"ليالي ليوا"..تعرّف إلى الإماراتي الذي يعرف كل الكثبان الرملية في أبوظبي
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما كان سلام المزروعي صبيًا، كان يلعب هو وأصدقاؤه لعبة في الصحراء قد يجدها غالبية الناس مرعبة.
وفي جوف الليل، ورغم صغر سنّهم على القيادة في غالبية البلدان، كانوا يستقلّون السيارات بين بحر من الكثبان الرملية الممتدة من العاصمة الإماراتية أبوظبي، إلى المملكة العربية السعودية، ثم يطفئون المصابيح الأمامية.
وعلى ضوء القمر فقط، كمصدر إضاءة، كانوا يتسابقون لمعرفة من يمكنه العودة إلى المدينة في أسرع وقت.
ومن الواضح أنّها كانت لعبة محفوفة بالمخاطر.
فإذا أخذت منعطفًا خاطئًا، أو تعطّلت بك السيارة، أو علّقت في الرمال الناعمة، ستترك وحيدًا، على بعد أميال من المدينة، وتحت رحمة شمس الصحراء الحارقة في الصباح.
ولكن يقول المزروعي إنهم لم يُضلوّا الطريق يومًا.
وبالنسبة للمزروعي، تُعد هذه الكثبان الرملية والتي تبدو جميعها متشابهة، والممتدة على مساحة البصر، مألوفة مثلما الشوارع مألوفة لدى سكان المدينة.
ورغم أنّ الرياح العاتية في بعض الأحيان يمكن أنّ تهب على الرمال حولها، إلا أن التضاريس لا تفقد ملامحها المألوفة أبدًا، حسبما يقوله.
وهذه الزاوية من صحراء ليوا، والمعروفة أيضًا باسم الربع الخالي، كانت موطنًا لعائلة المزروعي من البدو لأجيال.
وحتى بعد تشييد منازل وإقامة شركات في بلدات أبوظبي ومدنها، إلا أنّ مكانة الصحراء لا تزال راسخة بقلوبهم ويعودون إليها بانتظام.
أما الآن، يريد الشاب البالغ من العمر 46 عامًا مشاركة هذا الشغف بالصحراء.
ومن خلال رحلاته المكثفة كطالب ومهندس، حاول ابتكار طرق لمساعدة الناس من خارج دولة الإمارات العربية المتحدة على التفاعل والاستمتاع بسحر صحراء ليوا.
ويقول: "في البداية، خطرت لي فكرة إقامة معسكر في الولايات المتحدة، وتحديدًا بولاية كاليفورنيا، يضم 70 من الإبل العربية".
ولكن، لم يُسمح له بالمضي قدمًا، بسبب مخاوف من مرض الحمّى القلاعية، لذلك فكر: "لنقم بإعداده هنا".
ابتلعتها الرمال
وفي هذه البقعة يكمن جمال وكأنه من عالم آخر تقريبًا، بساط ناعم من الرمال التي تتهادى بلطف بقدر ما تراه العين.
وفي الليل، تنعم تحت ظلمة السماء الساطعة بالنجوم، وخلال النهار، ضوء الشمس المشرق والسماء الزرقاء.
إنه حقًا وسط اللامكان.
وتستغرق المسافة ساعتين بالسيارة جنوباً وغرباً من وسط مدينة أبوظبي، عبر مدينة زايد، ثم ساعة أخرى جنوباً حتى يصل الطريق إلى آخر ميل تقريبًا قبل أن تبتلعه الرمال.
ولاستيعاب الزوار، أنشأ المزروعي، بدعم من والده إبراهيم المزروعي، ليالي ليوا، وهو مخيّم صحراوي أنيق عبارة عن خيم، يمتد عبر منحدر لطيف على حافة الربع الخالي.
ومن الخارج، تبدو الأجزاء الخارجية البيضاء للخيم التي أنهكتها العواصف الرملية، عملية.
أما في الداخل، فستجد رفاهية متألّقة خالصة.
ويكشف التصميم الداخلي للخيمة المبردة بمكيف الهواء، عن ستائر فخمة، وسجادة تقليدية، وإضاءة من الأعلى بمصباح أنيق يتدلى من سقف الخيمة المرتفع.
ويتواجد سرير كبير ومريح مبطن بملاءات قطنية فاخرة، وهناك خزانة ملابس، إضافة إلى مرآة بالحجم الكامل، وطاولة قهوة بكراسيها.
وتكشف ستارة جانبية عن حمّام كامل مع مرحاض، ودش مجهّز بالصّابون الفاخر.
وإذا تمكنت من تناسي التفكير في الفراغ الشاسع والصمت القاتم كونك بعيدًا عن أشكال حضارة المدن، فإن احتمال النوم الجيد ليلاً هنا يُعد عاملًا قويًّا.
ويشرح المزروعي: "لا أعتبره فندقًا، بل إنه بمثابة تجربة".
وبالنسبة للطعام والترفيه، فقد قام المزروعي ببناء هيكل دائم في مكان قريب.
وصُمم البناء ليبدو وكأنه منزل شرق أوسطي تقليدي من القرن التاسع عشر، باستخدام خشب أفريقي مستورد، ويحتوي على غرفة طعام، ومنطقة جلوس داخلية وخارجية، بالإضافة إلى متجر للهدايا التذكارية.
وفي الليالي الدافئة، المضاءة بأضواء نيران المعسكر المتوهجة التي تؤججها النسمات المنعشة، تُعد منطقة الجلوس الخارجية مثالية للتجمع لتناول مشروبات باردة والاستماع إلى حكايات الصحراء.
وفي النهار، تتحول هذه المنطقة إلى مكان للاجتماع والتخطيط للأنشطة بما في ذلك رحلات ركوب الإبل، أو الصيد بالصقور، أو قيادة سيارات الدفع الرباعي على الكثبان الرملية.
ويتمثل أفضل وقت لزيارة المعسكر خلال الأشهر الباردة، أي من أكتوبر/ تشرين الأول إلى مارس/ آذار.
ويبقى المكان مغلقًا خلال فصل الصيف عندما يكون الجو حارًا جدًا.
ويُقال إن درجات الحرارة لا تتراجع إلا خلال أواخر شهر أغسطس/ آب عند ظهور نجم لامع يُسمى نجم سهيل فوق الأفق الجنوبي.
وإذا كان المزروعي خلف عجلة القيادة في رحلة عبر الكثبان الرملية في ليوا، فكن مستعدًا لتجربة أشبه بركوب الأفعوانية.
وباستخدام المهارات التي شحذها خلال سباقاته الصحراوية على ضوء القمر، يُغرّّق عربته بين الكثبان الرملية أسفل منحدرات شبه عمودية، أو يميلها جانبًا على طول التلال الرملية.
ويتنقل المزروعي من خلال لون الرمال والنباتات وشكل التضاريس، ليسلك طريقًا مباشرًا لتل "مُرعب"، وهو منحدر ضخم من الرمال يرتفع فوق سهل منبسط.
وتتجمع الحشود هنا مرة واحدة في السنة لتشهد مهرجان ليوا الذي يستمر أيامًا، والذي يتضمن سباقات دفع رباعي فوق الكثبان الرملية.
وتم تحديد موعد حدث هذا العام خلال الفترة من 22 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 4 ديسمبر/كانون الأول.
وفي طريق العودة، يوقف المزروعي العربة على الكثبان الرملية فوق مخيم "ليالي ليوا"، حيث قِرب المياه العملاقة التي تبرز من بين الرمال، لتزويد احتياجات الخيم.
وتُعد هذه من العلامات القليلة لأثر الإنسان على المشهد المحيط بالمخيم، والذي يحرص المزروعي للحفاظ عليه.
وقبل بناء المخيم، أشار المزروعي إلى أنه وظف 60 شخصًا للعمل لمدة أسبوعين لإزالة أكوام القمامة، التي خلّفها أشخاص قاموا بالتخييم في الموقع خلال مهرجانات ليوا السابقة.
ويقوم المزروعي حاليًا بتركيب الألواح الشمسية بهدف جعل المخيم يعتمد على الطاقة المستدامة بنسبة 100%.
وإلى جانب ذلك، قام بزرع أكثر من 700 شجرة نخيل في العام الماضي كجزء من برنامج زراعة مستمر لإضافة الظل وتشجيع الحياة البرية في المنطقة.
وبينما شجّعه المسؤولون الحكوميون، الذين تعاونوا معه في إنشاء المخيم، على إضافة 10 أو 20 خيمة بالإضافة إلى 10 خيم يؤجرها حاليًا مقابل 750 دولارًا في الليلة، فإنه يفضل إبقاء المخيم صغيرًا.
ويقول: "نريد أن نبقيه موقعًا أصيلًا ورومانسيًا حيث يمكنك الهروب من حياة المدينة لبضعة أيام".