ما سرّ كيب تاون في أفريقيا.. ولِماذا تعتبر إحدى أكثر مدن العالم جمالًا؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تجسدّ كيب تاون منطقة جنوب أفريقيا متعدّدة الثقافات. إذ لطالما كانت موطنًا للرعاة الرحل. ويعود بناء أقدم مدينة بالبلاد إلى التاريخ الحديث في عام 1652، عندما أنشأ مستوطنون من شركة الهند الشرقية الهولندية محطة ري للسفن المتجهة إلى آسيا.
واليوم، رغم التاريخ المظلم للفصل العنصري والصراع اليومي المستمر مع انقطاع التيار الكهربائي، المعروف بين السكان المحليين باسم "التخلص من الأحمال"، فإن المدينة الأم تسعى إلى إعلاء ماضيها النابض بالحياة والرائع، الغني بتعدد الثقافات، نتيجة تجارة الرقيق التي جلبت الناس من إندونيسيا وماليزيا ومدغشقر إلى شواطئها.
ويستعد السكان المحليون من جميع الخلفيات للتحدّث عن مشاهد الطعام والشراب المذهلة، وإمكانية الوصول إلى بعض أروع المناظر الطبيعية البرية على كوكب الأرض، من دون أن يتجاهلوا أبدًا العمل المهم المتمثّل بتذكير الوافدين الجدد فقط بجذور هذا المكان والتحديات التي يواجهها الآن.
ويمكن القول إن بو-كيب (Bo-Kaap) ليست إلا تمجيدًا لكيب تاون الحديثة. وكانت حامية عسكرية ذات مرة، حيث استقر الأشخاص المحرّرين الذين خضعوا للعبودية في القرن التاسع عشر، قبل طردهم من المنطقة في ظل نظام الفصل العنصري. واليوم، تجذب منازلها الملونة وواجهات محالها التجارية، ناهيك عن المطاعم والمقاهي الرائعة، الزوار.
"نحن ممتنون جدًا لحريتنا"
وتُعتبر كارين دودلي أفضل من يتحدث عن المنطقة، إذ أنها طاهية مشهورة كانت تدير مطعمها الخاص "The Kitchen" قبل جائحة فيروس كورونا، وكانت في طليعة من سلط الضوء على الأطباق الرائعة المعروضة هنا. وكل ما تقع عليه هنا بدءًا من "koesisters"، أي الكعك اللذيذ المتبل الذي يجسد التراث الملايو للمنطقة، وصولًا إلى شرائح لحم ماسالا النضرة.
وأوضحت دودلي أنّ مطعمها وطبخها يتمحوران حول الرغبة بتعريف "إرثنا المتمثّل بالحاجة إلى تصنيف الأمور وتسميتها. فقد طُرح سؤال كبير حول ’ما هي جنوب أفريقيا‘؟"
وتتابع: "أعتقد أننا في كيب تاون جئنا إلى هذا المكان، حيث نريد فقط أن نأكل ما هو لذيذ".
لكن عند المشي في بو-كيب، فإن الانقسامات العرقية التي شوهت ما يسمى بأمة قوس قزح ليست بعيدة على الإطلاق.
وحول هذا الأمر، قالت دودلي: "اعتادت هذه المنطقة أن تكون منطقة لأعراق مختلطة، وخلال ستينيات القرن المنصرم، أُعلنت منطقة بيضاء". وبالنسبة لها، كان الأمر شخصيًا، إذ فقدت عائلة دودلي مختلطة الأعراق منزلها هنا نتيجة ذلك.
وأضافت أنّه "كان منزلهم وأبلغوا بالإخلاء، واضطروا إلى بيع منزلهم إلى قاطنه التالي مقابل لا شيء، والابتعاد عن مجتمعهم، بعيدًا عن كنيستهم، بعيدًا عن ناسهم، بعيدًا إلى كيب فلاتس".
وهذه التجربة ليست فريدة، بل هي جزء من قصة كيب تاون، قصة لا يمكن تجنّبها. ورغم التقدم الحقيقي منذ خروج جنوب أفريقيا من حقبة الفصل العنصري في عام 1994، إلا أن القضية لا تزال أولية وحقيقية.
ورغم مرور الوقت ما برحت دودلي غاضبة لأن عائلتها اضطرت للانتقال، لافتة إلى أنه "كان عليهم ترك عائلاتهم وكل ما يعرفونه، وبناء حياة جديدة في مكان آخر فقط لأغراض إعادة ترسيم منطقة". لكن رغم الغضب، إلا أنّ فخر دودلي بالمنطقة والمدينة الحديثة لا يُخفى.
وقالت: "أعتقد أنّنا نشعر بالامتنان جدا لحريتنا. فقد تزوجت من الرجل الذي أحب، وهو أبيض البشرة. وتحرّر أطفالي من مستوى التعليم الهابط. وبات أمامهم مستقبلًا واعدًا. أعتقد أن هذا الأمر يجعلنا أكثر تصميماً. نحن هنا، نحن مستثمرون. علينا العمل من أجل التغيير. علينا العمل من أجل أمر جديد. هذه حياتنا".
الهدوء تحت الأمواج
وموقع كيب تاون القريب من رأس الرجاء الصالح، حيث تضرب الأمواج العاتية الرأس الصخري، جعلها منذ فترة طويلة إحدى أكثر مدن العالم فتنة. سواء نظرت إليها من المرتفعات الشاهقة لجبل تيبل أو من المياه، فثمة إحساس حقيقي جدًا بالطبيعة، وأنّ الهواء الطلق يشكّل جزءًا من الحياة اليومية.
وهذا الواقع حقيقي بشكل خاص لهانلي برينسلو. فهي بطلة الغوص الحر، وتستكشف العالم تحت الأمواج التي تضرب شواطئ المدينة، ما يمنحها هدوءًا تأمليًا. وبفضل تمرّسها على التنفس، أصبحت قادرة على أن تصبح جزءًا من عالم مائي من دون الحاجة إلى خزان أكسجين.
وأوضحت أنه "ذات يوم تدرك أنك في الأعماق وأمامك دقائق لاستكشافها في نفس واحد"، مشيرة إلى أن الأمر "يتعلق بإيجاد لحظات السكون تلك. وبالنسبة لي، يتعلق الأمر بالبرية والتواصل مع الطبيعة".
ولكن شغف برينسلو بالمحيط يثير قلقها العميق بشأن مستقبله. وبالنسبة لمدينة تستمد الكثير من هويتها من المياه، تواجه كيب تاون مشاكل بيئية خطيرة تصيب هذا الموطن الخاص.
وعند عودتها إلى اليابسة، تجمع برينسلو بانتظام عشرات البالونات المرمية في المياه من الحفلات التي نظمت في البر والبحر. وقد يكون أثر أمر كهذا يبدو عاديًا، لكنه هائل ومدمِّر للحياة البحرية.
وعن المحيط قالت، إنّه "من الصعب تصديق أن شيئًا بهذه الضخامة قد يفشل". وتابعت: "لا نريد أن نصدق ذلك، إنه يضر بمنظورنا للعالم، أن نعتقد أن شيئًا بهذا الحجم قد يفشل. أعتقد أن التفكير بمحيطنا يحتاج إلى تحوّل ذهني مطلوب والنظر إليه كأمر عزيز وهش في آن، يمكننا في الواقع أن يكون لنا أثر سلبي أو إيجابي عليه، اعتمادًا على كيفية اختيارنا للعيش".
مغامرة كروم العنب
وبينما يعطي البحر والمدينة منظورًا جيدًا للغنى الذي تتمتع به كيب تاون، فإن التوجه إلى الداخل له مكافآته الخاصة. وتنعم منطقة ستيلينبوش بمناخ مماثل لمناخ البحر الأبيض المتوسط والتربة الخصبة، وهي تنتج النبيذ منذ أكثر من 300 عام.
وتقول روز جوردان، مالكة "Plaisir Wine Estate"، التي ترعرعت هنا تقول إنه "مشروع عائلي قديم".
وأضافت: "أنت تزرع كرمة، وخلال ثلاث سنوات فقط تبدأ بإعطاء ثمارها"، موضحة: "خلال سبع سنوات تبدأ بإنتاج عنب جيد، بما يكفي لصنع نبيذ جيد. وبعد سنوات عديدة، يُنتج العنب الجيد نبيذًا رائعًا".
وبالنسبة لمن لا يرغبون فقط بقضاء يوم لتذوق أفضل ما في جنوب أفريقيا، فإن "Plaisir Estate" تقدم نشاطًا أكثر إبهارًا: مسارات الدراجات الجبلية الخاصة بها، التي تمر عبر سفوح جبال سيموزبيرغ، وتقدم مشاهد لا مثيل لها لقمم من ويسترن كيب.
ومع وجود أكثر من 1300 كيلومتر من المسارات عبر "Cape Winelands"، يمكن للزوار قضاء أشهر بسهولة على دراجة هوائية، وهي فرصة للقيام بشيء يتجاوز الجولات المعتادة لمصانع النبيذ التي تعزز الاقتصاد السياحي هنا.
وتُعتبر كيب تاون بمثابة مكان فريد من نوعه، ولا يمكن العثور عليه في أي مكان آخر في هذا البلد، أو هذه القارة، أو في العالم بأسره.