آخر سفينة سياحية تعود لموطنها وسط جائحة كورونا.. ماذا حدث مع ركابها في "رحلة العمر"؟

نشر
9 دقائق قراءة

 دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في مطلع هذا العام، انطلقت سفينة الرحلات البحرية العملاقة "كوستا ديليزيوسا"، وعلى متنها حوالي ألفي راكب، من مدينة البندقية الإيطالية متوجهةً إلى البحر الأدرياتيكي في رحلة حول العالم. وكان يأمل ركابها بأن تكون "رحلة العمر".

محتوى إعلاني

وكان طاقم سفينة "ديليزيوسا" المتمرس، وعلى رأسهم القبطان والبحارة المخضرم نيكولي ألبا، يتطلع إلى رحلة طويلة. وكانوا على علم بأنهم سيعملون بجد لإبقاء الضيوف سعداء بينما تشق السفينة محيطات العالم، ولكنهم لم يتوقعوا أن تكون هذه الرحلة مختلفة إلى هذا الحد عن سابقتها.

محتوى إعلاني
رست "كوستا ديليزيوسا" في سيدني، وهي واحدة من وجهات موانئها الأخيرةتصوير: Carlos Páya

وبدلاً من ذلك، مع انتشار جائحة فيروس كورونا، ستبحر سفينة "ديليزيوسا" إلى التاريخ.

وعندما انطلقت في رحلتها، كانت السفينة التي يبلغ طولها 965 قدماً من بين آلاف السفن السياحية التي تجوب محيطات العالم. وفي الوقت الذي وصلت فيه "ديليزيوسا" إلى إيطاليا هذا الأسبوع، كانت آخر سفينة سياحية لا تزال في البحر وتحمل أعداداً كبيرة من الركاب.

وقد كشف الركاب الذين أكملوا الرحلة البحرية عن إحساسهم بالإبحار حول الكوكب وسط غرق العالم في أزمة جائحة كورونا، ووسط مخاوف متزايدة من صعود الفيروس على متن السفينة وإلحاق الدمار بمن عليها.

وفي الأسابيع القليلة الأولى، كانت الأمور تسير كالمعتاد. وقضى الضيوف وقتاً ممتعاً خلال الإبحار من برشلونة إلى بربادوس، حيث أشعة الشمس، وبرامج الترفيه على متن السفينة، وتجربة زيارة أماكن جديدة على خريطة العالم.

وكان من بينهم دانا ليندبرج، محللة أعمال متقاعدة من ولاية تكساس والتي كانت تخطط لرحلتها منذ عام 2018. والصحافي المتقاعد كارلوس بايا وزوجته يولاندا. وقرر بايا، وهو من فالنسيا، اغتنام اللحظة والشروع في رحلة بحرية طويلة بعد أن تم تشخصيه بمرض باركنسون.

الزوجان يولاندا وكارلوس بايا في صورة تذكارية على جزيرة القيامة خلال الرحلةتصوير: Carlos Páya

وتوقفت السفينة بعد ذلك في أمريكا الجنوبية والمحيط الهادئ. وقامت ليندبرج بإثراء صفحتها على موقع "فيسبوك" بلقطات عن تماثيل جزيرة القيامة ومقتطفات الحياة على متن السفينة. بينما استمتع كارلوس ويولاندا بايا باستكشاف المركز التاريخي في عاصمة بيرو، ليما.

وعندما كانت السفينة تبحر في فبراير/شباط، بدأ شبح "كوفيد-19" بمطاردة الرحلة. وبدأت عناوين الأخبار المقلقة خارج آسيا في زيادة مخاوف الركاب، بما في ذلك خبر الحجر الصحي المثير للجدل لسفينة مليئة بالركاب في اليابان، مما دفع القبطان إلى مراجعة مسار الرحلة لتجنب المنطقة الموبوءة.

دانا ليندبرج (أقصى اليمين) مع راكبين على متن السفينةCredit: Dana Lindberg

وأصيب العديد من الركاب بخيبة أمل، ولكن ليندبرج لم تمانع، إذ تضمن المسار الجديد التوقف في جزر المالديف وسيشيل.

وكتبت  ليندبرج على "فيسبوك" في 22 فبراير / شباط: "جميع الموانئ تعد جديدة تقريباً بالنسبة لي، ولا أريد على الإطلاق أن يتم حجري في مقصورة داخلية ... آمل أن تبدأ حالات الإصابة الجديدة في الانخفاض".

ويقول بايا إنه شعر بالحزن لتفويت فترات التوقف المخطط لها في اليابان، وكوريا، وتايوان، وهونغ كونغ. وأعرب عن قلقه إزاء تقارير عن تأثير الفيروس في الصين. ولكنه في النهاية كان واثقاً من أن المسار الجديد سيبقي السفينة في آمان.

ويوضح لـ CNN أن "كوفيد-19" كان خلفهم. وكانوا يحاولون مراوغته، إذا جاز التعبير.

ومع ذلك، بدا الوضع خارج السفينة يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وكانت هناك تقارير عن إصابات بالفيروس على متن الرحلات البحرية الأخرى في جميع أنحاء العالم.

وفي 13 مارس/آذار ، قامت الرابطة الدولية لخطوط الرحلات البحرية، وهي الهيئة التي تشرف على معظم شركات الرحلات البحرية الكبرى، بتعليق عملياتها من موانئ الولايات المتحدة، مما أدى إلى بدء سلسلة من عمليات الإسترداد، ما أدى إلى تدافع جميع السفن الترفيهية الكبيرة للعثور على ميناء آمن وإيصال الركاب إلى بر الأمان.

شاهد ركاب السفينة العديد من مناظر غروب الشمس من على سطح السفينةCredit: Courtesy Conny Seidler

وعند هذه النقطة، رست السفينة في مدينة "Albany" التاريخية والي تقع في الطرف الجنوبي لأستراليا. بالنسبة لمعظم من كانوا على متنها، كانت آخر تجربة على اليابسة حتى عادوا إلى أوروبا بعد أكثر من شهر.

ويذكر بايا أنهم كانوا سعداء للغاية، مشيراً إلى أمسية ممتعة قضيت في الإحتفال بعيد القديس باتريك في حانة محلية، وأضاف:"لم نكن نعرف أن السعادة انتهت هناك".

وبينما كان الركاب يستمتعون بآخر مذاقٍ للحرية، كان قبطان السفينة، نيكولي ألبا، يحاول صياغة خطة من شأنها توجيه سفينته، وركابها وطاقمها، بعيداً عن الخطر.

القبطان نيكولي ألبا على متن سفينة "كوستا ديليزيوسا"Credit: Costa Cruises

وقال ألبا لـ CNN: "كنت أتوقع تجربة فريدة، ولكنها تجاوزت كل التوقعات"، مضيفاً أنه منذ مغادرتهم، في 5 يناير/كانون الثاني من البندقية، "تغير العالم بأكمله".

وأشار ألبا إلى أن الوضع كان غريباً، مع إغلاق مختلف الموانئ والبلدان.

ومع وصول السفينة إلى فريمانتل، أستراليا في 16 مارس/آذار، قرر ألبا، بالإتفاق مع شركة خطوط الرحلات البحرية "Costa Cruises"، عدم السماح لأي راكب بالخروج من السفينة.

وجاء القرار الرسمي بأن السفينة ستستمر في رحلتها حول العالم، ولكن بدون التوقف في الموانئ. وكان من المقرر أن تعود السفينة إلى البندقية في 26 أبريل/نيسان.

وانتشرت الشائعات على متن السفينة عن الموانئ المغلقة والحجر الصحي. وقرر بعض الركاب القلقين حجز رحلات من فريمانتل للعودة إلى الوطن.

وبالنسبة للعديد من الركاب، فإن الأسبوعين الأولين بعد مغادرة أستراليا كانا الأصعب. وعرف الجميع أن فترة حضانة الفيروس هي 14 يوماً، مما يعني أنه إذا كان أياً من الركاب قد أصيب بالعدوى فمن المحتمل أن يبدأ في إظهار الأعراض قريباً.

الراقصة كوني سيدلر ، في الصورة على خشبة مسرح سفينة "كوستا ديليزيوسا"Credit: Conny Seidler

وشعرت الراقصة النمساوية ضمن طاقم الترفيه على السفينة، كوني سيدلر، بالتوتر حيال كيفية إيقاف انتشار الفيروس إذا وقعت إصابة على السفينة، فهي تبلغ من العمر 31 عاماً وتنعم بصحة جيدة، ولكن ماذا عن العديد من الركاب الذين هم ضمن الفئة المعرضة للخطر. 

وتصاعد التوتر مع انتشار التقارير حول تأثر أوروبا بالفيروس. وكان العديد من الركاب من إيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، أي من الدول الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من المخاوف، أدرك العديد من الركاب أن الحظ يحالفهم. إذ دخلت البلدان في جميع أنحاء العالم عمليات الإغلاق وحظر السفر وإجراءات التباعد الاجتماعية، بينما استمروا هم في التمتع بحمامات الشمس، وعروض المسرح، والطعام الفاخر.

وتم تنفيذ بعض تدابير التباعد الاجتماعي على متن السفينة. وتقول سيدلر إن فرقتها بدأت في تقديم المزيد من العروض حتى يتمكن الركاب من الجلوس بعيداً عن بعضهم البعض خلال كل عرض.

ولكن على عكس السفن السياحية الأخرى، اتاحت السفينة حرية تنقل الركاب كالمعتاد.

وكانت هناك فترة وجيزة مدتها حوالي 36 ساعة أرغمت الركاب على البقاء في غرفهم، بعد أن غادر أحد الركاب السفينة في صقلية لأسباب صحية، ولكن تم رفع الحجر الصحي بعد اختبار هذا الراكب سلبياً لفيروس كورونا.

وتوفي أحد الركاب على متن السفينة في 6 أبريل/نيسان، وفقاً لسلطات الموانئ في إيطاليا، ولكن لا يعتقد أن الوفاة مرتبطة بفيروس كورونا.

ويقول بايا إنه تفاجأ بهدوء واحترافية طاقم السفينة في مثل هذه الظروف الصعبة.

السفينة بعد أن رست في مدينة جنوا الإيطاليةCredit: Conny Seidler

ويوم الاثنين بتاريخ 20 أبريل/نيسان، رست سفينة "كوستا ديليزيوسا" في برشلونة، حيث غادر 183 راكباً إسبانياً وبرتغالياً و 112 ضيفاً فرنسياً. وكان من بينهم بايا.

وبالنسبة لبايا، كانت العودة إلى منزله في مدينة فالنسيا جنوب شرق إسبانيا بمثابة العودة إلى مكان مختلف تماماً عما تركه في يناير/كانون الثاني. إذ لم يكن هناك ضجيج ولا تلوث.

ووصلت السفينة إلى الميناء الأخير في جنوا، في 22 أبريل/نيسان، ونسقت شركة" Costa" عودة الركاب إلى أوطانهم، الذين حصلوا أيضاً على تعويض.

نشر
محتوى إعلاني