حصن جبل سان-ميشال الشامخ وسط المحيط الأطلسي.. بلغ عامه الألف

نشر
7 دقائق قراءة
جبل سان-ميشال كما بدا من منطقة النورماندي. Credit: JOEL SAGET/AFP via Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل 1000 عام تحديدًا، في مثل هذا الشهر، بدأ تشييد دير القديس ميخائيل، رئيس الملائكة، على جزيرة صغيرة رائع قبالة سواحل فرنسا، حيث ينتصب هذا المعلم الشهير على نحو غير متوقع، وسط تدافع أمواج المحيط الأطلسي، وبات رمزًا دائمًا لشجاعة الوطن.

محتوى إعلاني

والدير الذي يعود بناؤه إلى القرون الوسطى يشرف على حص جبل القديس ميشال (Mont Saint-Michel) المؤلف من سلسلة من الجدران والدعامات المنحدرة من برج مركزي شاهق، شكّل منشأة مذهلة لعبت أدوارًا رئيسية في التاريخ الفرنسي على مر القرون.

محتوى إعلاني

واليوم، مع مرور ألف عام على بداية أعمال بنائه، يعتبر هذا الصرح أحد المعالم السياحية الأكثر شهرة خارج حدود العاصمة الفرنسية. ويشهد إقبالًا كبيرًا حدّ أن القيّمين عليه لم يتوانوا في بعض المراحل عن تشجيع الناس على عدم المجيء.

واستقطب الدير، الذي يقع قبالة ساحل منطقة النورماندي الفرنسية، غرب باريس، جحافل من الحجاج على مر القرون. ويستقطب اليوم، 1.3 مليون سائح سنويًا.

وغرّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على موقعه الرسمي على تويتر، إثر زيارة رسمية قام بها للموقع، كالتالي: "خلال 1000 عام، أصبحت صورته الظلية رمزًا للعالمية الفرنسية. وديره يرمز إلى ما نحن عليه: شعب من البناة".

للاحتفال بألفية الدير، ينظم مون سان-ميشال حفلات موسيقية، ومؤتمرات، وعرضًا مرئيًا عُنوانه "Millennium Solstice" (ألفية انقلاب الشمس) في 23 يونيو/ حزيران، يتضمّن عرضًا ضوئيًا غير مسبوق. ويمكن للزوار أيضًا الاستمتاع بمعرض يتناول تاريخه، وهندسته المعمارية يستمر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

شاهد على التاريخ

Credit: DAMIEN MEYER/AFP via Getty Images

ينتصب وسط خليج يمتد بين منطقتي النورماندي وبريتاني الفرنسيتين، وتحيط به الرمال المتحركة، وتطل أبراج دير مونت سان-ميشيل القوطية على القرية وجدران الحصن السميكة.

عندما تتدفق المياه مع حركة المد، يبدو مون سان-ميشال وكأنه ينبثق من المحيط مثل أتلانتس الفرنسي، وهو أعجوبة معمارية تتموضع وسط مناظر طبيعية جميلة. وبات أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1979.

مع تدفق حركة المد يبدو جبل سان-ميشال وكأنه ينبثق من مياه المحيط الأطلسي. Credit: DAMIEN MEYER/AFP via Getty Images

علق الرئيس ماكرون في خطابه بمناسبة الاحتفال بألفية الدير على أنه "زواج بين العبقرية البشرية والطبيعة".

يعود تاريخ مون سان-ميشال، الملقب بـ"عجيبة العالم الغربي"، إلى عام 709 عندما شُيّد مزار على الصخرة تكريمًا للقديس ميخائيل رئيس الملائكة. وأصبح موقعًا مقدسًا استمر في التطوّر منذ القرن الحادي عشر إلى القرن السادس عشر.

شهد الدير لحظات مهمة في التاريخ الفرنسي، لا سيما أنه أصبح حصنًا خلال حرب المائة عام في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، ونجا من حصار البريطانيين له مدة 30 عامًا.

كما أصبح سجنًا خلال الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. فبحلول عام 1863، قضى 14 ألف سجين وقتًا في "باستيل البحار"، حيث جعلت حركة المد والجزر والرمال المتحركة الهروب منه مستحيلًا. وعوض الحجاج تردّدت عائلات الأسرى على أزقة القرية.

Credit: LOU BENOIST/AFP via Getty Images

خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، أصبح هذا المعلم تدريجياً نقطة الجذب السياحي في أنحاء العالم. وأحد معالمه الشهيرة هو نزل La Mère Poulard الشهير، الذي سEمي على اسم مؤسسته، الطاهية الرائعة أنيت بولار التي تستضيف الزوار منذ عام 1888.

وفي عام 1944، جلس المؤلف إرنست همنغواي، الذي كان مراسلًا حربيًا في تلك الفترة، على طاولة La Mère Poulard ليصف مآثر عمليات الإنزال D-day، ضمنًا إحدى المعارك الحاسمة لتحرير فرنسا وأوروبا التي وقعت على بعد كيلومترات قليلة من مون سان-ميشال، بالقرب من بلدة أفرانش المدمرة بالكامل.

مخاوف السياحة المفرطة

Credit: GUILLAUME SOUVANT/AFP via Getty Images

لطالما حظي مون سان-ميشال بشعبية كبيرة، حيث اجتذب ملايين الحجاج عبر التاريخ. وقال توماس فيلتر، العضو المنتدب لمؤسسة مون سان-ميشال الوطنية العامة لـCNN: "لقد كان أكبر موقع للحج في الغرب، منذ قرون، قبل سانتياغو دي كومبوستيلا".

راهنًا، يزور الموقع حوالي 3 ملايين شخص سنويًا، وتسجل عطلات نهاية الأسبوع ازدحامًا أكبر من المعتاد. إذ شهدت عطلة نهاية الأسبوع خلال شهر مايو/ أيار زوارًا بين الساعة 11 صباحًا و3 مساءً. وهو رقم نبّه المسؤولين، ذلك أنهم يتوقّعون هذا الأمر في ذروة الصيف فقط.

وقال فيلتر لـCNN: "بعنا 10500 تذكرة في الدير، وهو رقم قياسي". وتابع: "عطلة نهاية أسبوع الصعود عادة ما تكون مزدحمة للغاية لكن في هذه الحالة، كان هناك الكثير من الناس في الوقت عينه".

في المجمل، كان هناك حوالي 33 ألف شخص في الموقع، وهو ليس رقمًا قياسيًا في حد ذاته، لكن ما زال كثيرًا بالنسبة لهذا الصرح. فنحن نتوقع عادةً هذا العدد من السياح في أغسطس/ آب، لأنه يشكل ذروة الموسم.

وأوضح فيلتر لـCNN: "الزائر هو الذي يعاني في المقام الأول لأن زيارة مون سان-ميشال باتت أقل راحة". ولفت إلى أنه "منذ كوفيد، كان السيّاح أقل تسامحًا مع الأيام المزدحمة مثل هذه لأنهم كانوا قادرين على تذوق متعة زيارة المواقع التي بالكاد يوجد فيها زائر".

مع احتفالات الألفية، تشير الأرقام الأولية لعام 2023، إلى أن مون سان-ميشال سيبقى منطقة جذب سياحي شهيرة للغاية، ما يطرح بعض المشاكل لسكانه الاثني عشر، والمتاجر، ومناظره الطبيعية.

وأشار فيلتر إلى "أنني لا أعتقد أنه أمر جيد لأصحاب المتاجر وأصحاب الفنادق والمطاعم، لأنهم ببساطة لا يستطيعون مواكبة طلبات العملاء. تبلغ مساحة مون سان-ميشال كيلومترًا مربعًا وفيه شارع واحد للتسوق. وقال فيلتر: "عندما تضع أكثر من 5000 شخص في وقت محدد في الشارع، لا أعتقد أنه سيكون أمرًا ممتعًا للغاية".

وفي محاولة لتعزيز الاستدامة، تعمل الحافلات التي تربط الموقع بالوقود الحيوي عوض الديزل. وفي الوقت عينه، يتم حث الزوار على استكشاف منطقة الخليج الأوسع خلال الذروة بين الساعة 11 صباحًا حتى الساعة 3 بعد الظهر، والإفادة من مواقف السيارات المجانية بعد الساعة 6:30 مساءً.

ودعا فيلتر للإفادة "من الطبيعة وجولات القوارب التي أعددناها، على سبيل المثال"، موضحًا أن هناك "فقمات وثعابين وسمك السلمون الأطلسي". ولفت إلى أن "ما يُنسى غالبًا وجود أكبر مستعمرة للدلافين في أوروبا، لذا فهي أيضًا فرصة لاكتشاف مون سان-ميشال على نحو مختلف".

نشر
محتوى إعلاني