في تركيا.. لماذا ينتصب حصان طروادة الأسطوري على مقربة من مدينة عصرية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ينتصب حصان خشبي ضخم على المارينا في مدينة جناق-قلعة الساحلية الصغيرة، الواقعة جنوب غرب إسطنبول.
وهذا التمثال ليس إلا مجسمًا لحصان طروادة الأسطوري الشهير. وقد يتعرف البعض على هذا الحصان تحديدًا لأنه شارك في فيلم "طروادة" عام 2004.
وكان منتجو الفيلم تبرّعوا به للمدينة، وثمة سبب لموقعه الذي قد يبدو عشوائيًا. فجناق- قلعة (تلفظ بالتركية تشا نا كول أي) تجاور الموقع الأثري الذي كان سابقًأ مدينة طروادة القديمة، والمعروف بأنه المكان الذي تمّ الإعداد فيه لحرب طروادة في "إلياذة" هوميروس.
وقال سي برايان روز، أستاذ علم الآثار في جامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب "علم الآثار وطروادة اليونانية والرومانية" لـCNN: "أمضيت 25 عامًا أحفر هناك، وكل عام يزيد تقديري أكثر. إنها تختلف نوعًا ما عن المواقع الأخرى".
هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن قربها من طروادة، "Truva" باللغة التركية أو "Troya" أحيانًا، مهم لهوية جناق قلعة، حيث تنتشر التماثيل، والمقاعد، والعلامات، والعناصر الأخرى التي تحمل تأثيرات طروادة في أنحاء المدينة. تتخللها إشارات إلى صراع أحدث ذات أهمية مماثلة للمنطقة: معركة غاليبولي الرهيبة في الحرب العالمية الأولى، التي وقعت في شبه جزيرة غاليبولي التركية، على بعد رحلة قصيرة بالعبّارة عبر مضيق الدردنيل الذي تقع على ضفته جناق - قلعة.
ومدينة جناق-قلعة نفسها تعتبر مكانًا ساحرًا وحيويًا. العبّارات في حركة ذهاب وإياب مستمرة. يستكشف الزوار الشوارع المرصوفة بالحصى في الحي القديم حيث تصطف على جانبيها المتاجر والمطاعم. وتغصّ المقاهي والحانات وأكشاك بيع الكباب بطلاب الجامعة. في ليالي الصيف الدافئة، تباع هذه السلع على كورنيش المارينا تحت أنظار الحصان الخشبي العظيم.
هذه والعديد من المسرات الأخرى تمثل سببًا كافيًا لزيارة المدينة، لكن عامل الجذب الرئيسي فيها يتمثّل بموقع طروادة نفسه، الذي يبعد مسافة 20 دقيقة جنوبًا، خارج قرية هيسارليك.
مدينة أسطورية
تقول الأسطورة، إن حرب طروادة دامت عشر سنوات ودارت بين سكان طروادة واليونان الموكيانية قبل نحو 3000 عام. كان يفترض أن تشنّ شخصيات بارزة الحرب بينهم بريام، وهيكتور، وباريس، من جهة طروادة، ومينيلوس، وأجاممنون، وأخيل، وأوديسيوس من الجهة الأخرى. انتهى الأمر أخيرًا عندما صنع الإغريق، بناءً على نصيحة أوديسيوس، حصانًا خشبيًا عظيمًا، واختبأوا بداخله، ثم انتظروا الطرواديين لإحضاره إلى داخل أسوار المدينة كانتصار. وما أن أدخلوه، حتى خرج الإغريقيون من الحصان ودمروا طروادة.
اليوم عندما تزور طروادة بالسيارة أو بالحافلة الصغيرة من جناق قلعة، يلوح في الأفق نموذج ثانٍ من حصان طروادة عند المدخل. من هناك تشرع في مسار يمر عبر ما تبقى من الجدران الحجرية القديمة وشوارع طروادة التي تم الحفاظ على الكثير منها أو ترميمها بشكل مثير للإعجاب، وتطل عبر الحقول أدناه على مياه بحر إيجه. وإذا كانت الأساطير صحيحة، فقد وقع حصار طروادة في هذا الامتداد بين أسوار المدينة والبحر.
لكن ما مدى صحة الأساطير؟
يشرح روز: "نحن نعلم أنّ حروبًا عديدة دارت في طروادة"، مشيرًا إلى أن "هذه منطقة شهدت حربًا مستمرة مرتبطة بموقعها الجغرافي لأن الجميع أراد الاحتفاظ بالموقع".
موقع رغب الجميع باحتلاله
تقع طروادة في موقع حيوي جيوسياسيًا. فهي تشرف على مدخل مضيق الدردنيل، الذي يربط بحر إيجيه ببحر مرمرة والبحر الأسود. كما أنها كانت تقع على أحد أسهل المعابر البرية الفاصلة بين قارتي أوروبا وآسيا. لذلك، كان هناك منافسة شرسة للسيطرة عليها. كما أنّ صراعًا دار لمدة 2000 عام، امتد إلى أواخر العصر البرونزي (الذي وقعت خلاله حروب طروادة)، إلى الحروب الفارسية، ثم الحروب الصليبية في فترة العصور الوسطى.
لم تكن هذه المقاطعة ساكنة، لكنها شكلت مفترق طرق هام في المنطقة، فزارها الملوك والأباطرة ضمنًا زركسيس والإسكندر الأكبر والإمبراطور الروماني أوغسطس. وبحسب المؤرخ اليوناني الشهير بلوتارخ، قام الإسكندر بالحج إلى معبد أثينا الإغريقي القديم هنا، حيث قدم تضحيات فيما قيل إنه مدفن بطلي هوميروس أخيل وباتروكلس.
وفقًا لروز، في الوقت الذي كتبت فيه الإلياذة لأول مرة في القرن الثامن قبل الميلاد، فإن ما كان في الواقع 200 عام من الحرب بين العديد من المقاتلين الذي حدث على مدار أواخر العصر البرونزي قد تكثف ليصبح حربًا استمرت 10 سنوات مدة تشمل عدوين أساسيين. إذن هناك أساس تاريخي لحرب طروادة؟ يومئ رأسه: "بالتأكيد".
لدينا حتى أدلة على أن العديد من الشخصيات التي شاركت فيها كانت حقيقية.
وتابع روز إن قطعة واحدة فقط من كتابات تروي من العصر البرونزي نجت عبر العصور. تم اكتشاف الألواح الطينية في خاتوشا، العاصمة القريبة للحثيين القدماء، وتذكر "ويلوسا" كلمتهم التي تعني "إيليوس"، والتي كانت بدورها الكلمة اليونانية التي "تروي، وتناقش العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع اليونانيين الميسينيين. حتى أن هناك إشارات إلى أتروس (والد أجاممنون)، وباريس الذي يفترض أنه أشعل حرب طروادة مع اختطاف أجمل امرأة في العالم، هيلين، وشخصيات أخرى من الإلياذة.
يسمي روز الألواح ، "كتاب تاريخ لما حدث في غرب آسيا الصغرى بين الإغريق والحثيين".
في طروادة، استخدم روز وفريقه التصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن الملامح الرئيسية للمدينة، ضمنًا زوجًا من الأنظمة الدفاعية التي جادل البعض بأن هوميروس أشار إليها مباشرة. ومع ذلك، يصعب التحقق من ذلك.
كما أوضح أنّ ما نسميه اليوم طروادة هو في الواقع موقع متعدد الفترات مع 10 عهدود مختلفة من الاحتلال، واحدة تلو الأخرى، خلال مرحلة 4500 عام. على مدى آلاف السنين، كانت مكانًا للعديد من الشعوب والأسماء.
على خطى أخيل
بغض النظر عن الجداول الزمنية المبهمة والمصداقية المشكوك فيها عندما يتعلق الأمر ببعض التفاصيل، فإن زيارتها تشكل تجربة العمر لعشاق ملحمة هوميروس. يمكنك أن تعاين من جدرانها فوق الأرض حيث، بحسب الأسطورة، خاض أخليل معركة مع هكتور وأوديسوس الذي قام بحبك حيلة الحصان. أنت تمشي على الحجارة التي ربما داسها بعض أعظم أبطال الأسطورة: أغاممنون، وبريام، وهيلين، وكاساندرا، وباريس، ونستور. وهنا غُرِسَت جذور كل الأدب الغربي تقريبًا.
لكن ليس عليك أن تكون طالبًا في الكلاسيكيات لتستمتع بطروادة. الآثار نفسها مثيرة للإعجاب، والتنظيم الجيد، ويمكنك أن تشعر بوجود التاريخ طوال الوقت.
إلى ذلك، فهي تفتقر إلى السياح الذين يصادفهم المرء عادة في المواقع التاريخية ذات الأهمية الكبيرة. هنا يمكنك استكشاف واحدة من النقاط الساخنة الهامة للتاريخ بسلام.