الرقص تحت الماء في مصر.. تجربة "ساحرة" تعزز حرية النساء
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لا شك بأن الرقص بحد ذاته يُعد متعة لا نظير لها، ولكن عندما يكون تحت الماء فإن التجربة تمنحك شعور مختلف من الحرية.
وفي تجربة فريدة من نوعها، تستطيع النساء ممارسة الرقص تحت الماء في مصر لمساعدتهن على الاسترخاء والتواصل مع الطبيعة واكتشاف إمكانياتهن الحقيقية.
في مقابلة مع موقع CNN بالعربية، تشرح رغدة عز الدين إحدى مؤسسي "Blue Odysea"، التي تقدم تجارب مائية تتيح للأشخاص الرقص والتعبير عن مشاعرهم في حالة من الاسترخاء العميق والمتعة، أنها لم يكن لديها أي علاقة بالرقص على الإطلاق.
وتقول: "كنت أمارس الغوص الحر بشكل احترافي منذ عام 2016 ولم يكن لدي أي علاقة بالرقص على الإطلاق. لطالما أردت أن أكون قادرة على الرقص ولكن حتى بضع سنوات، لم أحضر أي دروس رقص. لم أشعر أبدًا بالثقة في الرقص، وشعرت دائمًا بالثقل الشديد، وعدم قدرتي على تحريك جسمي بالطريقة التي أريدها".
وفي عام 2017، بدأت عز الدين في تلقي دروس الرقص المعاصر باعتبارها هواية وطريقة ممتعة للتمرين.
ذات يوم، أرسلت لها مدربتها التي تعلمها الرقص، داليا العبد، مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، للغواصة جولي غوتييه، وهي ترقص تحت الماء.
وتتذكر عز الدين: "بكيت وأنا أراقبها وهي تتحرك برقة لم أر مثلها من قبل".
وكان هذا المقطع بمثابة مصدر إلهام لعز الدين، غيّر كليًا نظرتها إلى الغوص الحر.
وتضيف: "لم يعد الأمر يتعلق بالوصول إلى أعماق سحيقة أو تحطيم الأرقام القياسية، بل كان يتعلق باستكشاف وسيلة للتحرّك في بيئة لم تعد فيها قوانين الجاذبية تثقل كاهلنا".
وكان هذا التحول محررًا جدًا بالنسبة لها، إذ بدأت رحلتها في استكشاف كيف تريد لجسمها أن يتحرك تحت الماء، وكلما تركت نفسها، شعرت برشاقة وتواصل أكبر مع عنصر المياه.
وعندما شاهدت مقطع فيديو صوره لها أحد أصدقائها خلال تجربتها الرقص تحت الماء، قالت: "رأيت جسمي يتحرك بطريقة لم أكن أتصورها سوى في أحلامي"، على حد تعبيرها.
وقررت هي ومدربة الرقص العبد أن تجمعا خبرتهما وتنظما ورشة خاصة بالرقص تحت الماء، حيث تقود الأولى تعليم الغوص الحر بينما تقود الثانية دروس الرقص.
ولم يكن لدى الثنائي مرجعية لبناء دروسهما عليها، لذا كان عليهما الاعتماد على المعرفة التي كانا يكتسبانها مع تقدمهما في الدروس.
وتقول عز الدين: "أظهرت لي التجربة الإمكانيات اللانهائية للجمع بين الرقص والغوص الحر، وأنها بحاجة إلى الكثير من البحث والعمل والتفاني لبناء برنامج رقص تحت الماء قوي يمكن الوصول إليه".
وقابلت عز الدين، شريكتها في المشروع مجدولين نادر، لأول مرة في مركز الرقص، حيث كانت تُدرِّس رقص الباليه للكبار، وقررت الانضمام إلى فصلها.
وتأتي نادر من خلفية رقص الباليه والمعاصرة، ولا علاقة لها بالمياه، بل كانت تعاني من رهاب المياه لفترة طويلة، وقد شاهدت أيضًا مقطع الفيديو الذي ألهم عز الدين، وفي ذلك الوقت، كانت تحلم بالرقص تحت الماء لكنها اعتقدت أنه أمر لا يمكن أن تتعلمه أبدًا، بالنظر إلى خوفها من المياه.
وعندما سمعت نادر بورشة عز الدين، قررت الانضمام إليها والتعاون معها، حسبما ذكرته.
وتقول عز الدين: "لقد أكملنا بعضنا البعض حيث تبادلنا المعرفة بين راقصة محترفة لا تثق بالمياه، وغواصة محترفة مع خبرة رقص محدودة للغاية"، وتضيف "كوّنّا مزيجًا مثاليًا سمح لنا ببناء منهج خاص بالمبتدأت".
وعلى مدار العامين الماضيين، عمل الثنائي مع البالغات وكذلك المراهقات، أثناء تحديث وتطوير أول منهج للرقص تحت الماء.
وعن الخصائص التي تميز تجربة الرقص تحت الماء، توضح عز الدين: "الماء هو سر الحياة، بدونه لن تكون هناك الحياة على الأرض، لذا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا لأي شخص أن التواجد في المياه يتسم بتأثير قوي على أجسامنا، والتي تتكون من 60% من الماء"، مضيفة: "عندما نغطس في المياه، نشعر بالحرمان الحسي، مما يعني أن حواسنا لا تتشتت بالضوضاء، والصور، والروائح".
وتتابع: "هذا التناقض الكبير مع حياتنا اليومية، حيث نتعرض باستمرار للصور والأصوات والمعلومات التي تستهلك من قدرة عقولنا على المعالجة، بطريقة ما، فإن أذهاننا دائمًا ما تكون متوترة، إذ يتعين عليها فك الشفرة وفهم الكثير من المعلومات".
وتُوضح: "بمجرد أن تغمرنا المياه، يختفي كل ذلك ونُترك في سلام مع أنفسنا".
وبالنسبة لها، يُعد الغوص أسرع طريقة للوصول إلى حالة من التأمل العميق، لافتة إلى أن الراحة التي يمكن أن تستغرق 30 دقيقة للوصول إليها أثناء التأمل على الأرض، هي ذاتها التي تشعر بها بعد بضع ثوانٍ فقط تحت الماء، قائلة إنه "أمر ساحر حقًا".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المياه هي البيئة الطبيعية الوحيدة التي تنعدم فيها أوزاننا، وبما أننا لا نملك قدرة الذهاب إلى الفضاء بعد، يمكننا فقط تجربة هذا المستوى من التحرر من وزننا في المياه.
وتشير عز الدين إلى عاداتنا السلبية المتمثلة في الجلوس لفترة طويلة على المكتب وعدم التحرك بالطريقة الصحيحة، بالإضافة إلى الإجهاد الذهني، مضيفة أن النزول في المياه يُعد إحدى الحلول.
وتضيف: "عندها فقط يمكننا التجرّد والبدء في الشعور بجسمنا أكثر لنكون أكثر وعيًا بأماكن التوتر".
ومن خلال التنفس العميق والحركات البسيطة، يمكن التخلص من هذه التوترات، وهذا ما يتسبب في شعور الكثير من الأشخاص بخفة الوزن بمجرد خروجهم من المياه.
ويطبق النهج الذي تقدمه عز الدين تقنيات التدليك وعلم المنعكسات لمساعدة المشاركين على الاسترخاء.
وترى عز الدين المياه كعنصر أنثوي للغاية، وتصفه بالنعومة ولكن أيضًا بالقوة.
وتوضح: "عندما يسترخي الأشخاص في المياه، سواء كانوا نساء أو رجالًا، فإنهم يبدأون في الاتصال بطاقتهم الأنثوية والانتقال من خلال الرشاقة".
وتضيف:"لسوء الحظ، ظل مجتمعنا على مر القرون يضطهد طاقة الأنثى، ويشجع الجانب الذكوري الأكثر قسوة من كياننا".
وتشير إلى أن المفتاح هو التوازن، إذ يجب أن نكون دائمًا على اتصال بالطاقتين، وهذا ما يساعدنا الماء على القيام به.
ومن وجهة نظر عزالدين، عندما تتصل المرأة بالمياه، يحدث ما هو أشبه بالسحر، فروحها الأنثوية الداخلية تزهر وتبدأ في الشعور والتحرك مع الكثير من الرشاقة والنعومة.
وتقول: "لقد رأيت النساء اللواتي بدأن خجولات للغاية ومتحفظات على الأرض، يتحولن تمامًا تحت الماء! ويصبحن بالفعل شخصًا آخر، أو بالأحرى نسخة أكثر قوة من أنفسهن، وذلك ببساطة لأنهن يبدأن في التعبير عن جوهرهن الداخلي الحقيقي".
وتؤكد: "هذا هو دورنا، أي خلق هذه البيئة الآمنة حيث تشعر كل امرأة بالحرية في التعبير عن نفسها دون الحاجة إلى التفكير فيما يفكر فيه أي شخص آخر بشأنهن".
وقام المصور المصري تيمور عثمان بتوثيق تجربة الرقص تحت الماء المقدمة من "Blue Odysea".
ويشرح لموقع CNN بالعربية، أنه خلال عملية التوثيق يُفضل أن تكون البيئة منخفضة التيار مع سماء صافية بحيث يمكن للضوء أن يمر بسهولة عبر سطح المياه، ما يساعد كثيرًا في الحفاظ على تأثير اللون تحت سطح البحر.
ويوضح عثمان أنه نظرًا لأن التجربة تشمل الغوص الحر، فيُصبح التواصل سهلًا مع النساء قبل الغوص لجلسة التصوير تحت الماء، مضيفًا أنه إذا كان بحاجة إلى إيصال رسالة مهمة إلى الراقصة، فإن إيماءات الغطس تساعده كثيرًا.
وتتمثل التحديات خلال جلسات التصوير تحت الماء في أمرين، الأول هو أن مستواه كغواص لا يوفر له أكثر من 90 إلى 120 ثانية من الحركة الديناميكية، ما يضطره إلى الصعود إلى لسطح كثيرًا، أما الثاني فهو أنه يحتاج إلى إعادة تصوير اللقطة من 4 إلى 5 مرات فقط للتأكد من أن لديه اللقطة التي يبحث عنها، وفقًا لما ذكره المصور المصري.
أما عن متطلبات تجربة الرقص تحت الماء، فهي ببساطة، لا شيء، إذ لا تحتاج إلى خلفية رياضية، ولا حالة جسدية محددة، بل كل ما تحتاجه إليه هو الرغبة في المحاولة والثقة والتجرّد، وفقًا لما ذكرته عز الدين.
ويمكن خوض هذه التجربة مع "Blue Odysea" في جميع أنحاء مصر، من الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر.
وتضيف عز الدين: "لقد قمنا أيضًا بتنظيم بعض التجارب في القاهرة، لذلك نحاول دائمًا العثور على أماكن جميلة توفر الخصوصية والراحة اللازمتين لتجربتنا".