يرون الجمال والبهجة عند زيارة الموتى.. من هم "سياح شواهد القبور"؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قضت مؤرخة الأفلام، كاري بايبل، مرحلة طفولتها بأكملها تقريبًا في العيش بجوار مقبرة إلى أن غادرت للالتحاق بالجامعة.
كان هذا هو المكان الذي ركبت فيه بايبل دراجتها، ولعبت فيه مع شقيقها، ومرت به كل يوم تقريبًا.
وفي حين تبادل أطفال آخرون قصصًا مخيفة عن المقابر، أو أقسموا على أنّها مسكونة، إلا أنّ بايبل، وهي من تكساس، كانت مقتنعة بقيمتها.
وقالت بايبل لـCNN: "كان التواجد بجوار المقبرة أمراً طبيعياً بالنسبة لي"، وأكّدت: "لطالما اعتقدت أنّها جميلة للغاية".
وبعد أعوام من انتقالها إلى لوس أنجلوس كشخصٍ بالغ، انتهى المطاف بها في واحدة من أشهر مقابر أمريكا، وهي "هوليوود للأبد" (Hollywood Forever)، التي تحتفي بهوليوود القديمة والأشخاص الذين بنوها.
ووجدت بايبل عددًا لا يُحصى من القصص لترويها، وكان ذلك منذ أكثر من 20 عامًا.
وأصبحت بايبل المرشدة السياحية الرسمية للمقبرة منذ ذلك الحين، حيث قادت الزوار في رحلات شهرية عبر المكان لزيارة الأضرحة المصنوعة بإتقان، وشواهد القبور المتواضعة، ومختلف التكريمات المخصصة لكبار النجوم.
وقالت بايبل لـCNN: "أنا أحب هؤلاء الأشخاص، ويسعدني للغاية إبقاء ذكرياتهم حية، وجعل تراثهم مستمرًا".
وتقضي بايبل أيامها مع "سياح شواهد القبور"، وهم عشاق المقابر الذين يسافرون عبر البلاد والعالم إلى مقابر مهمة للتواصل مع المدفونين هناك، والاستمتاع بالتاريخ.
وشبّه المؤسس والمدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياحة المظلمة في جامعة "سنترال لانكشاير" في المملكة المتحدة، فيليب ستون، سياحة شواهد القبور بـ"زيارة قصور الموتى".
وليست المقابر وجهات سياحية تقليدية، لكنها أصبحت محطات أساسية لمحبي التاريخ، والجماليات، والزوار الفضوليين الذين يتطلعون إلى معرفة المزيد عن المجتمع الذي يزورونه.
ويشجع "سياح شواهد القبور" المزيد من الأشخاص بالتفكير بالجمال المرعب للمقابر.
قالت جوي نيبورز، وهي كاتبة تسلط الضوء على هوسها بالمقابر في مدونة تُدعى A Grave Interest: "بالنسبة لي، تشبه المقابر المتاحف الفنية".
غنية بالتاريخ
وأشارت الأستاذة المشاركة في قسم الضيافة بجامعة "جورج ماسون"، سو سلوكوم، إلى أنّ الأشخاص غالبًا ما يزورون المقابر للتواصل مع الماضي، ولاستكشاف اهتمامهم بالموت، والحياة الآخرة.
وأضافت أنّ سياحة المقابر تُعتبر أحد أشكال "السياحة المظلمة"، أو رحلات السفر التي تتضمن زيارة المواقع المرتبطة بالموت.
وبالنسبة لعشاق التاريخ، تُعتبر المقابر مصادر غنية.
وقالت نيبورز إنّ شواهد القبور بحد ذاتها تُعد آثارًا للماضي، والأشخاص المدفونين أسفلها.
وتسرد تصاميمها قصصًا عن العصر الذي صُنِعت فيه.
وإذا كانت متقنة الصنع ومحفوظة جيدًا على سبيل المثال، فقد تنتمي لأحد أفراد المجتمع الأثرياء المعروفين.
والرموز الموجودة على شواهد القبور تسرد قصصًا أيضًا، ففي القرنين الـ19، والـ20، كان من الشائع تزيين شواهد القبور برموز للديانة أو المجموعة التي انتمى إليها الشخص المدفون.
وأكّدت بايبل: "تتمتع المقابر بشخصيات نوعًا ما"، وشرحت: "تمتلك جميعها مجموعتها الخاصة من التاريخ، والأنماط، ولا توفّر أي منها التجربة ذاتها".
المقابر أكثر ترحيبًا مما تبدو
وشهدت بايبل نصيبها من ضيوف المقابر الجامحين، وقالت: "هناك سبب وراء وجود رفوف مخصصة لتخزين الدراجات حول (قبر) جيم موريسون"، مشيرةً إلى الحواجز المحيطة بشاهد قبر عضو فرقة The Doors في مقبرة "بير لاشيز" بباريس.
ومع ذلك، فهي تتعاطف مع من يكون اهتمامهم بالمقابر معقدًا.
وفي بعض الأحيان، يمكن لزيارة مقبرة إحياء ذكريات مؤلمة، بحسب ما ذكرته.
وغالبًا ما تُعتبر المقابر أماكن خاصة للتوقير بهدوء، بدلاً من كونها وجهات للسياحة أو الترفيه.
وأفادت سلوكوم بأنّ الحفاظ على جو من الجدية في المقابر "مفهوم أمريكي للغاية".
وقالت نيبورز إنّ زيارة المقابر للاستمتاع بها فحسب اعتُبِرت "تدنيسًا" تقريبًا.
ومع ذلك، إلا أنّ المقابر التاريخية في جميع أنحاء البلاد والعالم تشجع الزوار على نحو متزايد بالقيام بجولة فيها، والتعرف على قصص الأشخاص المدفونين هناك. ولاحظت نيبورز أنّ العائلات، وممارسي رياضة الركض، وحتّى الموسيقيين بدأوا في قضاء الوقت بانتظام في مقبرتها المحلية، وكان هذا الأمر نادرًا قبل 10 أعوام.
وأصبحت بعض المقابر، مثل "مقبرة أوكلاند" في أتلانتا، مراكز مجتمعية حيث يمشي فيها الأشخاص مع كلابهم، أو يقومون بنزهة، بدلاً من كونها وجهات جاذبة للسياح فقط.
وأكّدت نيبورز: "بدأ الأشخاص يدركون أنّ هذا موقع رائع يمكننا استخدامه لأشياء أكثر من مجرد زيارة الموتى".