مرايا مذهلة تظهر في صحراء قطر.. ما سرّها؟

نشر
6 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تُعد الصحراء القطرية موطنًا للكثبان الرملية المتموجة ومنحدرات الحجر الجيري المثيرة، ومؤخرًا أضحت موطنًا لتركيبات فنية تبدو كأنها من عالم آخر.

وعلى بعد حوالي ساعة بالسيارة شمال المنحوتات المتجانسة الضخمة التي قام الفنان الأمريكي ريتشارد سيرا بتركيبها، تفسح التكوينات الصخرية والنباتات الصحراوية المنتشرة في المناظر الطبيعية النائية المجال أمام مجموعة من الهياكل الملتوية المذهلة.

هذه الحلقات القائمة بذاتها والمرايا الزجاجية الفضية هي من أنامل أولافور إلياسون، وهو فنان أيسلندي دنماركي معروف باستكشافه لعلاقة الإنسانية بالطبيعة.

يستخدم العمل الفني المرايا لابتكار منظور جديد في جزء من البلاد قد يبدو قاحلاً ومهجوراCredit: Dimitris Sideridis

وتم تركيب العمل الفني الذي يحمل عنوان "سفر الظلال في بحر النهار" عام 2022 في شمال غرب قطر. ويتكون من 20 سطحًا دائريًا، وثلاث حلقات منفردة وحلقتين مزدوجتين، موضوعة بحسب محاور نمط متماثل خماسي.

وعن قرب، تبدو الأشكال الهندسية متناغمة مع الأفق اللامتناهي.

وتمزج أسقف المرآة بشكل مرح الحدود بين الأرض الرملية والسماء الشاسعة، بينما يبتكر تفاعل ضوء الشمس مع الظلال المتدفقة عبر العمل الفني صورًا بانورامية متغيرة باستمرار.

اندهش إلياسون من أوجه التشابه بين صحراء قطر وبراري أيسلندا.Credit: Dimitris Sideridis

وأوضح إلياسون، الذي يتخذ من مدينتي كوبنهاجن وبرلين مقرا له، أنه انجذب إلى هذه الزاوية النائية في قطر بسبب التشابه المفاجئ بينها وبين تضاريس موطن عائلته الذي تعصف به الرياح في شمال المحيط الأطلسي.

ورغم مظهر الصحراء القاحلة، إلا أن إلياسون أعرب عن اندهاشه لما اكتشفه هناك، وقال لـ CNN: "عندما زرت قطر لأول مرة، أذهلني أنها لا تختلف إلى حد ما عن أيسلندا، التي أعرفها جيداً. إنها تحتوي على هذه المناظر الطبيعية الشاسعة التي تبدو كأنها على أطراف المنطقة الصالحة للسكن".

وتابع: "وبعد استكشافها بشكل وثيق، فإنها تعج بالحياة، ولكن بالنسبة للمُشاهد غير المطّلع، يمكن أن تبدو الصحراء فارغة ومتجانسة".

يقول إلياسون إن عمله يهدف إلى مساعدتنا في الانفصال عن تصورنا القياسي للوقتCredit: Dimitris Sideridis

وأشار الفنان الأيسلندي الدنماركي إلى أن عمله الفني الذي يوثّق الأنماط المتكررة للأنهار والكهوف وملاجئ المشي لمسافات طويلة في أيسلندا منحه منظوراً عن قطر أبعده عن ناطحات السحاب الجديدة اللامعة في عاصمتها الدوحة.

وقال إلياسون: "شعرت بالانجذاب الشديد نحو المشهد القطري ونظرت إلى البلاد من خلال عدسات مختلفة، أي التاريخ البيئي والجيولوجي للأرض، الذي يَبرز في تناقض صارخ مع المشاريع المعمارية الجديدة الهائلة". 

وأضاف:"أنا مفتون بهذه التناقضات".

يشير إلياسون إلى أن اختيار موقع عمله في زاوية نائية من قطر كان متعمدا للغايةCredit: Dimitris Sideridis

ورغم أن إلياسون معروف بأعماله الفنية الرائجة مثل مشروعه "Weather Project"، الذي أغرق معرض "Tate Modern" في العاصمة البريطانية لندن بالضوء البرتقالي لشمس عاكسة عملاقة، فإن عمله الفني في قطر يقع في مكان فارغ لدرجة أنه لن يحظى بأعداد الجمهور ذاتها.

ويمكن الوصول إلى العمل الفني عن طريق القيادة عبر الصحراء الوعرة شمالاً من الدوحة، مروراً بقلعة الزبارة وقرية عين محمد.

ورغم أن الموقع يخلو من المعالم التاريخية المهمة أو السمات الطبوغرافية مثل الجبال أو الوديان، إلا أن إلياسون يرى أن العمل الفني يمكنه أن يساهم في تغيير تصوّرات الزوار عنه.

وأوضح الفنان الأيسلندي الدنماركي أن "العمل الفني بمراياه وبنيته يدعو إلى رؤية المناظر الطبيعية بشكل جديد". 

يستخدم العمل الفني بعنوان "سفر الظلال في بحر النهار" المرايا لتفسير المناظر الطبيعية الصحراوية المحيطة به.Credit: Dimitris Sideridis

ولفت إلياسون إلى أن الهياكل مصممة لجذب الناس والتفاعل مع التركيب وتشجيعهم على التفكير في محيطهم.

وبما أن الجزء السفلي من السطح مغطى بالمرايا، فإن صورة أنصاف الحلقات تتضاعف، مما يصنع وهماً بصرياً يجعل الناظر يراها وكأنها حلقات كاملة. كما تتسبب هذه المرايا للزائرين الذين يقفون تحتها بارتباك لحظي حين ينظرون إلى الأعلى، ويرون صورهم المقلوبة في المرايا.

وأشار الفنان الأيسلندي الدنماركي إلى أن ذلك "يخلق نوعًا من البيئة التي تلتف حولك في كل الاتجاهات عندما تقف بين الهياكل. وتعكس المرايا الأرض بالأسفل، ثم تعكس صورتك داخل هذا المشهد الطبيعي".

وتتضخم أيضا تحركات البشر من خلال الانعكاسات، إذ بينما تتحرك الشمس عبر السماء، تنتقل الظلال عبر الأرض الرملية، وينعكس لون التربة فوق الأشخاص ومن حولهم.

وبفضل الأسقف المزودة بالمرايا، فإن الشخص عندما ينظر إلى أعلى، يدرك أنه في الواقع ينظر إلى الأسفل، أي إلى الأرض وإلى نفسه، وحوله رمال الصحراء.

يقول إلياسون إن الهياكل مصممة لجذب الناس وتشجيعهم على التفكير في محيطهم.Credit: Dimitris Sideridis

وأوضح الفنان الأيسلندي الدنماركي: "أنت تقف بثبات على الرمال وتتدلى. ومن المحتمل أن تتنقل ذهابًا وإيابًا بين منظور الشخص الأول ووجهة نظر الشخص الثالث المزعزعة للاستقرار لنفسك".

وأضاف: "هذا التذبذب في النظرة، إلى جانب حركة الجسم، يزيد من إحساسك بالوجود، في حين تبدو الهياكل المنحنية، وكأنها تختفي في المناطق المحيطة بها، وتتضاءل وتُصبح منظرًا طبيعيًا".

ويهدف عمل الفنان الأيسلندي الدنماركي إلى خلق إحساس بمرور الوقت والانفصال عن إدراكنا القياسي للزمن.

ويأمل أن يكون العمل بمثابة وسيلة لإثارة الخيال، ربما للتفكير في طرق مختلفة بالحياة، والمساعدة في التخفيف من أزمة المناخ التي، كما يقول، يجب أن يلعب الفن دورًا رئيسيًا في معالجتها.

نشر
محتوى إعلاني