا المشهد يتغير مع انشاء فنادق واقامات سياحية احترافية تغني عن ترصد شباب يجوبون الشوارع والساحات الرئيسة للمدينة مشهرين المفاتيح كإشارة الى عرض بيوت للإيجار، أياما معدودات.
لهذه اللوحة الطبيعية والعمرانية، انضافت معلمة تعليمية ذات مكانة خاصة في خريطة التعليم الجامعي المغربي، وتتمثل في جامعة الأخوين التي فتحت أبوابها عام ١٩٩٥، مشتقة اسمها من العلاقة الخاصة بين العاهلين الراحلين المغربي الحسن الثاني والسعودي فهد ابن عبد العزيز. وهي مؤسسة تعتمد التدريس بالانجليزية وفق المناهج الامريكية، وتستقطب طلابا مغاربة وأجانب، جلهم من أبناء الطبقات الميسورة، باتوا يضفون نشاطا دائماً على مرافق المدينة من مطاعم ومقاهي ومحلات استهلاكية مختلفة.
أما أيقونة المدينة التي لا تكتمل الرحلة الا بالمثول أمامها من أجل صورة للذكرى فهي أسد افران، المنحوتة الصخرية الشهيرة في قلب المدينة، التي تخلد ملامح حيوان مهدد بالانقراض، طالما شكل رمزا لعنفوان الأطلس وعمق وغنى مجاله الغابوي.
افران مدينة قاهرة السحر. ماء ونبات ومجال بصري مفتوح وانسجام عمراني بديع، وأكثر من ذلك، حرص على تخفيف وطأة الضغط الحضري العدو للبيئة وجودة الحياة، ودرء استيطان الأنشطة الإنتاجية والصناعية المسممة للأجواء والناسفة للحق في الهواء. افران واحدة من المعاقل الاخيرة للتمتع بهذا الحق الحيوي.