غابة في أبوظبي تنمو في أحد أكثر البحار حرارة بالعالم
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يتميز هذا البحر بملوحته الشديدة وترتفع درجة حرارته في ذروة الصيف لدرجة تكاد تهدد بقاء معظم النباتات على قيد الحياة.
ومع ذلك، في أحد أركان إمارة أبوظبي، حيث المياه المالحة تتدلّل على الشواطئ الحارقة بفعل حرارة أشعة الشمس، تقع على غابة غنية بأشجار القرم، وليس فقط على قيد الحياة، ما يشكّل ملاذًا طبيعيًا للحياة البرية، ووجهة هادئة للهروب بعيدًا من صحراء الإمارات ومدنها.
حديقة المانغروف بالجبيل، مساحة خضراء من أشجار القرم تقع على الحافة الشمالية الشرقية لجزيرة الجبيل في أبوظبي، حيث تتدفق الممرات المائية الضحلة إلى بحر العرب الأزرق الصافي.
وافتتحت الحديقة كمنطقة جذب سياحي قبل بداية الجائحة مباشرة، وتحتوي الآن على مركز استقبال رائع مكسو بالخشب، وشبكة من الممرات الخشبية الجذابة التي تمر عبر الأشجار وفوق المياه، ما يوفر إطلالة قريبة على النباتات والحيوانات في هذه البقعة المذهلة.
توفر الوجهة عالمًا هادئًا بعيدًا من ناطحات السحاب المتلألئة وصخب وسط مدينة أبوظبي، وهي على مسافة قصيرة منها بالسيارة.
ويمكن للزوار قضاء ساعات طويلة هنا والاستماع إلى صوت الطيور وتلاطم الأمواج.
ويقول ديكسون دولاوين، المرشد المخضرم الذي يقود جولات قوارب الكاياك أو القوارب الكهربائية المنتظمة وسط غابات القرم: "إنّ وجودك هنا أشبه بعملية شفاء مثل اليوغا، خصوصًا عند شروق أو غروب الشمس".
لا يستفيد البشر فقط من القوى المتجددة لأشجار القرم.
ويقول العلماء إن هذه الأشجار القوية تساعد أيضًا في استعادة الكوكب لعافيته، وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بعيدًا، وتشجيع التنوع البيولوجي والبقاء متقدمين بخطوة على تغير المناخ.
وجهة تشبه الحلم
تتمثل أفضل طريقة لرؤية سحر غابات القرم من خلال الإبحار، وفق إرشادات أحد الأدلاء مثل دولاوين على متن أحد قوارب الكاياك زاهية الألوان في جزيرة الجبيل.
تتوفر جولات القوارب خلال ساعات النهار، وأحيانًا في الليل،تبعًا لحركة المد والجزر.
وعبر القناة المائية التي حفرها الإنسان، يشير دولاوين إلى مجموعات السرطانات السوداء الصغيرة التي تتجول على الأسِرَّة الرملية حول قاعدة أشجار القرم.
ويوضح أن النباتات لها علاقة تكافلية مع القشريات، إذ تتغذى الأخيرة على الأوراق المهملة وتختبئ من الحيوانات المفترسة في الفروع، بينما ينشرون البذور وسط الرواسب المالحة الكثيفة، ما يتيح نمو الجذور.
ترسل أشجار القرم البحرية شبكة على شكل نجمة من الجذور التي تنبت بعد ذلك، غابة صغيرة خاصة بها من الأنابيب المعروفة باسم الجذر الهوائي، ما يسمح للنبات بالحصول على الأكسجين.
وبعد سحب قوارب الكاياك إلى الشاطئ الرملي النقي، الذي لا يظهر إلا عند انخفاض المد، يدعو دولاوين الزوار إلى فحص أوراق القرم عن كثب، التي تبدو وكأنها تتعرّق بالملح، وهو جزء من العملية التي تسمح للأشجار بالنمو في مياه البحر التي قد تكون سامة للنباتات الأخرى.
يشير دولاوين إلى بعض النباتات الأخرى التي تشكل النظام البيئي المحلي، مثل نبات سامفير المستنقع الأخضر والقصير، الذي يشبه النبات الذي نقع عليه غالبًا في المطبخ، موضحًا أن البدو المحليين استخدموه تقليديًا كدواء لعلاج الإبل أو الخيول الغازية.
وهناك الزهرة الصفراء التي تتفتح على جذور السامفيري وهي زهرة صفير الصحراء، التي تعد نباتًا طفيليًا غالبًا ما يتم حصاده للاستخدامات الطبية، ويعتبر بديلًا طبيعيًا للفياغرا.
وفي المياه الصافية، يمكن رؤية قناديل البحر المقلوبة رأسًا على عقب وهي تنجرف فوق الأعشاب البحرية المتمايلة، ويضيف دولاوين أن السلاحف ترتاد هذه المنطقة على نحو متكرر.
مهندسو النظام البيئي
ويعود سبب الهدوء في هذه الزاوية من أبوظبي جزئيًا إلى حقيقة أنها محظورة أمام الزلاجات النفاثة ومراكب النزهة التي تطير صعودًا وهبوطًا في مناطق أخرى من الساحل.
ويساعد دولاوين وزملاؤه المرشدون في جمع بقايا القمامة بجدية ومطاردة الضيوف غير المرغوب فيهم.
ويقول دولاوين بكل فخر: "لا يوجد مكان آخر في الإمارات يمكن مقارنته مع هذا المكان، من صفاء المياه إلى الحياة البرية الطبيعية، إنها وجهة مثالية".
وأدت برامج الزراعة الحكومية والخاصة إلى التوسع في مناطق أشجار القرم خلال السنوات الأخيرة، سواء في جزيرة الجبيل أو في منتزه القرم الشرقي في أبوظبي.
وتعد هذه قصة نجاح بيئية، وفق جون بيرت، الأستاذ المشارك في علم الأحياء بجامعة نيويورك أبوظبي، الذي يمكن العثور عليه أحيانًا يجدف حول مياه الإمارة كجزء من بحث يجريه فريقه لرسم خريطة للبيانات الجينية لأشجار القرم البحرية.
ويصف غابات القرم بأنها "مهندسة النظام البيئي"، التي لا تكتفي بناء موائلها الخاصة فحسب، بل تخلق بيئة مثالية لعشرات الأنواع الأخرى.