قصة ثلاث نساء فوق الغيوم..رحلة طيران واحدة وصداقة غير متوقعة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كانت ريجينا ديو إحدى الركاب الأوائل الذين صعدوا على متن رحلة طيران ساوث ويست من مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية إلى مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية.
حصل ذلك في مايو/ أيار 2013، وكانت ديو، 66 عامًا، عائدة من حفل زفاف عائلي، وتعاني من ظروف صحية، فطلبت مساعدة لنقلها على كرسي متحرّك خلال رحلتها. ولم يكن هناك مقاعد محجوزة مسبقًا على متن هذه الرحلة، لكن الصعود باكرًا إلى الطائرة سمح لها بحجز مقعد في الصف الأمامي.
بعدها بوقت قليل، وصلت ديبرا جونسون، 57 عامًا، والتي كانت تسافر من منزلها في أريزونا لزيارة ابنتها، فانضمت إلى ديو في مقاعد الصف ذاته.
ودخل العديد من الركاب بعدها ومن بينهم ويني ماكمورو، 67 عامًا، عائدة من زيارة صديق لها في منطقة مونومنت فالي، وجلست بينهما.
ولم يسبق لهؤلاء النساء أن التقين، لكن ما أن باتت الطائرة جاهزة للإقلاع، حتى علمن أنهنّ متقاربات بطريقة التفكير.
ورحّبت ديو بالسيدتين بشكل لطيف. ثم توثقت علاقتها بماكمورو عندما بدأتا بالحياكة.
وقالت ماكمورو لـCNN "الحياكة والكروشيه يخففان من توتّري خلال السفر. كنت أشتغل بصنارة الكروشيه وريجينا كانت تحيك". وتابعت، في الجهة الأخرى كانت ديبورا تعمل على حاسوبها المحمول على الأرجح. لكن ما لبثنا أن بدأنا بالتحدث".
وقالت جونسون لـCNN: "كأنّنا كنّا وحدنا على متن الطائرة".
وأضافت ديو: "تعرفنا على بعضنا للتو، لكن شعرنا كأننا صديقات منذ سنوات".
وتسافر جونسون باستمرار، إذ كانت تعمل كمضيفة طيران لسنوات عديدة لصالح شركة TWAسابقًا، وحاليًا تعمل في قطاع الفنادق، وتمارس رياضة اليوغا منذ ثلاثة عقود.
وقالت لصديقتيها الجديدتين إنّه برأيها يتوجّب على مضيفات الطيران توجيه الركاب لممارسة اليوغا جلوسًا خلال الرحلات.
وراقت الفكرة للصديقتين وشجعتا جونسون للتواصل مع شركة طيران ساوث ويست لمناقشة الاقتراح.
وأوضحت ديو "كنا نتحدث، ونضحك، ونقترح كل الأفكار الممكنة لجعل صناعة الطيران وتجربة السفر أكثر متعة".
وأضافت ماكمورو: "لقد ضحكنا كثيرًا".
ومن ثم انتقل الحديث تباعًا إلى خطط سفرهن في ذلك النهار، ثم حياتهن، ومسارهنّ المهني، وعائلاتهن.
وبعدها، لوّحت جونسون بيدها لمضيفة طيران، واشترت لكل من السيدتين كأسًا من النبيذ.
وقالت ماكمورو: "قدمت ديبرا لنا النبيذ وكانت لفتة جميلة منها"، مضيفة أنهنّ "تشاركن القصص".
وتستعيد ديو وقائع هذه الرحلة قائلة: "كنا نتحدث عن عائلاتنا، ونتشارك المعلومات حول أولادنا، وماذا يفعل كل منهم بحياته".
وتتشارك السيدات الثلاث المتقاربات في السن القيم ذاتها، رغم اختبار كلّ منهنّ حياة مختلفة في مناطق مختلفة من البلاد. فماكمارو ممرضة متقاعدة تعيش في ولاية مين الأمريكية، وتحب السفر. وديو تعيش في ألباني بنيويورك، وكانت تتمنى أن تسافر أكثر لكنها شغوفة بعلاج الريكي، وعملها التطوعي من أجل مساعدة الأشخاص المصابين بالإيدز.
ويجمع في ما بينهنّ حب تبادل الأفكار، وإيجاد أوقات للفرح والتواصل يوميًا.
وقالت ديو "ما جرى أشبه بالسحر"، لافتة إلى أنها "لا يمكنها تصديق أنهن استأنسن ببعضهنّ على هذا النحو. هذا أمر يندر حصوله".
ويستغرق السفر من فينيكس إلى بالتيمور 4 ساعات بالعادة، لكنّ سوء الأحوال الجوية غيّر مسار الرحلة في ذلك اليوم، ممدّدًا إياها ساعة.
ولم تشعر ديو، وجونسون، وماكمورو بمرور الوقت.
وقالت ديو إنّ "هذه العاصفة منحتنا مزيدًا من الوقت حتى نوطد علاقتنا".
وأشارت جونسون إلى "أننّا ربما صمتنا وقت إعلان الوصول فقط"، مضيفة أن ثمة أمر متعلق بالتمويه مع الغرباء.
وتابعت: "ليس لدينا تاريخ يجمعنا، ولم نكن نحتاج لمعرفة تاريخ بعضنا الآخر. كان وقتًا استثنائيًا، خارجًا عن المألوف، على ما أعتقد".
الاستمرار بالتواصل
وعندما حطت الطائرة في بالتيمور، ذهبت كل منهن في طريقها لاستكمال رحلتها.
وقالت ماكمورو: "تشعر كأنك تبتعد عن لقاء أشخاص رائعين فعلًا". وعندما عادت إلى مين، كتبت على مدونتها معلومات عن رحلتها التي لم تنسها: "في رحلة العودة إلى منزلي، جلست بين سيدتين مثيرتين للاعجاب، ومرّ الوقت سريعًا في الرحلة التي امتدت بين أربع وخمس ساعات".
وفي اليومين التاليين، بحثت النساء عن بعضهن على الانترنت وتواصلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن ثم تشاركن عناوين منازلهنّ، وأرسلت جونسون إليهن بطاقات معايدة صمّمتها بنفسها. وتفاجأت ماكمورو بكمّ اللطف هذا.
وما أن بدأن بالتواصل عبر "فايسبوك" حتى اكتشفن الأمور المشتركة بينهنّ التي لم يدركنها تمامًا على متن الطائرة. وكان البقاء على تواصل خطوة طبيعية.
ورأت جونسون: "أعتقد بسبب العمر، نتشارك حبنا للأمور عينها".
وتقدّر السيدات الثلاث الجمال، إذ أوضحت جونسون أنه في حال "كان خيطًا جميلًا أم قماشًا منسوجًا. أعلم أنهما سيعلّقن بشكل استثنائي على صور أنشرها".
وخلال السنوات التسع الأخيرة، احترمت ماكمارو، وجونسون، وديو كلّ منهن قيم الأخرى وأهمية التواصل البعيد الذي يفرح أيامهنّ عن بعد.
وفي هذا الخصوص، قالت جونسون: "عندما تصلني رسالة منهما، أعتبرها بمثابة عناق حار بالنسبة إلي".
وقبل بضعة سنوات عندما انتقلت جونسون من أريزونا إلى يوتا، أرسلت لها ديو كتيبًا خاصًا بيوتا، مع فاصل كتاب كتبت عليه التالي: "الأصدقاء الجيدون أشبه بالنجوم.. لا تراهم دومًا، لكنك تعلم أنهم دائمًا هناك".
وقالت جونسون: "أستخدم فاصل الكتاب هذا دومًا".
ورأت ديو أن التواصل الدائم مع صديقتيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي "مفرح" وملهم، قائلة: "هذا الأمر يشجعني حتى أستمر بالنمو" مشيرة إلى أنّ "كليهما يشجعانها على ذلك"؟
وأشارت ماكمارو إلى أنها إذا تلقت رسالة من ريجينا، فلا بد أن تكون أمرًا بغاية الأهمية، وذات قيمة، ويتمتع بجوانب ثقافية عدة"، مؤكدة أنها "شخص عظيم".
وقالت ماكمارو: "ديبرا هي المحرّك والمحفّز. لديها العديد من الخبرات، وعندما تكتب عن مشروع تعمل على تنفيذه، أستمتع جدا برؤيته. أفكر بديبرا كشخص يحب العائلة ولديها أجمل عائلة".
وهكذا انتقل هذا اللقاء في الجو على متن الطائرة إلى عالم التواصل الاجتماعي حيث تعمق وبات مساحة للتواصل المتين، وتبادل الأفكار.
وأوضحت جونسون "أعتقد أن هذه هي جمالية لقاء شخص غريب والاستمرار بالعلاقة معه". وأعربت عن ذلك قائلة: "هذه الهدية، بالنسبة إلي، تكمن في قدرتي على التحدث بحرية معهما وتناول مواضيع لن أناقشها مع أولادي".
ومن وقت لآخر، يعدن إلى فكرة جونسون حول ممارسة رياضة اليوغا على متن الطائرة، وكنّ قد توافقن في نقاشاتهنّ الأخيرة على أن انتشار ظاهرة الركاب المشاغبين حاليًا قد يستدعي الحاجة إلى تنفيذ هذه الفكرة.
ورغم المسافة الفاصلة بين هؤلاء الصديقات الثلاث، إلا أنهن مستعدات لتقديم الدعم لبعضهن البعض. وعندما خرجت ديو السنة الماضية من المستشفى عائدة إلى منزلها، كانت تنتظرها باقة زهور أرسلتها لها جونسون. وعلّقت قائلة: "تفاجأت حقيقة بلطفها وكرمها واهتمامها، وقد أثر ذلك عميقًا فيّ". وتابعت: "ويني وديب تشكلان دعمًا رائعًا بالنسبة إلي في مساري الحياتي".
صديقات لمدى العمر
وعندما افترقن في مطار بالتيمور، عرفن أنهن قد لن يلتقين مرة أخرى شخصيًا. لكن هذا لا يعني أنهن لا يحلمن بتحقيق لقاء شخصي يومًا ما. وعلّقت ماكمورو بالقول إن "الأمر سيكون رائعًا"، إذ أنها تحب التعرّف إلى عائلة جونسون، وإلقاء نظرة على حياتها وعملها في يوتا، واكتشاف ألباني مع ديو، ورؤية أنشطتها التطوعية العديدة، كما تحب أن تريهما حيث تسكن في مين.
وفي الوقت الراهن، تقترح ديو أن يلتقي الثلاثة معُا من أجل التفكير، ومناقشة كيفية جعل الطيران أكثر متعة.
وقالت ديو: "أعتقد انها ستكون أداة مفيدة لنا جميعًا، من أجل تبادل الأفكار، والحصول على موافقة بعض شركات الطيران أو كلها، وقبول هذه الأفكار التي نطرحها التي تشجع على تشكيل صداقات وتحالفات على الطائرات".
أما جونسون فتتصور أن يلتقين على مقربة من شاطئ و"يتناولن الطعام ويخبرن قصصًا، ويراكمن ذكريات".
وتأمل السيدات الثلاث أن تشجع قصتهن الآخرين للانفتاح على التواصل مع الغرباء والتحلي بالإيجابية.