طريق الحرير في أذربيجان.. ما حكاية أعظم شبكة تجارية في التاريخ؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- اشتهرت أذربيجان قديماً بتجارة الحرير والتوابل. وعلى مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا، كان طريق الحرير الشبكة التجارية التي تربط الشرق بالغرب. وفي القرن التاسع عشر، كانت مدينة شاكي بمثابة مركز عالمي لصناعة الحرير. فما هي حال هذه المدينة الأذربيجانية الساحرة؟
تقع مدينة شاكي الصغيرة، المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، قبالة سفوح الغابات الكثيفة لجبال القوقاز الكبرى بأذربيجان.
وكان طريق الحرير العظيم بمثابة سلسلة التوريد البرية الأسطورية التي سمحت بإمداد البضائع الصينية للوصول إلى روما القديمة من القرن الثاني قبل الميلاد.
وفي العالم القديم، بغياب القطارات أو الطائرات، كان نقل السلع القيّمة يتمّ عبر مساحات شاسعة غير مضيافة من أوراسيا، يتطلّب فرقًا مجهزة جيدًا من الحيوانات، وعادة تكون الإبل التي تسافر في مجموعات، وتعرف باسم القوافل.
وتبحث القوافل عادةً عن مكان آمن للتوقف فيه، عبارة عن حاويات متينة ذات جدران، حيث يمكن للتجار العثور على السكن والمعيشة.
تطورت هذة الحاويات إلى ما يعرف باسم "كارافانسيرايس"، أي قصور القوافل، التي توزّعت على طول طرق التجارة، التي تعد بمثابة النموذج الأولي لنزل المسافرين، في عصر ما قبل المحركات.
ورغم ما يشي به الاسم، كان طريق الحرير شبكة منتشرة وليس محض "طريق" واحدة، وكانت التجارة تتمثل في بضائع عدة وليس الحرير فقط.
وكان الفلفل والتوابل مطلوبًا أيضًا في أوروبا، في مرحلة ما قبل العصور الوسطى، بينما تدفق الكثير من الفضة والذهب شرقًا لدفع ثمن هذه البضائع الثمينة، حيث واجهت روما أزمة في ميزان المدفوعات خلال القرن الثالث الميلادي على نطاق يذكرنا بالديون الكبيرة الحالية للعالم المستحقة للصين.
فرصة جيوسياسية
شهدت الأقسام الأكثر شهرة من طريق الحرير، مثل صحراء آسيا الوسطى وإيران، اضطرابات عدة في العديد من الفترات التاريخية، من انعدام أمن أو توتر السياسة الدولية، إلى قطع الطرق الرئيسية.
وكانت الطرق عبر القوقاز تزداد شعبية عندما كانت ظروف التجارة غير مؤاتية عبر العالم الفارسي.
ويمكن النظر إلى المشاكل الجيوسياسية اليوم في كل من إيران وروسيا على أنها مرحلة أخرى من هذا القبيل.
ويرمز "طريق الحرير" في القرن الحادي والعشرين بشكل واضح إلى خط السكك الحديدية الذي افتتح حديثًا بين إسطنبول وباكو، والذي يُطلق عليه "طريق الحرير الحديدي"، ويوازي خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان لنقل النفط في معظم مساره.
وكما هي الحال في الأيام الخوالي، مع تزايد أحجام التجارة تأتي مجموعة من الفوائد المرتبطة، ليس أقلها إعادة اكتشاف الطبقات القديمة من تاريخ طريق الحرير في المنطقة، كحافز لمزيد من التجارة والسياحة.
موروثات طريق الحرير الأخرى
كان أحد الأسباب التي أدت إلى تحوّل مدينة شيكي إلى مركز للحرير، تدمير العاصمة الإقليمية السابقة الشماخي بالحصار العسكري (1742) والزلازل (خاصة 1859). ومع ذلك، لا تزال بقايا طريق الحرير الأخرى في مكان آخر.
وتعد مدينة باكو اليوم أكبر وأغنى مدينة في أذربيجان، لكنها كانت غير مهمة نسبيًا قبل "الطفرة النفطية" في أواخر القرن التاسع عشر.
وتمثلت فترة تألقها السابقة بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، وقد نجت أربع قصور قوافل حجرية صغيرة من تلك الحقبة.
واعتبارًا من أواخر عام 2022، خضع كل من "خان مولطاني" الذي يعود للقرن الرابع عشر و"خان بخارى" من القرن الخامس عشر، للتجديد، كجزء من "إعادة اكتشاف" أذربيجان لتراث طريق الحرير.
ومن أجل استعادة شبكة طريق الحرير في أذربيجان بالكامل، ينتظر إعادة ربط أخير، أي طريق التجارة النابض بالحياة تاريخيًا على طول نهر أراز، الذي يتدفق عبر دولة حدودية بين تركيا، وأرمينيا، وإيران، وأذربيجان.
وبسبب النزاعات الدولية، أصبحت مساعي النقل عبر هذا الطريق الذي شكّل أحد أهم خيوط التجارة في المنطقة بالعصور الوسطى، مشلولًا لعقود.
ولكن إذا أعيد إحياء هذا الطريق مستقبلًا، فإن الرحلة السحرية إلى تركيا عبر مدينة ناختشيفان القديمة (في منطقة معزولة بأذربيجان) يجب أن تكون مجدّدًا ممرًا رئيسيًا للتجارة والسياحة.