كانت أضحية بشرية..الكشف عن وجه "عذراء الجليد" التي دفنت قبل 500 عام بجبال الأنديز في بيرو
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل خمسمائة عام، تم التضحية بفتاة مراهقة كانت جزءًا من ثقافة الإنكا ودُفنت بالقرب من قمة أمباتو، وهو بركان خامد في جبال الأنديز.
منذ اكتشاف بقاياها المجمدة المحفوظة جيدًا بشكل لا يصدق في عام 1995، أصبحت معروفة بأسماء عديدة - "عذراء الجليد" و"خوانيتا" و"سيدة أمباتو" - ولكن لم يُعرف سوى القليل عن هويتها الحقيقية.
الآن، تعاون الفنان السويدي أوسكار نيلسون وفريق من الباحثين من مركز دراسات الأنديز بجامعة وارسو والجامعة الكاثوليكية في سانتا ماريا لإنشاء عملية إعادة بناء ثلاثية الأبعاد لوجه خوانيتا.
تعد عملية إعادة البناء، التي كُشف عنها في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جزءًا من معرض في متحف محميات الأنديز في بيرو بعنوان “Capacocha, following the Inca Divinities” (كاباكوشا، ما بعد آلهة الإنكا).
ويتضمن المعرض أحدث الأبحاث حول خوانيتا وحياتها، بالإضافة إلى النتائج التي توصلت إليها مومياوات الإنكا الأخرى التي اُكتشفت على طول قمم جبال الأنديز البيروفية.
وقالت أمينة المعرض الدكتورة داجمارا سوشا، وهي أيضا عالمة الآثار الحيوية لدى مركز دراسات الأنديز بجامعة وارسو: "لسنوات عديدة، تم التعامل مع المومياوات كقطع عرض في المتحف".
وتابعت: "من خلال إجراء البحث العلمي وعملية إعادة بناء الوجه، نريد استعادة هويتهم، وتسمح لنا عملية إعادة البناء الجيدة بإظهار الأشخاص الذين كانوا وراء القصة التي نريد أن نرويها".
العثور على خوانيتا
امتدت إمبراطورية الإنكا، التي استمرت من حوالي 1200 إلى 1533، لمسافة 4023 كيلومترًا عبر ما يعرف الآن ببيرو وتشيلي.
وأوضحت سوشا أن إحدى طقوس الإنكا الأكثر أهمية كانت طقوس الكاباكوشا، والتي تضمنت التضحية البشرية مع قرابين تشتمل على سلع مرموقة، مثل السيراميك، والمعادن الثمينة، والمنسوجات، والأصداف البحرية.
وقال الباحثون إن هذه الطقوس نفّذت لاسترضاء الآلهة والأماكن المقدسة وحماية المجتمع من الكوارث، مثل الجفاف، والانفجارات البركانية، والزلازل. وكانت قمم جبال الأنديز تعتبر أماكن مقدسة، وكان يتم اختيار الأطفال والمراهقات، باعتبار جمالهن وطهارتهن، ليتم التضحية بهم في هذه الطقوس. كان يُعتقد أن تضحياتهم تجلب الشرف لوالديهم وحياة الآخرة من النعيم.
بمجرد التضحية بهم، كان الأطفال والمراهقات يعتبرون "وسطاء" بين البشر والآلهة. وقال الباحثون إنه من المعتقد أن الأطفال قد اجتمعوا مع أسلافهم، الذين كان يعتقد أنهم يراقبون عملية التضحية من قمم جبال الأنديز الشاهقة.
قام الدكتور يوهان رينهارد ومساعده ميغيل زاراتي باكتشاف جثة خوانيتا خلال تسلقهما قمة أمباتو في سبتمبر/ أيلول عام 1995.
ولدى بلوغهما القمة، على ارتفاع 6،312 مترًا فوق مستوى سطح البحر، اكتشفا أن جزءًا من سلسلة التلال قد انهار، ما كشف موقع دفن الإنكا.
اكتشف راينهارد وزاراتي حزمة من القماش، وعند رفعها، وجدا أنفسهما وجها لوجه مع "عذراء الجليد"، قام الثنائي بإحضار خوانيتا إلى أسفل الجبل، والاحتفاظ بها حتى يومنا هذا داخل غرفة بدرجة حرارة 20 درجة مئوية تحت الصفر في متحف محميات الأنديز التابع لجامعة سانتا ماريا الكاثوليكية، حيث يمكن لرواد المتحف رؤيتها معروضة.
كشفت الدراسات أن خوانيتا كانت فتاة تتمتع بصحة جيدة يتراوح عمرها بين 13 و15 عامًا عندما توفيت متأثرة بضربة على الرأس.
ودُفنت خوانيتا بملابس احتفالية، إلى جانب أغراض خزفية، وتماثيل نسائية مصنوعة من الذهب والفضة، وبعض الطعام، وأكياس منسوجة، وأواني فخارية مزينة بأشكال هندسية، ولا تزال قيد الدراسة.
في عام 2018، بدأت سوشا وفريق من علماء الآثار والعلماء مشروعًا مدته خمس سنوات للبحث حول بقايا خوانيتا بالإضافة إلى البقايا والأغراض الأخرى الموجودة عند براكين أمباتو، وميستي، وبيتشو بيتشو المغطاة بالثلوج.
وأثناء عملهم، اكتشف الفريق أن بعض الأطفال والنساء كانوا يمضغون أوراق الكوكا ويشربون "الآياهواسكا"، وهو مشروب مهلوس، خلال الأسابيع التي سبقت وفاتهم. تشير النتائج إلى أن النباتات المهلوسة والمنشطات العقلية ربما استخدمت لتقليل القلق قبل التضحية البشرية.
وأجرى الفريق فحوصات مقطعية لخوانيتا في مارس/ آذار عام 2022 واستخدمت النتائج لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لجمجمتها يمكن لنيلسون استخدامه لتوجيه عملية إعادة البناء.
وتم استخدام فحوصات التصوير المقطعي لجسدها وجمجمتها، بالإضافة إلى البحث عن عمرها وبشرتها وخصائصها الأخرى، لإنشاء صور رقمية لها. وقام نيلسون باستخدام علامات عمق الأنسجة بناءً على قياسات جمجمتها لتصور نسب وجهها، والتي تشمل عظام الخد.
استغرقت عملية إعادة وجه خوانيتا إلى الحياة نصف عام، وقضى نيلسون 400 ساعة في العمل على النموذج.
اشتهر نيلسون بعمله في إعادة تشكيل الوجوه من الماضي، واستخدم تقنية إعادة البناء التي اعتمدت على مجموعة متنوعة من التحليلات العلمية لجعل خوانيتا تبدو واقعية قدر الإمكان.
وقال نيلسون: "إنها مهمة رائعة، ولكنني أشعر أيضًا بقدر كبير من المسؤولية لجعل عملية إعادة البناء دقيقة قدر الإمكان".
وتابع: "أتمنى أن تتمكنوا من مقابلة شخصية من الماضي وأن تخلقوا رابطًا عاطفيًا مع التاريخ ومع قصتها الفريدة والرائعة".
أما عن غطاء الرأس والشال الذي كانت ترتديه، فتم صبغتهما بشكل طبيعي وصنعا من صوف الألبكة بواسطة مركز المنسوجات التقليدية في تشينتشيرو وكوسكو في بيرو.
ويمكن لزوار المعرض التعرف على نتائج البحث، والاطلاع على القطع الأثرية من المدافن وحمل نسخ طبق الأصل منها، كما يمكنهم أيضًا السير على خطى خوانيتا من كوسكو، عاصمة إمبراطورية الإنكا، عبر المزارع أو حيث كانت القافلة تستريح قبل التضحية، وعلى طول الطريق حتى القمم.
وقال سوشا: "باستخدام نظارات (الواقع الافتراضي)، يمكن للزوار القيام برحلة افتراضية على خطى كاباكوشا، متتبعين بقايا طرق الإنكا على منحدرات تشاتشاني، وميستي، وبيشو بيتشو".
بالنسبة للباحثين الذين أمضوا سنوات في دراسة خوانيتا، كانت العملية الشاقة لإعادتها إلى الحياة تستحق العناء.