"جنّة الشاي" في تركيا..كيف تؤدي النكهات الجديدة إلى نمو هذه الصناعة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- على قمة جبل شديد الانحدار بشكلٍ مرعب شمال شرق تركيا، تبدو قرية Haremtepe كجزيرة يحيط بها بحرٍ شاسع من اللون الأخضر.
ويقطف العشرات من جامعي الشاي المحليين، والمختبئين بالكامل تقريبًا بين النباتات الخضراء في سفح التل، الأوراق بسرعة، وكفاءة، ويضعونها في أكياس قماشيّة كبيرة معلّقة على أكتافهم، قبل أن يبدأ الفيضان التالي.
وقال صاحب مزرعة شاي، ومقهى في القرية، كنان شفتشي: "هذا المكان مميّز"، مضيفًا: "عادةً، لا يمكن زراعة الشاي إلا في المناطق الاستوائية. ولكن المناخ المحلي للمنطقة، المُتمتّع بالكثير من أشعة الشمس، والأمطار، يعني أن زراعة الشاي يمكن أن تزدهر".
وهنا، في جميع أنحاء ريزة، وهي مقاطعة خصبة تطل على البحر الأسود، مشهورة بمناخها الرطب، وتساقط الأمطار الشبيهة بالأمطار الموسميّة، تتم زراعة غالبية أوراق الشاي.
وقد يحظى البريطانيون، والصينيون بالمزيد من الاهتمام، لكن تتمتّع تركيا بأعلى معدلات استهلاك لدى الفرد للشاي في العالم، بحسب بعض التقديرات.
ويستهلك المواطن التركي 4 كيلوغرامات من أوراق الشاي في العام، وفقًا للجنة الشاي الدّولية، ويُعادل ذلك شرب 85 مليون شخص 4 أكواب يوميًا من المشروب.
متعة الشاي
ويُحضّر الشاي الأسود في إناء على طراز "الساموفار"، وعادةً ما يتم ارتشافه من أكواب صغيرة على شكل ورود الخزامى.
ويمكن أن تستغرق التقنيّة التقليديّة لتحضير الشاي التركي، باستخدام نظام "الغليان المزدوج" الخاص بغلايتين مكدستين فوق بعضهما البعض، وقتًا طويلاً.
ويتماشى ذلك مع وتيرة الحياة الأكثر بطئًا في تركيا.
واستهلاك الشاي عبارة عن "نشاط اجتماعي ومتعة"، وفقًا لما ذكره رئيس جامعة رجب طيب أردوغان في ريزة، حسين كرمان، والتي أطلقت في وقتٍ سابق من هذا العام مكتبة الشاي التي تضم 938 كتابًا مخصّصًا للمشروب.
وأكّد كرمان أن الشاي هو "الغراء الذي يجمع كل الأشخاص في مجتمعنا".
ويرتبط شرب الشاي بالثّقافة التركيّة بشكلٍ وثيق، بحسب كرمان، إذ يعود تاريخه إلى أيام طريق الحرير.
وغالبًا ما احتضنت النُزُل التي تعود إلى قرون مضت بيوت الشاي للترحيب بالتّجار المرهقين.
وفي عهد عبد الحميد الثاني، الذي كان سلطان الإمبراطورية العثمانية من عام 1876 إلى عام 1909، كان الشاي يُزرع في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أوضح كرمان، ولكن كانت المحاصيل قليلة بشكلٍ عام لعدم تمتّع الكثير من الأماكن بمناخ مناسب.
وسرعان ما اكتُشف أن منطقة البحر الأسود كانت أكثر ملائمة لزراعة الشاي، وبني أول مصنع شاي في البلاد في ريزة في عام 1947.
وقال كرمان: "يُعتبر إنتاج الشاي هنا على نطاق واسع ظاهرة حديثة بشكلٍ نسبي"، وأضاف: "لكن هذه الظاهرة نمت، وانتشرت بسرعة، وأصبحت متجذّرة في الثقافة بعمق".
نكهات جديدة
ورُغم إنتاج تركيا ما يصل إلى 10% من الشاي في العالم، بحسب بعض التقديرات، إلا أن غالبيته يُستهلك محليًا، وهو من الأنواع القديمة من الشاي الأسود الذي يُزرع بمزارع ريزة، وتصل مساحتها إلى 767 مليون ميل مربع.
ولكن أصبح التغيير على مرمى البصر بالنسبة للشاي التركي، وبدأ منتجون مثل Lazika، وهي شركة ناشئة يقع مقرها في ريزة، وتأسّست في عام 2016، في كسر التقاليد.
وتُنتج الشركة، التي تعمل فقط مع المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، الشاي الأخضر، والأبيض العضوي، وغالبًا ما تستخدم مكوّنات محليّة مثل أزهار "يايلا" من جبال "كاتشكار" القريبة، ما يؤدّي إلى تلطيفها للمذاق، إضافةً لتمتّعها بفوائد طبيّة وفقًا لما يدّعيه بعض المحليين.
وقال مؤسس الشركة، إمري إرسين: "الشاي التركي يتركّز على العادات القديمة للأشخاص"، وأضاف: "لا يوجد تنوّع، وهو يتمتع بالنّكهة ذاتها دائمًا. ونرغب بتغيير ذلك".
ومن الواضح أن هناك رغبة في القيام بتغيير. وفي عام 2021، عالجت Lazika حوالي 7 أطنان من الشاي المُنتقى يدويًا، لكن زاد الإنتاج بشكلٍ كبير، ومن المقرر أن تعالج الشركة 25 طنًا هذا العام.
ويتّخذ آخرون مناهج مختلفة لإنتاج الشاي، وبدأت أيتول توران، التي تشارك في إدارة شركة Tea Chef التي تقودها النساء، في صنع الشاي المصنوع يدويًا بعد زيارة الصين في عام 2017.
ويقع مقر الشركة في ريزة.
وقالت توران: "أحاول صنع أفضل أنواع الشاي عبر معالجة أوراق الشاي الطازجة، التي تُحصد يدويًا بعناية، ودقّة كبيرة، وبلا إلحاق الضرر بنبتة الشاي، مع الحفاظ على هيكل المنتج".
"حب عميق"
وبرفقة صديقتها ياسمين يازجي، يحصد الثنائي الآن أوراق الشاي الأبيض عالية الجودة يدويًا، بالإضافة إلى إنتاجهما الشاي الأخضر المصنوع يدويًا، والشاي الأسود، وحتّى شاي "الماتشا" على الطريقة اليابانيّة.
وأكّدت توران: "لديّ حب عميق لإنتاج الشاي"، وأضافت: "انطلقنا مع معرفة أنه لدينا نحن الشباب مسؤوليات لمعرفة، وتطوير، وابتكار تاريخ الشاي التركي".
وحتّى لدى شركة الشاي التركية المملوكة للدولة، Çaykur، والتي توظّف أكثر من 10 آلاف شخص في 45 مصنعًا، يُعد الابتكار ضمن قائمة مهامها.
وفي مختبرات Çaykur، يختبر العلماء التقنيّات الجديدة لتحسين نكهة المنتج، وتناسقه، ومراقبة كل شيء من درجة حموضته، إلى لونه.
وقال محمد تشوم أوغلو، الذي يعمل في مركز ريزة لأبحاث الشاي والتطبيقات (ÇAYMER) المُدار من قبل الدولة: "نحاول دائمًا إنشاء مستويات جديدة من الجودة"، مؤكدّا أنه "بالنسبة للأتراك، يُعتبر الشاي أحد أهم مكوّنات النظام الغذائي اليومي".