في أمستردام.. هكذا كشف مشروع بناء مترو عن ما يقرب من 700 ألف كنز أثري
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- شكّل بناء خط المترو الشمالي الجنوبي في العاصمة الهولندية أمستردام تحديًا كبيرًا، إذ انطوت العمليّة التي استغرقت 15 عامًا على الحفر بعناية تحت أسس هياكل معماريّة، يعود تاريخها إلى قرون من الزمن.
ولم تكن العملية سهلة أيضًا بالنسبة لعلماء الآثار الذين كُلفوا بالبحث عن أي قطعة من التّاريخ للحفاظ عليها.
ونفّذ العلماء مهامهم داخل صناديق خرسانيّة مضغوطة لمنع دخول الماء من الممرّات المنتشرة في العاصمة الهولنديّة.
واليوم، يمكن رؤية ثمار أعمالهم في محطّة "روكين"، وهي واحدة من ثماني محطّات موجودة على المسار.
وتُعتبر المحطّة بمثابة متحف أثري مثير للإعجاب تحت الأرض، يحتوي على 10 آلاف قطعة أثريّة معروضة تقريبًا.
وقال بيتر كرانندونك، وهو واحد من بين اثنين من كبار علماء الآثار الذين قادوا أعمال التنقيب خلال المشروع: "كانت الكميّة الهائلة للمواد التي اكتشفناها أثناء بناء الخط الشمالي الجنوبي استثنائيّة"، مضيفًا: "منحنا (مشروع) البناء فرصة فريدة للتّنقيب تحت المدينة لعمق بلغ 30 مترًا".
وتضمنت أقدم القطع المُكتشفة أصداف رخويات يعود تاريخها إلى أكثر من 115 ألف عام.
تحت وطأة الضّغط
وفي إحدى المواقع في "روكين"، أشارت كتلة من عظام الحيوانات إلى وجود مجزرة قريبة تعود إلى القرنين الـ17 والـ18.
وفي مكانٍ آخر، أكّد العثور على قطع الأثاث وجود متجر لصناعة الأثاث من القرن الـ19.
وذكر هويت ديتمار، والذي شغل منصب مدير مشروع النّقل من عام 2016 حتّى اكتمال المشروع: "قبل التنقيب عن هذه القطع الأثريّة، تمتّعت المدينة بأرشيف أثري تضمّن حوالي 70 ألف قطعة أثريّة فقط"، مضيفًا: "وجدنا 10 أضعاف هذا العدد أثناء إنشاء الخط الشمالي الجنوبي".
وشرح كرانندونك المزيد عن تفاصيل عمليّة التنقيب غير التقليدية وراء هذه الاكتشافات.
وعمل الفريق الأثري داخل هياكل تُدعى "قيسونات" (caissons)، وكان الأمر بمثابة تجربة جديدة له.
و"القيسونات" عبارة عن غرف خرسانيّة كبيرة مانعة لتسرّب الماء، ومفتوحة من الأسفل، حيث يتم منع دخول المياه بواسطة ضغط الهواء، وتُنفَّذ داخلها أعمال البناء تحت الأرض أو الماء.
وللتّأقلم مع "القيسونات"، كان على الأفراد قضاء بعض الوقت في حجرة ضغط قبل الدّخول وبعد الخروج، وذلك لمنع تشكّل فقاعات الغاز في الجسم، إذ قد تؤدّي إلى الشلل.
إنجاز هندسي
وافتُتح الخط الشمالي الجنوبي في يوليو/تموز من عام 2018 وسط ضجّة كبيرة، إذ يُعتبر من أكثر مشاريع البنى التحتية تحديًا في هولندا.
ويبلغ طول المسار 6 أميال، وتقع مساحة 4.5 ميل منه تحت الأرض، كما أنّه يمتد أسفل وسط المدينة التّاريخي، ومحطّة القطار المركزيّة، وقناة "IJ" المائيّة التي تفصل شمال المدينة عن وسطها.
وربط الخط أحياءً مثل الضّواحي الشماليّة (التي لم تكن متصلة سابقًا عبر السكك الحديدية) بوسط المدينة، ما ألغى الحاجة للتنقّل بعبّارة عبر قناة "IJ"، أو القيادة عبر نفق "IJ".
ومع ذلك، لم تُقابَل الخطط الأوليّة للخط الشمالي الجنوبي بالحماس، ونشأت المعارضة العامّة تجاه المشروع نتيجةً للتّجارب المؤلمة أثناء بناء أول مشروع مترو في أمستردام بالسبعينيّات، أي الخط الشرقي.
وتم هدم جزء كبير من حي "Nieuwmarktbuurt" لإفساح المجال للمشروع، ما أدّى إلى الغضب وأعمال الشغب في عام 1975.
وبدأ بناء الخط الشمالي الجنوبي في عام 2003، وكان الحفاظ على البيئة المبنية المتواجدة من أهدافه الرئيسيّة.