العلماء يتحدون لإنقاذ "قلب" أوروبا "الأزرق".. كيف؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يشق نهر نيريتفا طريقه عبر غابة البوسنة والهرسك التي يصعب اختراقها. بلونه الأزرق الساحر المائل للخضرة، يمتد لمسافة 225 كيلومترًا من أعماق جبال الألب الدينارية إلى البحر الأدرياتيكي، حيث يختفي في بعض النقاط داخل القنوات الجوفية، قبل أن يعود للظهور في الينابيع الفقاعية.
إنه أحد أبرد الأنهار في العالم، ويشكّل موطنًا لنظم بيئية فريدة، والعديد من الأنواع النادرة، من الضفادع صفراء البطن، إلى السمندل الأعمى الذي يعيش في شبكة الكهوف النهرية.
لكن هذا الواقع قد يتغيّر.
وإسوة بالعديد من الأنهار في جميع أنحاء العالم، يُعتبر النهر مهددًا بالسدود.
وبحسب مركز البيئة، وهو منظمة بوسنية تهدف لتحسين البيئة، تم اقتراح أكثر من 50 مشروعًا للطاقة الكهرومائية على طول النهر وروافده، على أن يتمركز نصف هذه المشاريع المخطط لها في الروافد العليا التي بقيت حتى الآن خالية من العوائق.
لكن هذه السدود قد تُضر ليس بالنهر وسكانه فحسب، بل البيئة الأوسع أيضًا التي تعتمد على هذا الممر المائي الفريد.
وفي قرية Ulog على ضفاف نهر نيريتفا، يمكنك رؤية الدمار المحتمل بشكل مباشر.
هناك محطة للطاقة الكهرومائية بقدرة 35 ميغاوات مع سد عال يبلغ ارتفاعه 53 مترًا في مراحل متقدمة من البناء: الأشجار المقطوعة تصطف على ضفة النهر، ما يفسح المجال لما سيصبح سدًّا، تحدث ندوبًا في المناظر الطبيعية المغطاة بالغابات.
هنا، فقط قرب موقع البناء، اجتمع أكثر من 60 عالمًا من 17 دولة في يونيو/ حزيران الماضي في "أسبوع نيريتفا للعلوم"، وسافر معظمهم إلى هناك كمتطوعين بتمويل ذاتي، يجمعهم هدف مشترك: إنقاذ نهر نيريتفا.
من جانبه، قال أولريش إيشلمان، الرئيس التنفيذي لشركة Riverwatch ومنسق حملة Save the Blue Heart of Europe "إنقاذ القلب الأزرق لأوروبا" لحماية أنهار البلقان: "إنهم يريدون مساعدتنا في إنقاذ هذا النهر الرائع".
وتابع: "يحتمل أنه أحد أكثر الأنهار تنوعًا بيولوجيًا وقيمة في أوروبا، وفي الوقت نفسه، هو الأكثر تهديدًا".
وفقًا لمشروع بحثي تابع للاتحاد الأوروبي، يوجد في أوروبا أكثر مشاهد للسدود النهرية في العالم، مع أكثر من مليون حاجز، من سدود إلى أعبار وبرابخ.
وقد أثر ذلك على الحياة البرية، حيث أصبح نوع واحد من كل ثلاثة أنواع من أسماك المياه العذبة مهددًا بالانقراض.
لكن نيريتفا نجح في البقاء سالمًا نسبيًا، ما أدّى إلى تعزيز نظام بيئي صحي، ضمنًا ما يعتقد العلماء أنه يمكن أن يكون واحدًا من مناطق التفريخ الأخيرة لسمك السلمون المرقط المهدّد بالانقراض.
هذه السمكة ذات اللون البني غير اللافت للنظر هي التي جلبت كورت بينتر، عالم بيئة المياه العذبة، من فيينا بالنمسا على متن عربة تخييم برتقالية خاصة به لدراسة النهر.
وباستخدام تقنيات مثل الصيد الكهربائي، وهي عملية تنشئ مجالًا كهربائيًا في الماء لجذب الأسماك نحو شبكة، وعينات الحمض النووي البيئية، يأمل بالعثور على دليل حول الأنواع التي تعيش وتتكاثر في الجزء العلوي من نهر نيريتفا وروافده، ما يوفر سلاحًا رادعًا ضد مشاريع الطاقة الكهرومائية المقترحة.
وأوضح بينتر أن السدود وجميع أشكال وأحجام مشاريع الطاقة الكهرومائية يمكن أن تعرض أنواع الأسماك للخطر لأنها تمنع هجرتها أو تعرقلها. وفي نظام الأنهار الطبيعية، تتكاثر الأسماك عادة في مناطق المنبع وتتغذى وتتزاوج في اتجاه مجرى النهر.
وتابع: "هذا النظام المفتوح مهم حقًا لهجرة الأسماك إلى المناطق التي تحقق فيها تكاثرا عاليًا للغاية".
من شأن السدود المقترحة على طول مجرى نهر نيريتفا أن تعطل دورة تكاثر نوع أسماك التراوت رخو الفم، ويخشى أن تدفع الأنواع المهددة بالفعل إلى الانقراض.
في حين أن فقدان نوع واحد يُعد مدمرا، فإن التأثير لا يتوقف عند هذا الحد. يقول بينتر: "إذا أخذت الأسماك من هذا النهر، فسوف تتأثر البيئة المحيطة، والأنواع البرية المحيطة".
وخلال أسبوع نيريتفا للعلوم، لم يقتصر القلق على خبراء الأسماك، إذ كان هناك متخصصون يدرسون الخفافيش، والفطريات، والفراشات والدببة وغيرها. ويعتقد جميعهم أن مشاريع الطاقة الكهرومائية قد يكون لها عواقب وخيمة على مجموعة الأنواع التي يدرسونها.
يقول إيشلمان: "كل شيء مرتبط"، موضحًا أن الطمي الناتج عن البناء يتراكم على قاع النهر، ويقتل الكائنات الصغيرة مثل بلح البحر الذي يقوم بترشيح المياه وتنظيفها.
يقول المطورون أن هذه المشاريع يمكن أن توفر الدخل والوظائف.
وفي حديث مع CNN، أشار متحدث باسم EFT Group، شركة تجارة الطاقة والاستثمار التي تقود تطوير الطاقة الكهرومائية في قرية Ulog، إلى أن الشركات والعاملين المحليين سيم الاستفادة منهم في كل من بناء وتشغيل المحطة.
وأضاف أنه تم إعداد تقييم الأثر البيئي ومراجعته واعتماده وفقًا للوائح المعمول بها.
وتؤكد حملة Save the Blue Heart of Europe إن هدفها ليس حظر الطاقة الكهرومائية بشكل كامل، لكن ضمان اتباعها لمقاربة تخطيط صارم يعطي الأولوية للحفاظ على الطبيعة.
كما أنها ترغب بتنفيذ مناطق محظورة في مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية.
يمكن أن يؤدي الحفاظ على نهر يتدفق بحرية إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال تطوير الأنشطة السياحية مثل التجديف والصيد والرحلات.
في الآونة الأخيرة ، تم إنهاء عقود 15 محطة صغيرة للطاقة الكهرومائية المخطط لها في Neretvica، أحد روافد نيريتفا، وفي عام 2022، حصلت الحملة على دعم اتفاقية برن، وهي اتفاقية دولية لحماية الحيوانات والنباتات الأوروبية.
في الوقت الحالي، يجري التيار معهم، لكن إيشلمان يأمل بإمكانية استمرار ذلك عبر منطقة البلقان بأكملها.
ويضيف: "نسميه القلب الأزرق لأنه آخر منطقة نملك فيها مثل هذه الجوهرة. إنها هدية لأوروبا، وللأرض، هذه الأنهار نجت من عقود من الدمار".
ويتابع: "لدينا فرصة واحدة للحفاظ على هذا القلب الأزرق ينبض".