ألاتشاتي: اكتشف "الجنة" على أرض هذه البلدة الواقعة غرب تركيا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تسير فرقة موسيقية في شارع مرصوف بالحصى على وقع الموسيقى التركية التي تُعزف، فيقف أهالي البلدة ويصفقون، ويرقص السياح في ساحة ألاتشاتي الرئيسية.
ويرتدي الموسيقيون زيًا فيروزي اللون بكتفين مذهّبين يتناسب مع اللون الأزرق السماوي لمياه بحر إيجة في ألاتشاتي، الواقعة في شبه جزيرة تشيشمي، غربي تركيا.
وبمنازلها الريفية الحجرية ذات الأبواب الخشبية المطلية بألوان الحياة، وشوارعها المتعرجة التي تعجّ بالمطاعم الراقية، والمعارض الفنية الحديثة، ومتاجر البوتيك، تتمتّع ألاتشاتي بسمات المدن المتوسطية النموذجية المميزة، لكنّها مطعّمة بسحر تركي آسر.
ويقصد المصطافون الأتراك هذه المدينة الصغيرة الجميلة، التي تبعد حوالي ساعة بالسيارة جنوب غرب إزمير، منذ إعادة إحيائها مطلع العقد الأول من القرن الـ21. لكنّ تدفّق الزوار الدوليين حاليًا ليس إلا محاولة للّحاق بركب من سبقهم,
وأينما نقّلت نظرك في ألاتشاتي، ترى الناس تحتسي الشاي التركي في مقاهي المدينة، خلال استمتاعهم بالهواء النقي وأشعة الشمس.
بلدة ملونة
وهذه البلدة الصغيرة الخلابة ليس مقصدًا للمصطافين فحسب، بل أصبحت مركزًا لممارسة رياضة ركوب الأمواج الشراعي، ذلك أن الرياح القوية على مدار العام في الخليج القريب تشكل عنصرًا أساسيًا، يجعل من ألاتشاتي عاصمة رياضة ركوب الأمواج الشراعية في تركيا.
وقالت بيريهان أكبولوت، مديرة فندق "كورابيا" الذي يبعد بضع دقائق مشيًا عن منزل كورابيا الحجري الرائع، إنّ "الهواء الذي تتنفسه هنا غاية في الأهمية"، موضحة أنّ "هناك دومًا نسيم ينعشك حتى عند اشتداد الحرارة خلال أشهر الصيف".
ويسهل الخلط بين فندق "كورابيا" وبيت ضيافة مصمم على طراز مباني بحر إيجة بفضل جدرانه المطلية باللون الأبيض وأبوابه الزرقاء.
وانتقلت أكوبولت وزوجها إلى البلدة من اسطنبول عام 2009، وافتتحا الفندق الذي يحتوي على فناء تزين حديقة ليمون وسطه، في العام التالي.
ويعيش الثنائي بين المدينتين، حيث يستمتعان بحياة المدينة الكبيرة شتاء، وينتقلان إلى المدينة الجميلة صيفًا.
وأوضحت أكوبولت أنه "من السهل جدًا تنظيم حياتك هنا في ألاتشاتي"، مشيرة إلى أن "هذا هو سبب إعجابي بها، إذ هنا لا يتعيّن عليك التفكير كثيرًا في ما عليك القيام به وإلى أين تذهب".
في الصدارة..
وخضعت ألاتشاتي لأعمال تجديد عديدة على مر السنين. كانت أرضها في غالبيتها عبارة عن مستنقعات حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما قامت السلطات بتجفيفها بهدف التخلص من تكاثر البعوض فيها المسبب للملاريا.
واستقر فيها العمال اليونانيون من الجزر المجاورة من أجل زراعة كروم العنب وبساتين الزيتون، وما برحت المنطقة الأولى في صناعة النبيذ وإنتاج زيت الزيتون بتركيا.
وإسوة ببلدات أخرى في المنطقة، هُمّشت ألاتشاتي إلى حد كبير في عشرينيات القرن الماضي، بعدما انخرطت تركيا واليونان في تبادل سكاني قائم على الدين. وبقي العديد من منازلها الحجرية مهملًا لعقود وتهدّم.
بيد أنّ هذه البلدة الصغيرة شهدت تغيرًا جذريًا في السنوات العشرين الأخيرة. حيث شرع الأتراك بشراء منازل للعطلات، وبث حياة جديدة في البلدة.
وغالبًا ما يتباهى السكان المحليون بمنتجات المنطقة والطعام الحرفي، وتصطف يوم السبت، أكشاك السوق المليئة بالفاكهة والخضار، والخبز الطازج، والمأكولات البحرية في شارع كيمالباسا الرئيسي، حتى أنها تمتد إلى العديد من الشوارع الجانبية.
وخلال فصل الربيع من كل سنة، يعرض مهرجان ألاتشاتي للأعشاب السنوي، الأعشاب الطبيعية التي تنمو في ألاتشاتي، وبلدة تشيشمي الساحلية القريبة، جاذبًا الكثير من الزوار إلى المنطقة.
وتوضح أكبولوت أنّه "يمكن الوصول إلى كل ما ترغب به بسهولة، من طعام لذيذ، وخضار وفاكهة طازجة، وأعشاب طبيعية، ومأكولات بحرية".
وتصف هذا الواقع بأنه "مزيج جيد بين السكان المحليين والمستوطنين الجدد. لن تشعر بالوحدة هنا مطلقًا".
الجنة على الأرض
وتتغنّى هذه المنطقة من شرق البحر الأبيض المتوسط بتاريخها، حيث يمكنك العثور على آثار قديمة تعود لمدينة أفسس، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، التي تبعد ساعة واحدة فقط بالسيارة جنوب ألاتشاتي.
ونظرًا لموقعها بمحاذاة بحر إيجة، لا تزال موطنًا لبعض أفضل المعالم الأثرية في تركيا، مثل معبد هادريان الذي بُني تكريمًا للإمبراطور الروماني هادريان.
وفي الأثناء، فإن البرك الحرارية في باموكالي، والتي تُترجم حرفيًا إلى "قلعة القطن"، يمكن الخلط بينها وبين الغيوم التي تظلّل المكان إذا التُقطت صورة لها من الزاوية الصحيحة، ولا تبعد سوى بضع ساعات بالسيارة.
وتعد الأطلال المحفوظة جيدًا لمدينة هيرابوليس القديمة، التي كانت في أحد الأيام مركزًا للشفاء، من بين المعالم البارزة فيها، بالإضافة إلى مسبح باموكالي العتيق، المعروف أيضًا باسم بركة كليوباترا، حيث يُعتقد أن الملكة المصرية كليوباترا سبحت ذات مرة.
وبالنسبة لأولئك الذين يفضلون البقاء بالقرب من المدينة، فإن رحلة إلى الينابيع الحرارية الساخنة لشاطئ إليكا، حيث تظل المياه ضحلة لمسافة نحو 100 متر من الشاطئ، لن تخيب أملك.
وقال أكرم وهران، رئيس بلدية تشيشمي لـCNN وهو ينتقي الأعشاب في سوق ألاتشاتي السبت: "نطلق على هذا المكان اسم الجنة على الأرض".