رحلة غيرت حياتها للأبد..قصة حب تجمع مضيفة بضابط وكالة المخابرات المركزية على متن طائرة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في سبتمبر/ أيلول عام 1970، كانت جوسلين نوفاسكي تعمل كمضيفة طيران رئيسية في رحلة تابعة لخطوط "بان أمريكان العالمية" بين باريس ونيويورك، عندما تغيرت حياتها إلى الأبد.
وخلال عامين من عملها في خطوط "بان أمريكان العالمية"، كانت الفتاة البالغة من العمر 23 عاماً قد أقامت صداقات في جميع أنحاء العالم، وقدمت الخدمة للمشاهير بما في ذلك عضو فرقة "البيتلز" رينغو ستار، وظهرت مع زميلاتها المضيفات على صفحات مجلة "باري ماتش" الفرنسية.
وكانت نوفاسكي تقضي فترات التوقف في استكشاف المغرب، والذهاب برحلات السفاري في نيروبي، وركوب الخيل على شواطئ بربادوس، والسباحة في ليبيريا، وتصفح أكشاك المجوهرات في العاصمة اللبنانية بيروت.
كما تتذكر، حدثت حياة نوفاسكي المهنية تقريباً عن طريق الصدفة.
وتخصصت نوفاسكي في علم الأحياء في كلية ماونت سانت فنسنت بمدينة نيويورك الأمريكية، وكانت تطمح إلى أن تصبح طبيبة.
ولكن قبل التخرج مباشرة، طرقت صديقة باب غرفة سكنها، وأخبرتها أن شركة الطيران المشهورة تجري مقابلات لتوظيف مضيفات طيران في مكاتب ناطحة سحاب مانهاتن.
وأصرت صديقة نوفاسكي على أن يذهبا معاً للمقابلة.
ووجدت نوفاسكي نفسها تتذكر الإعلانات التجارية اللامعة: "مضيفتك تعرف طريقها حول العالم، كما لو كنت تعرف طريقك حول المبنى".
وبهدف أن تتأهلن حتى تصبحن مضيفات طيران تابعة لـ"خطوط بان أمريكان العالمية"، تحتاج المرشحات إلى شهادة جامعية والتحدث بلغة ثانية. وكانت والدة نوفاسكي كندية فرنسية، لذا فقد استوفت الشرطين.
وعُينت نوفاسكي، وفي غضون أسابيع من التخرج، وخضوعها لتدريب صارم، بدأت العمل في أول رحلة لها على متن طائرة "بوينغ 727" إلى ناسو، في جزر الباهاما.
ولم تصبح نوفاسكي طبيبة، ولم تنظر إلى الوراء أبداً.
وقالت نوفاسكي لـ CNN: "لقد كانت أفضل وظيفة"، موضحة: "لم تكن وظيفة، بل عملاً نابعاً من الحب".
وفي سبتمبر/ أيلول من عام 1970، كان الحب هو آخر ما يخطر على بال نوفاسكي، إذ كانت قد أنهت علاقة مع طيار قبل ستة أشهر، وكانت تستمتع باستكشاف العالم مع صديقاتها، والتركيز على حياتها المهنية.
وفي ذلك الخريف، أدت المخاوف المتزايدة بشأن عمليات اختطاف الطائرات في أعقاب أحداث 6 سبتمبر/ أيلول 1970، إلى وضع الخطط لبرنامج رسمي للأمن الجوي.
وفي غضون ذلك، عُين الأفراد المؤهلين من منظمات مثل وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في رحلات الطيران.
وأثناء عودتها إلى مطار جون إف كينيدي الدولي من باريس في منتصف سبتمبر/ أيلول، تذكرت نوفاسكي أنه تم إخطار طاقمها أن اثنين من ضباط الأمن سينضمان إلى طاقم الطائرة، أحدهما في الدرجة الاقتصادية والآخر في الدرجة الأولى.
وكانت نوفاسكي تُشرف على مقصورة الدرجة الاقتصادية، وكانت الطائرة على استعداد للإقلاع، بعدما استقل جميع الركاب طائرة "بوينغ 707"، وهي طائرة ركاب ضيقة البدن تستخدمها "خطوط بان أمريكان العالمية" منذ عام 1958.
ولكن، تأخر ضابطا الأمن، الأمر الذي أثار انزعاج نوفاسكي بعد أن علمت أن السبب هو أنهما كانا يشتريان الأوشحة الباريسية، لإثارة إعجاب الفتيات.
وعند وصوله أخيراً على متن الطائرة، قدم ضابط الأمن المسؤول عن المقصورة الاقتصادية نفسه وكان يدعى تايلور هاردينغ، ويرتدي بدلة وربطة عنق بأناقة، ويحمل معطفاً على ذراعه.
وتتذكر نوفاسكي على الفور أنها صُدمت بسحره ومظهره الجميل، ولكنها لم تكن مهتمة بإقامة علاقة ولم تعتقد أنه كان مهتماً بها بجدية، إذ كانت تعمل مع مضيفات سويديات، وكانت الفتيات السويديات مذهلات للغاية، ولم تفكر حتى في التنافس ضدهن، على حد تعبيرها.
وجلس تايلور في مقعده في الصف الثاني، وأقلعت الطائرة لتودع أضواء باريس، وتحلق عبر المحيط الأطلسي.
ومن المفترض أن يندمج الضابط مع الركاب، لذلك قدمت نوفاسكي له الخدمة كما تفعل مع أي راكب آخر، ولكن على عكس كل راكب آخر، حاول تايلور إجراء محادثة مع نوفاسكي في كل مرة تأتي فيها إليه.
وتتذكر نوفاسكي: "لقد كان يتقن الغزل"، معتقدة أنه يفعل ذلك فقط ليجذب انتباه زميلاتها المضيفات.
وعندما بدأت الطائرة في التحليق فوق المحيط، شرعت نوفاسكي مع زميلاتها في تقديم خدمة طعام العشاء، وواصل تايلور محاولة إشراكها في محادثة كلما مرت بجواره.
وبعد أن قامت بمراجعتها المعتادة للمقصورة، نظرت إلى تايلور، ولم يكن ينظر إليها في تلك اللحظة، ولكنها شعرت أنها تسمرت في مكانها، وفجأة فكرت: "أتساءل كيف سيكون الزواج منه؟"، ثم سرعان ما استبعدت فكرة الزواج بهذا الرجل الذي لا تعرفه حتى.
وفي تلك اللحظة صُدمت من هذا اليقين الغريب بأن المستقبل مع تايلور لم يكن محتملاً فحسب، بل حتمياً.
وفي وقت لاحق، كانت نوفاسكي تجلس في مقدمة الطائرة، عندما جلس تايلور بجانبها وسألها أن تخرج معه في موعد.
فأجابته نوفاسكي: "أنا لا أواعد الركاب، وربما أنت متزوج على أي حال".
وعندما أبدت نوفاسكي عدم اهتمامها، أخرج تايلور جواز سفره الذي يثبت عدم ارتباطه.
وعندها شعرت نوفاسكي بالارتياح، ولكنها كانت لا تزال قلقة بشأن مواعدة شخص بالكاد تعرفه. وشعر تايلور بذلك أيضاً، وعاد إلى مقعده.
وعندما اقتربت الطائرة من نيويورك، كان وقت تقديم آخر خدمة للمشروبات، وكانت نوفاسكي تحمل إبريق شاي في يدها، وإبريق قهوة في اليد الأخرى.
ووصلت إلى تايلور، الذي طلب القهوة.
وتتذكر جوسلين قائلة: "بينما كنت أسكب القهوة في فنجانه، نظر إليّ بتلك العينين الزرقاوتين المذهلتين. وبطبيعة الحال، سكبت القهوة في فنجانه. ولسوء الحظ، صببت الشاي في حجره".
وشعرت نوفاسكي بالخوف، وهرعت لتحضر له مناديل القماش، ثم أخبرها تايلور أنه لا داعي للقلق، وقال لها: "الآن عليك أن تخرجي معي".
وتهربت نوفاسكي من السؤال وذهبت إلى زميلتها مالا، التي كانت تقدم الخدمة في الدرجة الأولى، واقترحت مالا دعوة ضابطي أمن الرحلة إلى حفلة الطاقم التي كانت تخطط لها في شقتها في منطقة كوينز بعد الهبوط.
ووافقت نوفاسكي وعادت إلى المقصورة الاقتصادية، لتخبر تايلور وتسرع في تزويده بالعنوان قبل اتخاذ الاستعدادات للهبوط.
وبعد الهبوط، لم تستطع نوفاسكي رؤية تايلور وسط الحشد، وشعرت بخيبة أمل أثناء توجهها من مطار جون كينيدي إلى منزل مالا.
وفي الحفل، لم يكن لتايلور أي أثر. ثم قرع جرس الباب، وإذا بتايلور يدخل ومعه زميله ضابط الأمن.
وتحدث الثنائي نوفاسكي وتايلور لمدة ثلاث ساعات تقريباً عن طفولتهما، وعائلاتهما، وأحلامهما، وسفرياتهما، ولكن الأمر الوحيد الذي لم يطرحه تايلور كان طبيعة عمله في وكالة المخابرات المركزية.
وتتذكر نوفاسكي قائلة: "في نهاية الأمسية، نظر إلي وقال: هل تتزوجيني؟ وفي لحظة من الوضوح والاطمئنان أجبت أجل".
وبعد الحفلة، عادت نوفاسكي إلى منزل والديها في نيويورك، حيث لم تستطع إلا أن تخفي الخبر المصيري.
وفي اليوم التالي، أتى تايلور لرؤية نوفاسكي ومقابلة والديها.
ولم يمض تايلور أو نوفاسكي الكثير من الوقت في مدينة نيويورك قبل أن يتوجها في رحلة عملهما التالية، هو إلى طهران وهي إلى روما.
وفي روما، كان لدى نوفاسكي خطط لقضاء عطلة مع رجل كانت تواعده خلال رحلات التوقف في إيطاليا، ولكن عند وصولها تواصلت معه، وأخبرته أنها لن تتمكن من مقابلته.
وبدلاً من ذلك، أمضت نوفاسكي عطلة نهاية الأسبوع في روما مع مالا وزميلاتها المضيفات، بالتجول في أنحاء المدينة، ورمي العملات المعدنية في نافورة تريفي، والاستمتاع بوجبات المعكرونة.
وعند عودتها إلى نيويورك، تواصل معها تايلور على الفور. وقضيا كل وقتهما معاً عندما لم يكونا مسافرين للعمل.
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام، بعد أسابيع قليلة من لقائهما، عرض تايلور الزواج على جوسلين مرة أخرى، وأجابته بنعم على وجه اليقين.
وفي ليلة عيد الميلاد عام 1970، قابلها تايلور في مطار جون إف كسنيدي، وهو يحمل معه خاتم الخطوبة.
وتزوج الثنائي في مارس/ آذار عام 1971 في كنيسة كلية ماونت سانت فنسنت. ولقضاء شهر العسل، سافرا إلى فيجي، حيث استفاد الثنائي من الخصم الذي حصلت عليه نوفاسكي للسفر في الدرجة الأولى، وقضاء ثمانية أيام من الاسترخاء.
وبعد عودتها إلى الولايات المتحدة، انتقلت نوفاسكي إلى فيرجينيا، حيث كان يقيم تايلور، لكنها بقيت تسافر من نيويورك.
وواصلت نوفاسكي عملها مع "خطوط بان أمريكان العالمية" لمدة عام بعد زواجها، بعد تغير اللوائح للسماح للمرأة المتزوجة بمواصلة العمل ضمن طاقم الطيران.
ولكنها تركت الشركة في عام 1972، عندما انتقلت مهمات تايلور إلى تايلاند، وسرعان ما تبنت المغامرة الجديدة للحياة في جنوب شرق آسيا، تليها فترة في هاواي. ورزق الزوجان بمولودهما الأول، وهي فتاة، بينما كانا يعيشان في هونولولو.
واستقر الزوجان بعد ذلك في فرجينيا لفترة، وأنجبا طفلة ثانية هناك، ولكن قبل فترة طويلة كانا يعيشان في فرانكفورت، ألمانيا.
وخلال مارس/ آذار 2021، يُبلغ تايلر من العمر 80 عاماً، بينما تُبلغ نوفاسكي من العمر 74 عاماً، ويكونا قد أتما خمسة عقود من الزواج.
وتقول نوفاسكي: "لا أصدق أن 50 عاماً مرت بالفعل".
وبالإضافة إلى ابنتيهما، لدى الزوجان الآن 5 أحفاد، وتقول نوفاسكي إن كل فرد في العائلة يحب السفر، حيث قضت إحدى بناتهما عقدين في فرنسا، وإسطنبول ووارسو، والأخرى تقضي عاماً في السفر بعد التخرج.
وقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تواجد الأسرة في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، ولكن على الرغم من عقود من السفر، لا يزال لدى نوفاسكي وتايلور أماكن يرغبان في زيارتها، وهي بوتان وأستراليا.
ويعاني تايلور الآن من بعض المشاكل في الذاكرة، ومع ذلك لا يزال يتذكر باعتزاز تلك الرحلة المهمة عام 1970 من باريس إلى نيويورك.
وتتذكر نوفاسكي قائلة: "لقد كانت رحلة رائعة لن أبدلها بأي شيء"، موضحة: "انتهى بي الأمر بالحصول على تلك الأوشحة الباريسية التي اشتراها تايلور قبل أن يصعد على متن الرحلة التي التقينا فيها".