نظرة داخل مدينة الجن تحت الأرض في تركيا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- للوهلة الأولى يبدو مشهد صخور التوفا الناعمة، المنبعثة من البراكين منذ آلاف السنين، خارجاً عن المألوف، إذ يشكل سلسلة من "المداخن الخيالية" الأثيرية التي نحتتها يد الطبيعة، في مدينة كابادوكيا.
وتقع هذه المنطقة التاريخية فوق سهول الأناضول في وسط تركيا، وصُنفت كموقع للتراث العالمي لليونيسكو، وتجذب آلاف السياح كل عام.
ويلجأ الكثير من الزوار إلى السماء من خلال التحليق بواسطة مناطيد الهواء الساخن مع شروق الشمس، للحصول على رؤية أفضل للتكوينات الصخرية التي يُشار إليها بشكل غريب باسم "مداخن الجنيات"، والتي تأتي في جميع الأشكال والأحجام.
وربما تكون الطبيعة قد خلقت هذا المشهد، ولكن الحضارات القديمة هي التي حولته وعمدت إلى تكييفه مع غرضها الخاص.
وقد سعى السكان بجد للحفاظ على هذا التاريخ والثقافات التقليدية التي نمت في أعقابه، ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر من عمق تلك القمم الشاهقة من الحجر الجيري.
رحلة تحت الأرض
وتعني الصخور الناعمة، مع أنظمة الكهوف المتعرجة وسلسلة الكهوف الطبيعية، أن كابادوكيا أصبحت مشهورة بمدنها تحت الأرض في العصور الوسطى. وعندما وصلت الجيوش المهاجمة إلى هنا، كان الآلاف من الناس يهربون ويبقون على قيد الحياة تحت الأرض، وأحياناً لشهور متتالية.
وتمتد مدينة ديرينكويو على 18 طابقاً إلى عمق 85 متراً، وهي واحدة من أكبر وأعمق المدن الجوفية في تركيا.
وسعى جامع التحف وصاحب أول فندق فاخر في كابادوكيا، عمير طوسون، إلى تعريف الزوار بكل جوانب ثقافة كابادوك، وخاصةً ديرينكويو، التي تُلقب بمدينة الجن.
ويوضح طوسون أن ما يصل إلى 20 ألف شخص كانوا يختبئون في هذه الممرات الضيقة لعدة أشهر في وقت كانت القوات المغولية تجوب المنطقة، وكان بإمكانهم الاستفادة من مئات من غرف المتاجر وأماكن المعيشة وحتى أنفاق الاتصال التي يمكنهم من خلالها نقل الرسائل والأخبار عما كان يحدث فوق الأرض.
واليوم، يدير طومسون فندق "ميوزيم"، ورُمم هذا العقار الفاخر بشق الأنفس على مدى عقدين من الزمن، وهو موطن لـ 60 كهفاً و 10 مبانٍ رائعة، ويعود بعضها إلى ألف عام.
ويعني مشروع طوسون لإعادة الحياة إلى الآثار أنه يمكن للسياح البقاء في هذه البقعة التاريخية الآن، أسفل قلعة أوشيسار، وهي أعلى نقطة في كابادوكيا.
الكنيسة المظلمة
وتتزين الكهوف بأعمال فنية أصلية، مع جناح السلطان المذهل الذي يزخر بحوض استحمام ساخن يطل على "المداخن الخيالية".
ويظهر الفندق المذهل ومدن الكهوف القديمة كيف ساهمت المناظر الطبيعية في تشكيل سكان كابادوكيا، وكيف قاموا أيضاً بتشكيلها مرة أخرى على مدى آلاف السنوات الماضية.
ولا يوجد مكان أفضل من متحف جوريم المفتوح للمساعدة في فهم هذا الرابط بين الطبيعة والناس، ويُعتقد في الأصل أنه كان مستوطنة رهبانية بيزنطية قبل أن يُصبح موقعاً للحج في القرن السابع عشر. وتُعتبر الكنائس العديدة التي حُفرت في عمق الصخر بمثابة موطن للفنون والحرف اليدوية الرائعة.
وبينما تتمتع كل منها بجمال خاص، إلا أن الكنيسة المظلمة تبقى الأكثر روعة بينها.
واكتسبت الكنيسة المظلمة اسمها لأنها لا تحتوي على نوافذ، وقد أدى قلة الضوء إلى الحفاظ على لوحاتها الجدارية الرائعة بالكامل.
أرض الخيول الجميلة
وجابت الخيول البرية هذه الجبال لعدة قرون، وبحسب الأسطورة فإن وجودها هو الذي أكسب كابادوكيا اسمها، إذ تعني كابادوكيا "أرض الخيول الجميلة"، بحسب ما يؤكده عرفان أوزدوجان.
وعرفان هو راعي بقر تركي في العصر الحديث، وصاحب حظيرة صغيرة تقع وسط هذه العجائب الصخرية، حيث يصطحب السياح في رحلة عبر هذه المناظر الطبيعية الرائعة.
وتتمتع جولات عرفان بإطلالات خلابة على المداخن الخيالية، بالإضافة إلى منح الزوار فرصة للإبطاء والاستمتاع بوتيرة استكشاف المنطقة على ظهر الخيل.
كا ما هو غريب، ورائع، وفريد من نوعه
غاليب لوروكو هو سيد الفن، ويتم الاحتفاء بعمله في جميع أنحاء كابادوكيا وخارجها، وباستخدام العجلة التقليدية، من الواضح أنه تعلم حرف صنع الفخار منذ سن مبكرة.
ولكن لوروكو لا يتخصص فقط في صناعة الفخار، إذ لديه اهتمام آخر، وهو ما يميزه في كابادوكيا.
ومن خلال الجزء الخلفي من متجر الفخار الخاص به، يوجد متحف أفانوس للشعر. ومن المفهوم أنه تم وصفه بأنه أحد أغرب المتاحف في العالم.
ويتواجد في المتحف أكثر من 16،000 خصلة شعر من جميع أنحاء العالم.
وتتبرع النساء بشعرهن لشركة لوروكو منذ أكثر من 30 عاماً، بما في ذلك زوجته ليليان.
وبالإضافة إلى كل هذه الوجهات في المدينة، تُعتبر كابادوكيا واحدة من أفضل الأماكن في البلاد لتصدير منتجها الأكثر شهرة أي السجاد.