متحف تحت الأرض.. حفر نفق مترو بأمستردام يكشف عن كنوز تعود للعصور الوسطى
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لطالما شكّل بناء خط المترو بين شمال وجنوب أمستردام مشكلة كبيرة. لكن المهمة التي استغرق إنجازها 15 عامًا، تمّت من خلال عملية حفر دقيقة تحت أسس الهندسة المعمارية التي تعود إلى قرون طويلة.
ونُفّذت الأعمال داخل صناديق خرسانية مضغوطة لإبعاد الفياضات عن الممرات المائية المنتشرة في العاصمة الهولندية.
واليوم، يمكن رؤية ثمار أعمالهم الجوفية في محطة "روكين"، واحدة من ثماني محطات على الطريق، تتميّز بكونها متحفًا أثريًا مثيرًا للإعجاب تحت الأرض، مع عرض حوالي 10 آلاف قطعة أثرية.
وتعد المحطة بمثابة شهادة على التراث الغني الذي بنيت عليه أمستردام، وكذلك للمهندسين وعلماء الآثار الذين عملوا بجدٍّ للحفاظ عليها.
وتُعرض ثمار عملهم داخل صندوقين زجاجيين موضوعين بين السلالم المتحركة.
وتم العثور على عدد كبير من هذه القطع الأثرية في "روكين"، الحي الممتد على طول نهر "أمستل" الرئيسي في المدينة، الذي كان يقع في قلب أمستردام منذ بداية نموها في القرن الثالث عشر.
وقال بيتر كرانندونك، أحد اثنين من كبار علماء الآثار الذين قادوا أعمال التنقيب خلال مشروع المترو: "كانت الكتلة الهائلة من المواد التي اكتشفناها أثناء بناء الخط الشمالي-الجنوبي استثنائية".
وأضاف: "لقد منَحَنا البناء فرصة فريدة للتنقيب تحت المدينة حتى عمق 30 مترًا".
ويتم تنظيم القطع الأثرية في محطة "روكين" بأقسام مختلفة.
ففي جهة العرض الشمالية، ينصبّ التركيز على المكتشفات المتعلقة بالغذاء، والعلوم، والتكنولوجيا، والأسلحة، والدروع، والاتصالات، والألعاب، والترفيه، والتحف الشخصية، والملابس.
أما جهة العرض الجنوبية فتشمل عناصر من المباني والهياكل، والديكورات الداخلية، والإكسسوارات، والنقل، فضلاً عن الحرف اليدوية والصناعة.
وتقدم كل هذه القطع الأثرية نظرة ثاقبة على ماضي أمستردام الرائع وغير المعروف أحيانًا.
وأوضح هويت ديتمار، الذي شغل منصب مدير مشروع المترو من عام 2016 حتى اكتماله: "قبل التنقيب عن هذه القطع الأثرية، كان لدى المدينة أرشيفًا أثريًا يضمّ حوالي 70 ألف قطعة أثرية فقط.. وجدنا عشرة أضعاف هذا العدد أثناء إنشاء خط المترو بين الشمال والجنوب".
وشرح كرانيدونك بالتفصيل عن عملية التنقيب غير التقليدية وراء هذه الاكتشافات بالقول: "لم تكن هذه عملية حفر عادية".
وتابع: "عادة ما يتم التنقيب قبل البناء.. لكن في هذه الحالة، تم الانتهاء بالفعل من خطط البناء. لذلك، كان علينا أن نصبح جزءًا من العملية الحالية.. كان فريق الهندسة المدنية يبني وكنا نحن نحفر".
وإلى جانب جناحي العرض الأثريين، فإن جدران محطة "روكين" المجاورة للمسارات مغطاة بفسيفساء حجرية للفنانين دانيال ديوار وغريغوري جيكويل، بتصوّر 33 من القطع الأثرية المكتشفة.
ويوجد أيضًا فسيفساء من التمساح، تمثل فكّ تمساح تم اكتشافه، وهو اكتشاف غير عادي إلى حد ما في هذا الجزء من العالم.
وتم الترحيب بخط الشمال والجنوب باعتباره أحد أكثر مشاريع البنية التحتية تحديًا في هولندا، وقد رافق افتتاحه في يوليو/ تموز 2018، ضجة كبيرة.
وربط الخط أحياء مثل الضواحي الشمالية (التي لم تكن متصلة سابقًا بالسكك الحديدية) بوسط المدينة. كما خفضت مدة السفر البالغة 30 دقيقة لاجتياز المدينة من الشمال إلى الجنوب إلى النصف. وبعد فتح الخط مباشرة، استخدمه نحو 120 ألف مسافر يوميًا.
ومع ذلك، فإن الخطط الأولية لخط الشمال والجنوب لم تُقابل بالحماس.
وكانت المقاومة العامة لهذا المشروع ناتجة عن التجارب المؤلمة أثناء بناء أول مترو في أمستردام، الخط الشرقي، في فترة السبعينيات. وتم هدم جزء كبير من حي "نيوماركتبورت" لإفساح المجال للمشروع، ما أدى إلى أعمال الشغب عام 1975.
وواجه المشروع العديد من التحديات الهندسية التي أدت إلى مضاعفة ميزانية البناء من 1.4 إلى 3.1 مليار يورو. وتم تأجيل تاريخ الإطلاق الأولي من عام 2011 إلى عام 2018.
ورغم هذه التحديات، يعمل الخط الشمالي الجنوبي بسلاسة منذ إطلاقه.
ويقول ديتمار إنه سعيد بالتقدير الذي تلقاه المشروع حتى الآن، خصوصًا بالنسبة للفن في كل محطة من المحطات الثماني على الخط الجديد.
وتبقى محطة "روكين" هي الأبرز.
وأوضح: "عندما أسافر إلى محطة روكين، أرى الناس يتأملون بالفعل المعروضات الأثرية.. آمل أن يزوره مزيد من الأشخاص لرؤية هذا المتحف تحت الأرض".