عالم غامض من جوازات السفر..ما الفرق بين جواز السفر المزيف والمموه؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "نزَعَ صمّام الأمان الخاص بالقنبلة اليدوية وبات جاهزًا لتفجيرها داخل الطائرة إذا أراد. يجب علينا، أكرّر، يجب أن نهبط في بيروت". هكذا أثار خطف الرحلة الجوية "TWA 847" عام 1985، حالة من الرعب.
لقد كان فيلم رعب طويل امتدّ على 17 يومًا محفوفًا بالمخاطر، وشهد على تعرّض الأمريكيين للضرب على أيدي الخاطفين من "حزب الله"، وقتل الغطاس البحري الأمريكي روبرت دين ستيثم، بدم بارد.
مثل الملايين من الآخرين، تابعت دونا ووكر، وهي وكيلة سفريات سابقة من مدينة هيوستن في ولاية تكساس الأمريكية، التغطية الإخبارية. ولحظتها، أدركت أنّ الوقت قد حان أخيرًا لتنفيذ فكرة راودتها قبل بضع سنوات.
"جواز سفر مموّه وليس مزيّفً"
وُصفت مرحلة الثمانينيّات بأنها حقبة مقلقة للمسافرين الأمريكيين، على نحو متزايد، حيث وجد المدنيون أنفسهم هدفًا للإرهاب. ولخصت صحيفة "نيويورك تايمز" عام 1985 على أنه "عام من عمليات الخطف المسلّح، وتفجير السيارات المفخخة، والقتل". بيد أنّ الأمور كانت تسوء قبل هذا التاريخ.
وقبل ست سنوات من رحلة TWA رقم 847، استولى مسلحون على السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا خلالها أكثر من 50 أمريكيًا رهائن لمدة 444 يوم. خلال هذه المرحلة، شرعت والكر في البحث عن مفهوم "جواز السفر المموّه".
ويزعم جواز السفر المزور زورًا أنّ حامله من بلد معين، بهدف عبوره الحدود على نحو غير قانوني. غير أنّ جواز السفر المموّه الذي يستخدم اسم دولة سابقة، تغيّر منذ ذلك الحين لأسباب سياسية. ولا يهدف حتى لعبور الحدود.
وتعتقد ووكر أنه في حال صدف ووجد شخص نفسه في موقف يعرض حياته للخطر، يمكنه إبراز وثيقة، حقيقية في المظهر، للمعتدين، تدعي أنه من روديسيا مثلًا، وليس من الولايات المتحدة الأمريكية.
عندها، قد يقتنع المعتدون بأن ليس لهذا الأسير ثقل سياسي ذات أهمية، وقد يحظى ربما بمعاملة أفضل.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 1987، أوضحت ووكر لمجلة "تايم" كيف جزمت أنّ في استطاعتها تصنيع جوازات سفر مزيفة من دولة "سيلان"، التي صار اسمها سريلانكا منذ عام 1972، ولم تعد تطالب باستعادة بهذا الاسم لاحقًا. وتنسحب هذه القاعدة على أيّ اسم سابق لدولة ما، بدءًا من جزر الهند الغربية البريطانية ووصولًا إلى زائير.
وبدأت ووكر ببيع جوازات السفر المموّهة من خلال شركتها "خدمات الوثائق الدولية" (International Documents Services) لقاء 135 دولارًا أمريكيًا. ولفتت مجلة "تايم" إلى أنّ الوثائق بدت أصلية بشكل مثير للإعجاب: "غلافها المصنوع من الفينيل الخمري مختوم بكلمات من حروف ذهبية: جواز سفر، جمهورية سيلان".
وتصرّ ووكر على أنّ جواز السفر هذا "ليس مزيفًا؛ إنه مموّه".
180 جواز سفر وهمي
ولم يكن مفهوم جواز سفر ووكر المزيّف أصليًا تمامًا. وأوضح توم توبول الذي يدير موقع "Passport Collector" الإلكتروني، أن المستندات التي تخرق القواعد، أنقذت أرواحًا كثيرة على مرّ السنين.
وأعطى مثالًا عن "Schutz-Passes" وهي جوازات سفر سويدية أصدرها الدبلوماسي راؤول والنبرغ لصالح المجريين، في وقت كان يُرسل 10 آلاف مجري يهودي إلى غرف الغاز يوميًا. ورغم أنّ هذه الوثائق غير صالحة إلى حد ما كجوازات سفر، بيد أنّ المسؤولين النازيين قبلوا بها، الأمر الذي جنّب الوفاة المحتملة لآلاف المجريين.
وعلى غرار مبدأ جوازات السفر المموهة، استخدمت "شوتز باس" غطاء جنسية أخرى لمساعدة حاملها على تفادي الخطر المباشر. لكن، هل أنقذ أي من جوازات سفر ووكر المموّهة حياة شخص ما؟
وثمة أمر واحد تعرفه أنّها باعت حوالي 350 جواز سفر مموّه عام 1987، العديد منها لمسؤولين حكوميين أمريكيين. ودعت إلى مراجعة قائمة المفوضية الأوروبية المكونة من 180 جواز سفر "وهمي"، بينها جوزات مموهة ومتنوعة تعود لدول مثل غيانا الهولندية، وساموا الشرقية، وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، وجزر جيلبرت، والكثير غيرها.
وكان مكتب جوازات السفر البريطاني "HM Passport" قد نشر قائمة مماثلة، وُضعت في الأرشيف.
وأشار جيفري أ. شوينبلوم في كتابه “التخطيط العقاري متعدّد الدول ومتعدّد الجنسيات" (Multistate and Multinational Estate Planning) الصادر عام 2008، إلى أنّ بعض رجال الأعمال الألمان القلقين من الاستقبال الذي سيتلقونه في مناطق أوروبية أخرى عقب سقوط جدار برلين، استخدموا جوازات سفر مموّهة "لتفادي مواقف مواقف الكراهية في أجزاء معنية من أوروبا".
هناك أيضًا قصة تزعم أن مجموعة من المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط الأوروبي استخدموا جوازات سفر مموهة خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، للوصول إلى الأردن.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لـCNN: "نحن لا نتتبع أي إحصائيات تتعلّق بمحاولة استخدام جوازات سفر مموّهة أو خيالية". وفي الإطار عينه أتت تصريحات مكتب جوازات السفر البريطاني: "نحن لا نصدر جوازات سفر مموّهة، لذا ليس لدينا أي تعليق في هذا الشأن".
ويعتبر توبول أنّ أحد أسباب ضعف الأدلّة، مردّه إلى أنّ الأماكن التي استخدمت فيها جوازات السفر المموهة، لم يتم الإبلاغ عنها لسلامة وأمن الشخص المعني.
جوازات سفر مموهة اليوم
إذن ما هو مصير جوازات السفر المموّهة؟ هل مازالت قيد التداول؟
في أواخر عام 2007، ادّعى بارني برانتنغهام من صحيفة "سانتا باربرا إندبندنت" الأسبوعية، أن مستلزمات جوازات سفر مموهة بالإصافة إلى رخصة قيادة مزيفة أو بطاقة هوية أخرى، يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت لقاء مبلغ يتراوح بين 400 و1000 دولار.
لكن بعد 14 عامًا من ذلك التاريخ ليس من السهل العثور على هذه الخدمات. فمكتب "خدمات الوثائق الدولية" لم يعد له أثر، وليس هناك من موقع إلكتروني يبيع هذه المستندات المموّهة علنًا.
ورغم شرعية هذه الوثائق الظاهرية، قال متحدث في شركة "السلامة الشخصية لندن" (Personal Safety London)، والتي تضم خبراء في سلامة السفر العالمية، لـCNN إنه لا يزال من القانوني من الناحية الفنية حيازة جواز سفر مموّه في دول مثل أستراليا، ونيوزيلندا، وجميع دول الاتحاد الأوروبي، طالما أنّ الهدف من استخدامه تأمين الحماية الشخصية فقط إن تعرض حامله لمواقف تشكل خطرًا على الحياة أو قد تؤدي للموت.
ومثل هذه الوثائق لم تعد مقنعة كما كان عليه الأمر قبل 30 عامًا. ولفت المتحدث إلى أنّه "مع ظهور المستندات البيومترية والتطوّر الذي نلحظه في إجراءات الأمان مثل العلامات المائية، والصور المجسّمة المتقدّمة المضمنة في وثائق الهوية، أصبح من الصعب إبراز جواز سفر مموّه كوثيقة صالحة".