عملية هروب كاتالبا.. قصة أحد أفظع حالات الهروب من السجون في أستراليا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- بدأ كل شيء برسالة أُرسلت من داخل "مقبرة" أسترالية، وهي وثيقة مقنعة للغاية لدرجة أنها دفعت عصابة أمريكية إلى الإبحار لمسافة 20 ألف كيلومتر، لتنفيذ ما يمكن اعتباره أحد أفظع عمليات الهروب من السجون، في تاريخ أستراليا.
وفي عام 1876، تسللت المجموعة الجريئة إلى أستراليا لإطلاق سراح ستة سجناء سياسيين أيرلنديين، باستخدام سلسلة من الرموز والملابس التنكرية.
واليوم، بعد 145 عاماً، يتعلم جيل جديد من الأستراليين عن طريقة الهروب هذه بفضل متحف "WA Boola Bardip".
وأُغلق المتحف، الذي أعيد افتتاحه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لمدة أربع سنوات، بهدف إعادة تطويره.
ومن بين معارضه الثمانية، يقدم المتحف بعضاً من الصور التي ستعود بك إلى زمن عملية إنقاذ كاتالبا، حيث جاءت تسميتها من السفينة، التي صعدوا على متنها إلى الحرية.
ويضم معرض كاتالبا الجديد، في متحف "WA Boola Bardip"، صوراً للسفينة والسجن الذي فروا منه، كما يقدم شرحاً حول تصدر هذه العملية عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وإلهام العديد من الأغاني الشعبية.
السجن بتهمة ارتكاب جرائم تمرَد
وفي ولاية تنحدر نسبة 10% من سكانها من أصول أيرلندية، تظل واقعة هروب كاتالبا بمثابة قصة مثيرة عن الشجاعة والتمرد.
وفي ستينيات القرن التاسع عشر، اعتقل البريطانيون العديد من حركة فينيان القومية الأيرلندية والتي تهدف إلى إنهاء الاحتلال البريطاني لأيرلندا، وتم سجنهم بتهمة ارتكاب جرائم تمرد، بحسب ما أوضح الكاتب الأيرلندي الأسترالي، بيتر مورفي، وهو مؤلف كتاب "Fenian Fear".
وأُرسل 62 شخصاً من حركة فينيان إلى أستراليا الغربية، حيث سُجنوا في سجن فريمانتل سيئ السمعة الذي تديره بريطانيا، ويقع في ميناء فريمانتل في منطقة برث الحضرية.
وبُني هذا السجن الحجري الضخم في خمسينيات القرن التاسع عشر، وهو المبنى الوحيد المدرج ضمن قائمة التراث العالمي في أستراليا الغربية، ويُعد الآن أحد أفضل مناطق الجذب السياحي في برث.
وأوضح مورفي أن أحد هؤلاء السجناء البالغ عددهم 62 سجيناً، قد تمكن من الفرار من سجن فريمانتل في عام 1869، ويُعرف باسم جون بويل أورايلي، وهو ناشط أيرلندي مشهور أصبح فيما بعد أساس مهمة كاتالبا.
وقبل أورايلي، لم يتمكن أي سجين آخر من الهروب من سجن فريمانتل.
وترسخت فكرة هروب كاتالبا عندما سمع رجل أيرلندي يعيش في نيويورك، جون ديفوي، "صوتاً من القبر" في عام 1874. وكانت هذه هي الصياغة المخيفة التي استخدمها جيمس ويلسون لوصف سجنه في رسالة إلى ديفوي، متوسلاً مساعدته للهروب من سجن فريمانتل.
وبمساعدة قس أيرلندي، تمكن أشخاص من حركة فينيان من تهريب مثل هذه الرسائل من السجن إلى الأعضاء البعيدين والأحرار. ومع ذلك، كان ديفوي هو الوحيد الذي رد على مكالمتهم اليائسة.
واشترى سفينة كاتالبا في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، التي قام بتحويلها إلى سفينة لصيد الحيتان كنوع من التمويه، قبل إبحاره إلى برث مع طاقم صغير.
وكان قبطان كاتالبا أمريكياً، يُعرف باسم جورج سميث أنتوني، حيث قيل إنه متعاطف مع قضية حركة فينيان.
الهروب من السجن؟ كان هذا الجزء الأسهل
وأدرك أفراد طاقم الإنقاذ أنهم لا يستطيعون الإبحار إلى أستراليا، وإنقاذ بقية المسجونين ببساطة. لذلك، طلب ديفوي المشورة من أورايلي، على أمل استغلال تجربة هروبه من برث.
وأرسل ديفوي اثنين من حركة فينيان إلى برث، وهما توماس ديزموند وجون بريسلين، حتى يقومان بجمع المعلومات الاستخباراتية على الأرض، وتظاهرا أنهما رجال أعمال أثرياء، جاءا لدراسة سجن فريمانتل بحثاً عن الثغرات الأمنية فيه.
وقام بريسلين بزيارات متكررة إلى السجن، تحت ستار البحث عن عمل المحكوم عليهم. وجاءت زيارته الأخيرة بعد أن تلقى برقية مشفرة من قبطان كاتالبا، والتي كشفت عن تاريخ وصول السفينة إلى برث.
وأثناء وجوده داخل السجن، تمكن بريسلين من إيصال معلومات عن خطة الهروب إلى أفراد حركة فينيان المسجونين. وكانت الرسالة الرئيسية تتمثل بأنه في 17 أبريل/ نيسان، يجب انضمام كل رجل إلى عصابة عمل، وهي مجموعات عمالية تقوم بأعمال خارج أسوار السجن.
وعندما جاء ذلك اليوم، كان كل شيء في مكانه.
وانتظر بريسلين في مكان الاجتماع، حيث كان يحمل أسلحة، وخيول، وعربتين. وقبالة ساحل روكينجهام، وقفت كاتالبا وسفينة إنقاذ أصغر.
وتمكن السجناء الستة التابعين لحركة فينيان من التحرَر من عصاباتهم، والاندفاع إلى موقع الالتقاء.
وكان بريسلين في انتظارهم، إذ رآهم يندفعون نحوه ثم قفزوا في عربات الخيول، وتحركوا على طول الساحل إلى شاطئ روكنغهام.
وحملهم قبطان كاتالبا في قارب صغير، وتوجه إلى سفينة صيد الحيتان.
وفي طريقهم الى السفينة، واجهوا عاصفة، إذ اعتقد جميعهم أنهم لن يتمكنوا من النجاة، وحالفهم الحظ لتفادي اكتشافهم من قبل قوارب الشرطة.
ولكن سرعان ما تم رصدهم في المياه الدولية من قبل سفينة بريطانية محملة بحراس استعماريين ومسلحة بمدفع.
وأطلق الحراس النار ورد أفراد حركة فينيان بأسلحتهم النارية، بينما أضاءت الانفجارات مياه المحيط بالقرب من فريمانتل.
ووفقاً لمعرض في متحف كانبرا الوطني الأسترالي، رفع القبطان الأمريكي علم الولايات المتحدة على سارية السفينة، وقال بصوت عالٍ: "هذا هو العلم الأمريكي، أنا في أعماق البحار، علمي يحميني، إذا أطلقت النار على هذا السفينة، تطلق النار على العلم الأمريكي".
ومن الواضح أن الحيلة نجحت.
وبالتالي، نُصح الحراس بتجنب إثارة فضيحة في المياه الدولية، ليتراجعوا أخيراً.
وأبحر الأفراد من حركة فينيان بالإضافة إلى منقذيهم باتجاه الولايات المتحدة، حيث وصلوا إلى نيويورك على وقع استقبال صاخب من أعضاء الجالية الأيرلندية الضخمة بالمدينة.
ويقول المؤلف مورفي إن هذا الهروب كان مثالاً على التمرد الأيرلندي ضد البريطانيين، الذين قهروا الأيرلنديين لقرون من الزمن.
وفي السنوات التالية، أصبح هذا الانتصار لحركة فينيان بمثابة مصدر إلهام للعديد من الأيرلنديين، الذين بقوا في أستراليا الغربية.
وارتفعت أصواتهم في الحانات المحلية، وهم يغنون قصة فخر كاتالبا، وهي الأغنية التي أزعجت الشرطة في غرب أستراليا، وقاموا بحظرها إلى يومنا هذا.
ونُصب تمثال على شاطئ روكينجهام في برث في عام 2006، على شكل قطيع من الأوز البري، الذي تمتد أجنحته أثناء ارتفاعه نحو السماء.
ويعد "الأوز البري" هو المفضل للجنود الأيرلنديين الذين خدموا في الجيوش الأجنبية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وأصبح الاسم فيما بعد مصطلحاً شائعاً لملايين المهاجرين الأيرلنديين المنتشرين في جميع أنحاء العالم.
ونقشت في قاعدة هذا التمثال الحجري صور لستة أفراد من حركة فينيان أنقذتهم سفينة كاتالبا، وتعود لجيمس ويلسون، ومارتن هوجان، وروبرت كرانستون، وتوماس دراج، ومايكل هارينجتون، وتوماس هاسيت.