تُثير الارتباك.. ما سبب دوي صفارات إنذار من زمن الحرب الباردة بفرنسا؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تعج شوارع العاصمة الفرنسية باريس بالسياح خلال فترة الغداء، وتكتظ شرفاتها بالطاولات خلال يوم أربعاء عادي. وفجأةً، يخترق الجو صوت صفارات الإنذار من الغارات الجوية لدقيقتين تقريبًا قبل أن يختفي.
وهذا حدث غريب، ولكن الأغرب هو عدم ملاحظة أي أحد لذلك الصوت، باستثناء بعض السياح المرتبكين.
وفي أول أربعاء من كل شهر، تخترق صفارات الإنذار، والتي كان هدفها في البداية التحذير من الغارات خلال الحرب الباردة، كطريقة لاختبار الإنذارات في 2،000 بلدة وقرية تقريبًا في جميع أنحاء البلاد.
وتُستخدم اليوم كتحذير من الكوارث الطبيعية، أو الصناعية.
قصة حب فرنسية
وتعود صفارات الإنذار التي تُسمع اليوم إلى العصور الوسطى.
ومنذ ذلك الوقت، كانت مسؤولية الإدارة تتمثل بالتنبيه من أي حادث يمكن أن يهدّد السكان.
وفي عام 1914، دُقت الأجراس لأكثر من ساعة في عدد من البلدات لتنبيه أكبر عدد ممكن من الأشخاص من اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وبعد الحرب العالمية الثانية، استولت صفارات الإنذار على الأجراس، وتم تركيبها للتحذير من التهديدات الجوية المحتملة.
وسُرعت عملية توزيعها خلال الحرب الباردة، ويمكن سماعها الآن في جميع أنحاء فرنسا.
نظام قديم؟
وشكك الكثير من الأشخاص بفعالية نظام الإنذار القديم هذا، إذ قال أستاذ الجغرافيا من جامعة "أفينيون"، جوني دوفينيت: "اختارت فرنسا الاحتفاظ بصفارات الإنذار لارتباطها بتراث معين، إضافةً للتقاليد".
ولا يتفق الجميع بشأن فائدة صفارات الإنذار، ويُعد صوتها مألوفًا بالنسبة لجاكلين بون التي تبلغ من العمر 92 عامًا، والتي كانت مراهقة خلال الحرب العالمية الثانية.
وليس لسماعها بانتظام "أي تأثير علي على الإطلاق"، بحسب ما ذكرته، رغم كون صوتها كما كان منذ قرن تقريبًا.
وأضافت بون أن صافرات الإنذار "كانت تؤثر عليّ كثيرًا أثناء الحرب بسبب صوتها في كل مرّة يحدث فيه قصف حتّى نتمكن من التوجّه تحت الأرض لحماية أنفسنا".
والآن، تشعر بون أنها فقدت معناها، مؤكدّة: "لم أعد أرى المغزى حقًا".
ولكن نظرًا للأحداث الجيوسياسية اليوم، أشار دوفينيت إلى أن عودة الحروب للأراضي الأوروبية ربما تكون قد جدّدت تفكير الجمهور بشأن صفارات الإنذار، موضحًا: "أظهرت الحرب في أوكرانيا أن صفارات الإنذار قد لا تكون عديمة الفائدة كما يعتقد البعض".
ومع ذلك، تزايدت الدعوات لتغيير النظام الذي يعتبره البعض قديمًا.
وفي إحدى ليالي عام 2019، اشتعلت النيران في مصنع كيماويات في بلدة روان شمال غرب فرنسا، وغطّت البلدة سحابة من الدّخان الأسود.
واستُخدمت صفارات الإنذار كطريقة تنبيه ثانوية، وأُطلقت اثنين منها فقط بعد ساعات قليلة من بدء الحريق لتحذير الأشخاص بمجرّد استيقاظهم في الصباح.
وفي ذلك الوقت، اختارت السلطات التواصل عبر موقع "تويتر"، ووسائل الإعلام.
وفي خطاب إلى الحكومة بعد الحريق، قال محافظ منطقة نورماندي، بيير أندريه دوراند، إنه يعتقد أن النظام يمكن تحسينه، مضيفًا: "لا يمكننا التعامل أزمات القرن الـ21 بأداة من القرن الـ20".
الاتجاه نحو الرقمية
وقد تتحقق رغبات دوراند في يونيو/حزيران، إذ يُرافق صفارات الإنذار نظام جديد، وحديث.
وتختبر فرنسا الرسائل عبر الهواتف الخلوية، وسيتم تطبيق ذلك على الصعيد الوطني بحلول الصيف لمعرفة ما إذا كانت فعّالة.
ورُغم من وجود أنظمة مماثلة بالفعل في جميع أنحاء أوروبا، والولايات المتحدة، إلا أن هذه التكنولوجيا مبتكرة، وفقًا لماثيو بيانيز، وهو رئيس الخدمة المشتركة بين الإدارات للدفاع والحماية المدنية في إيفلين، وهي منطقة غرب باريس، والتي تجمع بين البث الخلوي، وتقنيات الرسائل القصيرة المستندة إلى الموقع.
ويعني هذا أن كل شخص في منطقة معينة، بغض النظر عن شبكته الخلوية، أو هاتفه، سيتلقى تنبيهًا من السلطات.
ولا يعني هذا نهاية صفارات الإنذار، إذ أنها موجودة لتبقى، ولكنها ستؤدي وببساطة دورًا تكامليًا في حالات الطوارئ.