هل السعودية وجهة آمنة فعلًا لمجتمع الميم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع استمرار المملكة العربية السعودية بسعيها لجذب السياح، يبدو أن السلطات في البلاد تهدف لجذب قطاع خاص ومربح: المسافرون من مجتمع الميم (مجتمع مثلي الجنس).
فقد تم تحديث قسم الأسئلة والأجوبة الخاص بالموقع الإلكتروني لهيئة السياحة السعودية (STA)، وتحديدا للردّ على أحد المستفسرين: "هل مجتمع الميم مرحب بأفراده كزوار في المملكة العربية السعودية"؟ فجاء الجواب على صفحته: "نرحب بالجميع لزيارة المملكة العربية السعودية ولا يُطلب من الوافدين الكشف عن مثل هذه التفاصيل الشخصية".
ولا يُعرف التاريخ الذي حُدثت فيه معلومات الموقع الإلكتروني بالتحديد. ورغم أن متحدث باسم هيئة السياحة السعودية قال إن هذه السياسة كانت مطبّقة في السابق، إلا أن النسخة المؤرشفة من الموقع في 14 مارس/ آذار 2023، وقبل هذا التاريخ، لم تضم السؤال والإجابة على ذات الصفحة.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قد ذكرت أن النشاط الجنسي المثلي جريمة في المملكة العربية السعودية.
ووفقًا لما أشارت إليه منظمة "Human Dignity Trust"، التي تناضل من أجل حقوق المثليين في جميع أنحاء العالم، فأنه يمكن للأشخاص المتحولين جنسيًا أن يواجهوا المحاكمة في السعودية، لافتة إلى "أدلة قوية على تطبيق القانون" و"تقارير متسقة عن التمييز والعنف" ضد أفراد مجتمع الميم.
ويُشكل مسافرو مجتمع الميم سوقًا مربحة، بحسب ما أوضحه دارن بيرن، الرئيس التنفيذي لشركتي "Out Of Office"، وهي خدمة تخطيط سفر فاخرة للمجتمع، و"Travel Gay"، أكبر منصة سفر لمجتمع الميم في العالم.
وقال بيرن لـCNN: "تظهر الأبحاث أنهم ينفقون أموالاً لدى السفر إلى وجهة معينة أكثر ممّا يصرف الشركاء من جنسين مختلفين، ويميلون إلى السفر مرات عدة سنويًا"، مضيفًا أن هذه الفئة الديموغرافية "مثيرة للاهتمام ومربحة للغاية، وتحصد الدول أرباحًا كبيرة عند جذبها إلى ربوعها".
ومع ذلك، وما إذا كان المسافرون من مجتمع الميم سيشعرون بالراحة عند السفر إلى السعودية، فهذه مسألة أخرى. وأشار بيرن إلى أن وجهات مثل جزر المالديف ودبي، حيث تُعتبر المثلية الجنسية جريمة جنائية، تحظى بشعبية، لكن رغم التطمينات من السلطات، فقد يكون الترويج للسعودية كوجهة أصعب.
وتابع بيرن عن السعودية كوجهة سياحية لمجتمع الميم أن "الأمر غامض جدًا، ولا تقدم الضمانات التي تجعلني أشعر بأنني قادر على إرسال عملائنا بأمان إلى هذه الوجهة، لكن أي شيء مذكور على موقع الإنترنت يتعلق بالمسافرين المثليين يمثل نقطة انطلاق جيدة".
وأضاف: "لا يمكنني التفكير بمجلس سياحي شرق أوسطي آخر أتى على ذكرهم حتى، باستثناء قطر في الفترة التي سبقت كأس العالم، وحتى هذا الأمر كان غامضًا، إذ أتى بصيغة أنّ الجميع مرحب بهم".
وعبرّ بيرن عمّا يثير قلقه، متسائلًا: "كيف تبدو الحقيقة في هذه الوجهة؟ هل يسمحون للثنائي من الجنس عينه بتسجيل الوصول إلى الفندق، والحصول على سرير مزدوج من دون أن يتسبب ذلك بمشاكل؟ حدسي يقول إن هذا ليس واقع الأمر".
"اقترح صديقي أن أحصل على هاتف جديد"
وقال أحد المسافرين المثليين الذين زاروا السعودية في رحلة عمل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 - قبل تحديث الموقع - لـCNN إنه شعر بأنه لم يتمكن من الإفصاح عن هويته الجنسية أثناء إقامته.
وقضى المسافر البريطاني - الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه - وقتًا في محافظة العلا، إحدى الوجهات السياحية في السعودية.
وأوضح أن "الأمر كان على ما يرام لمدة أسبوع أو نحو ذلك، لكن بعد ذلك أدركت فجأة أنني عدت إلى عيش حياتي في الخزانة (عدم القدرة على الإفصاح عن الهوية الجنسية) ولم أعد لنفسي الحقيقية.. أكثر بدافع الخوف مما قد يحدث- المجهول- وليس شيء محدّد حصل".
وأضاف أنه تلقى بريدًا إلكترونيًا [من الشركة التي كان يعمل بها] يتضمن ما يجب عليه أن يفعله، قائلًا: "لقد أخبروني بشكل أساسي بحذف أي شيء يتعلق بمجتمع الميم عن هاتفي - جميع الصور، والتطبيقات، والصحف، والمجلات"، ولافتًا إلى أن صديقه وهو مصري الجنسية اقترح عليه أن يحصل على هاتف جديد.
وقال: "أخبرت زملائي المقربين، لكنني لم أتحدث [بشكل عام] عن كوني مثلي الجنس، أو تجربتي السابقة. احتفظت بذلك لنفسي، وفجأة أدركت أنني غير قادر على التحدث عما أتحدث عنه عادة".
ومع ذلك، أشار إلى أن الشعب السعودي يتميز بالودّ والترحيب بالضيوف.
وأوضح أن "السعوديين لديهم انفتاح حقًا على تغيير المواقف، لكنهم لم يتواصلوا حقًا مع العالم الغربي في حياتهم. وما لم تقابل أشخاصًا [من ثقافات أخرى] وتتحدث عن الاختلافات، فلا سبيل للتعلم من ذلك".
واعتبر المسافر البريطاني أن ما يقوله القانون والسلطات مختلف تمامًا عن كيفية تفاعل السكان المحليين معك. وأضاف: "إذا كنت ستذهب إلى هناك وتكون مثليًا بشكل علني، فسأكون قلقًا للغاية - لن أشعر بالراحة للذهاب إلى هناك مع شريك - لكنها دولة تتغير بسرعة كبيرة".
على خطى دبي وقطر
وتركز المملكة العربية السعودية على تعزيز قطاع السياحة فيها، وتستقطب عشاق الآثار إلى منطقة العُلا مثلًا، حيث تُركت أطلالها دون مساس منذ ما يقرب من 2000 عام، وإنشاء مدن جديدة بالكامل لجذب الزوار.
وكان مذيع CNN ريتشارد كويست قد كتب، عن زيارته إلى السعودية في سبتمبر/ أيلول 2022: "لقد رأيت البلدان تتغير من قبل، لكنني لا أعتقد أنني رأيت شيئًا مثل التغيير الذي يحدث في المملكة العربية السعودية. التغيير في السعودية متعمد، وعميق الأثر، ودرامي". كما أشار إلى "تناقضاتها" - بيد أنه بعد زيارته، أُعدم 81 شخصًا بالبلاد في يوم واحد.
وقالت الباحثة في مجال حقوق الإنسان نورا نورالا لـCNN إن المملكة تمشي على خطى قطر ودبي في محاولتها لجذب المسافرين من مجتمع الميم. لكنها حذّرت من أن الأمر قد لا يكون تبعًا لشروط المسافرين.
وأردفت أنه "في دبي يوجد الكثير من المؤثرين المثليين، وطالما أنك تفهم سياق المنطقة الموجود فيها، وتحترم الثقافة التقليدية، ولا تُظهر غرابتك بأي شكل، فأنت على ما يُرام".
كما حذرت من أن ما ينطبق على "السياح الأثرياء" لا ينسحب على الآخرين. ولفتت إلى أن "المقيمين من مثلي الجنس يعرفون جيدًا ما هي الخطوط التي يمكنهم عبورها، ويعود ذلك كله إلى خلفيتك الاقتصادية والاجتماعية"، مشيرة إلى أنهم "يدركون مخاطر هذا النوع من النشاط ويعرفون كيفية القيام بذلك بطريقة سرية. هذه الخطوة الجديدة، موجهة بالأساس للسياح الغربيين".
ورغم شكوكه، إلا أن بيرن يعتقد أنّ السعودية يمكن أن تشكل وجهة صديقة للمثليين.
وأوضح: "نرحب بإجراء اتصالات مع مجلس السياحة والحكومة للتوصل إلى طريقة يمكن للمسافرين فيها من مجتمع الميم السفر حقيقة بطريقة آمنة، ورؤيتهم يضعون المال للترويج لمجتمعات الميم، وإجراء تغييرات على حقوق مجتمع الميم محليًا لجعل السعودية وجهة أصيلة جذابة".
وتابع بيرن: "نعلم جميعًا أن سبب ترحيب الوجهات بالسياح الآن يتم من مبدأ اعتقادهم أن هذا هو مصدر دخلهم المستقبلي، وهذا أمر جيد، لأنه قد يؤدي إلى تغييرات في قانون المساواة إذا كان ذلك مفيدًا للأعمال".
وأضاف أن السفر يمكن أن يؤدي إلى الانفتاح من الجانبين.
وشرح أنه "من دون السفر والسياح الوافدين إلى الدول، لن تتغير الذهنيات أبدًا، طالما أنهم يستطيعون القيام بذلك بأمان، يمكن للمسافرين من مجتمع الميم أن يكسروا الحواجز".
وخلص بيرن إلى أنّ "الوجهات تتغير بالفعل، لكنني لا أعتقد أننا سنرسل العملاء ( إلى السعودية) في أي وقت قريب، حتى نتلقى ضمانات بأنهم سيكونون بأمان، ومرحب بهم، ويتمتعون بالقدرة على تسجيل الوصول".
ومن جهة أخرى أفاد متحدث باسم هيئة السياحة السعودية في بيان: "نرحب بالجميع لزيارة السعودية، بشرط أن يتّبعوا ويحترموا ثقافتنا وتقاليدنا وقوانيننا، كما نفعل عندما نزور أي دولة أخرى في العالم".
وأكدّ أنه "إسوة بالحكومات الأخرى، لا نطرح أسئلة شخصية على الوافدين، ونحترم الحق بالخصوصية".