جمال مهجور..نظرة داخل مدن الأشباح المتجمدة في روسيا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يبدو المشهد من الأعلى وكأن الثلوج تبتلع المباني، وعن قرب تتألق التفاصيل السوريالية بثريات تزينها قطع الجليد، وأرائك مغطاة بالثلوج، وألواح من الجليد، تتسرب من الأبواب المفتوحة، لتتجمد ويقف بها الزمن.
هذه هي مدن الأشباح المهجورة التي تحيط بمركز تعدين الفحم في فوركوتا، وتقع شمال الدائرة القطبية الشمالية لروسيا، وهي مغطاة بالثلوج والجليد عقب درجات حرارة شديدة البرودة في الآونة الأخيرة.
وسافرت المصورة ماريا باسر التي تتخذ من موسكو مقراً لها إلى المنطقة لتصوير كيفية تأثير الطقس القاسي على المباني المهجورة.
وكانت بلدة فوركوتا عبارة عن معسكر عمل سيئ السمعة من معسكرات "الغولاغ" من الثلاثينيات إلى الستينيات، حيث أُجبر السجناء على التنقيب عن الفحم في المنطقة.
وخلال الأعوام الأخيرة من الاتحاد السوفييتي، انتقل الناس من جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي إلى المنطقة بهدف الحصول على وظائف التعدين.
وتقول باسر لـ CNN: "لجذب عمال المناجم للعيش في ظروف مناخية قاسية، كانت الرواتب هنا جيدة حقاً".
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت مناجم الفحم في الإغلاق، وتغيرت حظوظ المدن مرة أخرى.
وفي ظل عدم وجود فرص عمل، غادر الكثيرون المنطقة المعزولة.
وأدت هذه الهجرة إلى وفرة من المباني المهجورة في القرى المحيطة بفوركوتا، والتي كانت باسر توثقها طوال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وتوضح باسر أنها مأساة أن يضطر الكثير من الناس إلى مغادرة منازلهم، والذهاب للعيش في مكان آخر.
وتشير باسر إلى أن هذه المواقع لديها جمال مهجور، موضحة: "أحاول إظهار ذلك في صوري".
جمال مهجور
وتقول المصورة التي تبحث عن الأماكن المهجورة خلال رحلاتها: "أحب استكشاف العالم، والتقاط صور لكل الأشياء التي بدت جميلة بالنسبة لي".
وكانت باسر على علم بفوركوتا وتاريخها، ولكنها استلهمت رحلة السفر من موسكو إلى المنطقة بعد رؤية الصور الحديثة التي التقطتها صديقتها المصورة لانا ساتور.
وفي غضون أسبوع أو نحو ذلك، وصلت باسر إلى فوركوتا لتنضم إلى صديقتها، وتستكشفان المنطقة معاً.
وتصف باسر التجول في هذه المساحات المنسية بأنها "رائعة ومثيرة للإعجاب حقاً".
وبينما كانت بعض المباني التي وثقتها بعدستها مهجورة كلياً، كان البعض الآخر شبه مهجور.
وبالنسبة لباسر، تعد صورها الأكثر لفتاً للانتباه داخل مبنى أخضر مغطى بالثلج في قرية سيفيرني.
وما زال هناك من يعيشون في هذا المبنى السكني، لذا لا تزال المياه موجودة فيه، بحسب ما ذكرته باسر.
ولكن في بعض الشقق المهجورة بالمجمع، تحطمت الأنابيب، وتدفقت المياه في الغرف، ودفعت درجات الحرارة الجليدية السائل إلى التجمد على الفور في مساحات من الجليد.
وأغلقت بعض المداخل بالكامل بواسطة شلالات الثلج المتجمدة هذه، وهو مشهد لم تر المصورة مثله من قبل.
الظروف القاسية
وكانت درجة الحرارة تبلغ -38 درجة مئوية، خلال تجول باسر في هذه القرى.
وتوضح باسر أن بطاريات آلة التصوير كانت الأكثر عرضة ، لذلك كان عليها أن تحمل كاميرتها تحت معطفها لتبقيها دافئة.
وتشير باسر إلى أنه كان من الصعب تحريك أصابعها بشكل صحيح بسبب البرد، لذا كان عليها ارتداء قفازات.
وإلى جانب الصور التي التُقطت من مسافة قريبة، مثل لقطة رائعة بشكل خاص لثريا متجمدة، التقطت باسر أيضاً صوراً باستخدام طائرة بدون طيار للحصول على منظور شامل.
والتُقطت بعض الصور الجوية في قرية Cementozavodsky، التي تصفها باسر بأنها شبه خالية كلياً.
وتحدثت باسر إلى بعض الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة حول تجربة العيش هنا، إذ قالت: "أشعر وكأنهم يشعرون بالاستياء، لأن المكان الذي ولدوا فيه، يحتضر"، موضحة أن "الأشخاص الذين يريدون الانتقال من المنطقة لا يمكنهم بيع شققهم وعليهم مغادرتها".
ويأمل بعض السكان أن تساعدهم الحكومة الروسية في الانتقال، بحسب ما قالته باسر، ولكنهم يميلون إلى أن تُعرض عليهم منازل في فوركوتا، وليس في أي مكان آخر في روسيا.
وتحدثت باسر إلى بعض الأشخاص الذين يعيشون في مبنى سكني مهجور جزئياً في سيفيرني، إذ قالوا لها إن الأنابيب المكسورة التي جلبت الجليد إلى الداخل لن يتم إصلاحها في أي وقت قريب، لأن المبنى سيصبح مهجوراً تماماً قريباً.
وانتشرت صور باسر في جميع أنحاء العالم خلال الأيام القليلة الماضية، حيث استحوذ جمالها الصارخ على خيال المشاهد، وسلط الضوء على الحياة في هذه الزاوية القطبية الشمالية.
وتريد باسر من المشاهدين أن يأخذوا بعين الاعتبار سياق الصور بالإضافة إلى جمالها، موضحة: "أود أن يشعر الأشخاص الذين يرون الصور بالطريقة ذاتها".