نظرة داخل مدينة ماردين في تركيا..السائح على موعد مع آلاف السنين من التاريخ

نشر
6 دقائق قراءة
Credit: epic_images/Adobe Stock

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تسير الحمير عبر الشوارع الضيقة المتعرجة وتمرّ تحت الأقواس المنخفضة، وفجأة تنهق عند زاوية شارع فيجفل السيّاح، فيما يواصل السكان طريقهم لا مبالين.

محتوى إعلاني

ويتردّد صدى همس المحادثات باللغات العربية، والسريانية، والأرمينية، والكردية، والتورانية، والتركية، والآرامية، بين الجدران الحجرية القديمة.

محتوى إعلاني

هذه مدينة ماردين الواقعة جنوب شرق تركيا، حيث يمكن للسائح أن يشهد على آلاف السنين من التاريخ كيفما تحركت عيناه.

تصوير: Hüseyin Aldırmaz/Adobe Stock

ومن الأعلى، تشكل مباني ماردين البيضاء المذهّبة اللون المتلألئة تحت ضوء الشمس سلسلة من المدرجات المبنية على تلّ مطل على سهول سوريا، بيد أنها شكّلت سابقًا جزءًا من بلاد ما بين النهرين، التي يحدها نهري دجلة والفرات.

وتاريخ ماردين المعقدّ يعود إلى أنها تقع حيث حكمت غالبية الحضارات الكبرى، مثل السومرية والبابلية.

تغيير ملكية

ولكل حضارة حصّة في أنحاء مدينة ماردين. فقد أطلق عليها عرب الأنباط (150 قبل الميلاد لغاية عام ٢٥٠ ميلادي) اسم الوطن منذ عام 15، غير أنها أصبحت مستوطنة مسيحية سريانية مهمّة أسسها الأشوريون بحلول القرن الرابع. ثم تعاقب عليها الرومان والبيزنطيون.

وفي القرن الحادي عشر، سعى الأتراك السلاجقة لضمها إلى ملكيتهم، لكن محاولتهم أحبطت مع وصول التركمان الأرتقيين في القرن الثاني عشر.

وهذه السلالة الحاكمة، التي تعود أصولها إلى شمال العراق (ديار بكر في تركيا الحديثة)، تمكنت من حكمها لمدة 300 عام، إلى أن استلم المغول مقاليد السلطة، لتحلّ بعدهم الملكية الفارسية التركمانية.

والمسيحيون كانوا لا يزالوا يعيشون في المدينة عندما تولى السلطان العثماني سليم القاتم الحكم عام 1517.

وبفضل تاريخها الغني بتنوعه العرقي والديني، تتمتع ماردين اليوم ببيئة وطابع فريدين من نوعهما، وحيوية الماضي فيها يتغلغل في الحاضر ويحيا فيه.

Credit: cascoly2/Adobe Stock

وعلى سبيل المثال، فإن كنيسة كيركلار كيليسي، المعروفة أيضًا باسم مور بهنام، هي إحدى الكنائس السبع للسريان الأرثوذكس. ومن الناحية المعمارية، تتميّز الكنيسة ببساطة عمارتها، وتعلوها قبة جرسها الأنيقة صليب وسط فناء مستطيل تحدّه جدران مذهّبة، من الخارج. وفي الداخل، تقام الصلوات المنتظمة، وفق تقليد مستمر دأب عليه المسيحيون الآراميون لأكثر من 700 عام.

ملكة الأفاعي

Credit: Ali Kabas / Alamy Stock Photo

وعلى بعد شوارع عدة منها، شيّد أمريكيون كنيسة ماردين البروتستانتية قبل أكثر من 150 عامًا، التي تنشط مجدّدًا حاليًا ضمن مجموعة، بعدما أقفلت أبوابها قرابة 60 عامًا، فيما تزين واجهات المتاجر لوحات لشهمران.

ولكن، من هي شهمران الأسطورية؟ هي نصف أفعى/ نصف أنثى استقت اسمها من اللغة الفارسية. وشاه يعني الملك وفي هذه الحالة الملكة، والمر هو الأفعى لذا فإن الشهمران كانت ملكة الأفاعي. وبحسب فولكلور الأناضول، عاشت في ماردين.

Credit: sayilan/Adobe Stock

كما يتواجد مسجد عبد اللطيف الذي يعود تاريخ تشييده إلى عام 1371. وتم نحت بوابتيه الكبيرتين بدقة بحيث يصعب التصديق أنهما صُنعتا من الحجر الصلب. ويشكّل نحت الهوابط المتقطعة النقطة المحورية، مع أحجار كبيرة عمودية وأفقية منقوشة.

Credit: Mazur Travel/Adobe Stock

ويجسد المسجد العمارة الضخمة والدقيقة التي ميّزت العصر الأرتقي، بينما أن مدرسة "Zinciriye Medresesi" الدينية يعود تاريخ بنائها إلى عام 1385، وهي مثال معماري آخر.

ويتميز المعهد الإكليريكي، المعروف أيضًا باسم عيسى "Bey Medresesi" على اسم السلطان الأرتقي الأخير، بمدخل مهيب اعتمد بتنفيذه تقنية بناء متقنة. فالقبب الحجرية المضلعة على السطح تبدو أخف من الهواء. وتؤدّي الحدائق الجميلة إلى مسجد صغير يحتوي على محراب منحوت بشكل مزخرف، يشير إلى اتجاه مكة.

Credit: Luis Dafos/Moment Unreleased RF/Getty Images

ويستحق مكتب البريد أيضًا التوقف عنده، لسبب وجيه. وتحوّل للاستخدام العام في خمسينيات القرن الماضي، ولفت انتباه السيّاح المحليين أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما استُخدم كموقع للمسلسل التركي الصغير الشهير "سيلا".

وصمم المهندس المعماري الأرميني سركيس إلياس لولي المبنى في الأساس كمنزل خاص له عام 1890. وتوصلك الدرجات داخل ممر صغير إلى شرفة كبيرة تطل على مسجد شاهيدية والسهول الخالية خلفه.

وبنى لولي أيضًا ثكنات الفرسان عام 1889، التي أمست تضم اليوم متحف مدينة ماردين "ساكيب سابانجي". ويضم المتحف لوحات نابضة بالحياة ومعارض معاصرة تعكس روح المدينة اليومية في ماردين، ماضيًا وحاضرًا.

Credit: mitzo_bs/Adobe Stock

ويقع متحف ماردين ضمن نطاق البطريركية الكاثوليكية الآشورية السابقة عام 1895، ويجسد التاريخ القديم من خلال الحرف اليدوية في بلاد ما بين النهرين وآشور، والفسيفساء الرومانية والصناعات العثمانية.

تحت الأرض

Credit: munettt/Adobe Stock

وكيفما مشيت في شوارع ماردين ستقع على مشهدية رائعة، من بينها المسجد الكبير "أولو كامي". 

وخضع لأعمال تجديد عام 1176، أكملها العثمانيون خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وزيُن سطح مئذنة المسجد الوحيدة المتبقية بالنقوش السلجوقية والأرتوقية والعثمانية. وينعكس هذا الفن بالتفاصيل في "tel kare"، وهي المجوهرات الفضية المزركشة التي تُباع في العديد من المتاجر، رغم أن غالبية  القطع يتم إنتاجها في محترفات تملكها إحدى عائلات مدينة مديات المجاورة.

ونقع في ماردين على عامل جذب قديم آخر هو القلعة، التي بُنيت خلال الفترة الرومانية عندما كانت المدينة تُسمى Marida، وهي كلمة آرامية جديدة قديمة تعني الحصن. وتقع هذه القلعة المرتفعة على قمة التل حيث شُيدت المدينة، ويؤدي المسار تقريبًا إلى البوابات، إلا أنه ليس مفتوحًا للجمهور.

نشر
محتوى إعلاني