التقيا على ممشى في نيس..ثنائي يجوب العالم بحثًا عن الأصوات
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل سبع سنوات، كانت الأمريكية ليبي جرين، تسافر مع والدتها، واختتمت رحلتها بزيارة مدينة نيس الواقعة جنوب فرنسا على البحر المتوسط قبل العودة إلى الولايات المتحدة.
وفي هذه الأثناء، كان مارسيل جناوك، المولود في ألمانيا، يتواجد أيضًا في نيس، مع صديقه، لحضور مهرجان "كروس أوفر"، وهو احتفال بالموسيقى الانتقائية.
وأثناء سيره على طول ممشى متنزَّه "بروميناد ديزونغليه"، التقى مارسيل بليبي، التي كانت تحمل كاميرا من علامة "هاسلبلاد"، وهي عبارة عن كاميرا أفلام تقليدية متوسطة الحجم، ولم يستطع حينها مقاومة الاقتراب من ليبي.
ويتذكر مارسيل أنه أبدى إعجابه بآلة التصوير الخاصة بها، قائلاً: "أحب الكاميرات القديمة، إنها مذهلة".
وتحدّث الاثنان عن آلات التصوير والسفر، ودعاها لمرافقته إلى مهرجان الموسيقى في تلك الليلة.
وفي اليوم التالي، عادت ليبي إلى الولايات المتحدة، لكنها بقيت على تواصل مع مارسيل.
وبعد أقل من شهر، سافرت ليبي إلى إيطاليا، والتقت مرة أخرى بمارسيل، والذي كان يعمل وقتها في سويسرا.
وتقول ليبي إنه حينها، شَعَرَ الثنائي أنّ ما يجري بينهما علاقة خاصة جدّية.
ثم سافر مارسيل لزيارة ليبي في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، حيث كانت تعمل في صناعة السينما، بعد دراستها التصوير السينمائي، وسافرا معًا لبضعة أسابيع في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وفي تلك المرحلة، أدرك الثنائي أنهما يريدان البقاء معًا والسفر حول العالم.
لذلك، عاد مارسيل إلى سويسرا، وبقيت ليبي في لوس أنجلوس، وعملا لمدة خمسة أشهر أخرى بهدف توفير المال.
وقام الثنائي بشراء عربة تخييم، حيث التقيا مجددًا في يناير/ كانون الثاني عام 2015، في مطار زيورخ الدولي بسويسرا.
وتذكر ليبي: "خلال أقل من عام، استقال كلٌّ منّا من وظيفته، وبعنا كلّ ما نملكه بشكل أساسي".
وقضى الثنائي أربعة أشهر في السفر في جميع أنحاء أوروبا، تبع ذلك رحلة حول اليابان داخل عربة التخييم، ثم في بالي، وتايوان، وكمبوديا، وماليزيا.
وعلى مرّ الأعوام نما شغفهما، ليس فقط ببعضهما البعض، ولكن بعالم من الأصوات أيضَا، حرصا على تسجيلها باستخدام ميكروفونات متطورة، وقاما بمشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهما.
وحوّل الثنائي مسألةً عمليّة تتعلق بتسجيل الأصوات لمقطع فيديو خاص برحلتهما في كمبوديا إلى عمل بدوام كامل يحافظ على نمط حياة الترحال التي يتّبعانها.
لكن الأمر استغرق بعض الوقت قبل أن يكتشفا شغفهما.
أصبح كل شيء مفعمًا بالحياة
وخلال السنوات الأولى من علاقتهما، أصبحت مشاركة تجارب السفر عبر الإنترنت جزءًا من روتين الثنائي.
وكانت ليبي ماهرة في التصوير، لكن عانى الثنائي لإيجاد ما يسلطان الضوء عليه.
وخلال زيارتهما إلى العاصمة الكمبودية، بنوم بنه، وثّقت ليبي مشهدًا لبعض الطيور المحلّقة، والتي أرادت استخدامها في فيلم.
ولكنها لم تستطع توثيق صوت رفرفة أجنحتها.
وبحث الثنائي على الإنترنت، وفي مكتبات الصوت، لكنهما لم يجدا ما كانا يبحثان عنه.
لذلك، قام مارسيل بشراء جهاز تسجيل صوتي بقيمة 100 دولار، وذهب للبحث عن الصوت المفقود لتسجيله.
وشغّل مارسيل جهاز التسجيل في منطقة بناء صغيرة، حيث كانت النساء يجرفن الحصى، ويستمعن إلى الموسيقى عبر مجموعة رخيصة من سماعات الرأس.
ولم يكن مندهشا فقط من أصوات أعمال البناء، ولكن كان هناك رهبان يهتفون، ودراجات نارية تمر من خلفه، تطلق أبواقها.
ويقول مارسيل: "كان الأمر كما لو كانت الأصوات تتساقط على رأسي من جميع الجهات، "أصبح كل شيء على قيد الحياة، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن لم أتوقف عن التسجيل".
شغف بالأصوات
وفي السنوات الست التي تلت ذلك التسجيل الأول، استطاع ليبي ومارسيل تسجيل الأصوات في أكثر من 25 دولة، معظمها في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وقاما بقضاء عدة أشهر في كل دولة.
وقام الثنائي بتطوير إعداد تسجيلات أكثر تعقيدًا لتشمل تقنيات الإستيريو وتسجيل ثنائي الأذن، يناسب نمط حياتهما أثناء السفر.
وهذا يعني الاستثمار في الميكروفونات وأجهزة التسجيل المتطورة لتحقيق شغفهما المستمر بمشاركة مقاطع صوتية أصلية من كل موقع يزورانه.
وتوضح ليبي: "نحن نوثق العالم من خلال الأصوات"، وتضيف: "نحن نحاول أيضًا أن نكون مصدر إلهام للآخرين للنظر إلى الأصوات بطريقة مختلفة".
وقد يكون شغف الثنائي باهظ الثمن، إذ عادةً ما تكلّف معدات التسجيل عالية الدقة آلاف الدولارات للميكروفونات الفردية ومسجلات الصوت.
وعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة إحدى مجموعات تسجيل الإستريو، التي تضم ميكروفونات ألمانية الصنع، حوالي 8 آلاف دولار.
لكن الأمر بالنسبة إلى ليبي ومارسيل لا يتعلق فقط بالمعدات، إذ يتمثل هدفهما بتجربة الأماكن من خلال الأصوات.
وعلى سبيل المثال، استغرق الثنائي يومين لزيارة الشاطئ الرملي الأسود المعروف الآن في أيسلندا بمنطقة Solheimasandur.
وتطلبت هذه الرحلة المشي لمدة ساعتين خلال حمل معدات التسجيل، وقضاء ما يصل إلى 10 ساعات لتسجيل صوت هبوب الرياح.
وكانت إحدى الذكريات المفضلة لدى الثنائي تتمثل بتسجيل الأصوات المحيطة بموقع حطام طائرة دوغلاس التابعة للبحرية الأمريكية، والتي هبطت اضطراريًا على الشاطئ في عام 1973.
ويقول مارسيل: "لقد كان أمرًا مدهشًا، تسجيل صوت تشقق المعدن في مهب الريح".
تحديات حياة الترحال
أما عن تحديات حياة الترحال، فتتمثل في عدم وجود مقر لليبي ومارسيل نتيجة سفرهما باستمرار، حيث واجها معًا أوقاتًا عصيبة، ونفدت أموالهما تقريبًا.
وتقول ليبي: "عندما يكون لديك قاعدة منزلية يكون لديك روتين ملموس أكثر، وبالنسبة لنا، يتغير الأمر دائمًا، لذا في بعض الأحيان يتطلب ذلك المزيد من الجهد والمال".
الوجهة التالية
وغادر ليبي ومارسيل كوريا الجنوبية مؤخرًا لمواصلة رحلاتهما في ماليزيا.
ويسعيان في خطتهما الكبيرة التالية إلى السفر على الطريق السريع للبلدان الأمريكية من ألاسكا إلى أوشوايا، باتجاه الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية.
ويقول مارسيل مبتسمًا: "أعتقد أن الذهاب إلى القارة القطبية الجنوبية لتسجيل الأصوات سيكون بمثابة حلم".
ولكن سواء كانت رحلة برية عابرة للقارات، أو في أقصى جنوب قارة الأرض، فإن شغف ليبي ومارسيل ببعضهما البعض وبالأصوات التي يسجلونها سيكون حاضرًا دائمًا معهما.