كفيفة تجوب العالم وتكتشفه عبر أحاسيسها الأربع.. ما هي قصة ساسي وايت؟

نشر
12 دقيقة قراءة
ساسي وايت، في الصورة، كانت كفيفة معظم حياتها البالغة لكن ذلك لم يحد من شغفها بالسفر حول العالم وتأريخ مشاعرها الجيدة والسلبية التي واجهتها على طول الطريق.Credit: Sassy Wyatt

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في رحلتها الأخيرة إلى مدينة نيويورك، وقفت ساسي وايت على قمة مبنى إمباير ستيت، وراح الهواء يداعب شعرها، ويعمّق من أثر التجربة في نفسها.

محتوى إعلاني

وقالت لـCNN: "سمعت طائرة هليكوبتر تحلّق بجانبي، وصفارات الإنذار تدوي، وزقزقة الطيور، وسمعت الناس من حولي. أستطيع أن أشم رائحة الهواء النظيف والمغبر في آن. ثم شعرت باهتزاز المبنى تحت قدمي، فأدركت مدى ارتفاعي". 

محتوى إعلاني

وكانت وايت الثلاثينية، فقدت بصرها بالكامل قبل حوالي عقد من الزمن. وكانت رحلتها الأخيرة إلى نيويورك هي الثانية، بعدما زارتها وهي مبصرة حين كان تبلغ من العمر 16 سنة.

عندما وقفت على قمة مبنى إمباير ستيت، قارنت وايت بين هاتين الرحلتين، واكتشفت أنها لم تتمكّن من تحديد مدى ضخامة واتساع المكان، كما كان الأمر عليه في الزيارة الأولى، و"لم أتمكن من تحديد حجم المباني والمساحة الشاسعة، واضمحلال المباني في الأفق". 

غير أنها أعربت عن تقدير أكبر لـ"جوهر" مدينة نيويورك هذه المرة، حيث ركزت على استيعاب المدينة بحواسها الأربع الأخرى.

كانت برفقة صديقتها المقربة، تقفان في الطبقة 102، والتي وصفت لها منظر بحر ناطحات السحاب الممتد أمام ناظريها.

وفيما كانت واقفة هناك، تملّك وايت إحساس قوي بالروح وأجواء نيويورك. شعرت أنها مدينة "ممتعة ومثيرة وغامرة".

وأعربت عن مشاعرها بالقول إنّ هذه التجربة "أعادت إحياء المدينة في داخلها بطريقة مختلفة".

وبالنسبة لوايت، فإن هذه التجربة تلخص سبب حبها للسفر، بسبب فقدانها بصرها، وليس رغم فقدانها للرؤية.

وتعتقد حقيقة "أن عَمايَ ساعدني على رؤية العالم بشكل أفضل".

فقدت بصرها تدريجيًا

تظهر وايت أمام مبنى إمباير ستيت. لقد استمتعت بزيارة مدينة نيويورك في عام 2023، واستيعاب ما تسميه "جوهر" المدينة.Credit: Sassy Wyatt

نشأت وايت في المملكة المتحدة مع أبوين أعطيا الأولوية للسفر. وتتذكر الأوقات السعيدة التي قضتها معهما في "رحلات التخييم، ورحلات القوافل، ثم الذهاب إلى أوروبا لمدة أسبوع واحد، أو اثنين".

عندما كانت وايت في السابعة من عمرها، كسرت ذراعها. وكان الأمر مؤلمًا ومؤسفًا، لكن لم يُثر القلق إلا بعد وقت قصير من الإصابة، عندما بدأت تعاني من تورم غير مبرر في جميع أنحاء جسدها.

وبعد معاينة الأطباء شُخصت بأنها مصابة بالتهاب المفاصل، الذي بدأ بمهاجمة أعضائها، ما تسبب بالتورم وعدم الراحة. فأمضت الكثير من الوقت في طفولتها على كرسي متحرك. ثم، في سن الرابعة عشرة، بدأ التهاب المفاصل يؤثر على بصر وايت.

وتتذكر أنها بدأت تشعر بالكثير من الالتهاب والألم الشديد في عينيها، بالإضافة إلى احتقان الدم. وروت أن رؤيتها "بدأت تصبح ضبابية بعض الشيء". 

في أواخر مراهقتها، تم تسجيل وايت على أنها كفيفة، رغم أنها لا تزال تحتفظ ببعض بصرها.

لقد كان ذلك بمثابة ضربة قوية، لكن والدي وايت عززا لديها اعتقادًا قويًا بأن "السفر متاح للجميع". فسافرت مستخدمة الكرسي المتحرّك خلال معظم طفولتها، وتبنّت عائلتها الموقف القائل: "سنكتشف ذلك، إذا لم يكن لدينا الإجابة، فسنجد شخصًا لديه الإجابة"، بحسب وايت.

فدخلت وايت مرحلة البلوغ المبكرة بهذه العقلية. كان بصرها ضعيفًا، لكنها أرادت تجربة الحياة الجامعية، والذهاب إلى الحانات والنوادي مع أصدقائها، والسفر والاستمتاع بالحياة.

في العطل، استمتعت بالطيران المظلي والرياضات الشتوية.

تتذكر: "شعرت بالتمكين حقًا كشخص لديه إعاقة لأنني قادرة على القيام بالأنشطة، مثل التزلج، وهي رياضة فيها مغامرة".

ولكن بعد ذلك، في مطلع العشرينات من عمرها، فقدت وايت بصرها تمامًا حين كانت في منتصف دراستها الجامعية وشعرت بالضياع وفقدت الثقة بنفسها وبكل شيء لفترة قصيرة،  وتركت الجامعة، وواجهت عددًا كبيرًا من حالات رفض الوظائف.

وروت لـCNN: "استغرقني الأمر عامين تقريبًا كي أتمكن من الوقوف على قدمي جسديًا، والتعامل مع وضعي، والحصول على الدعم لصحتي العقلية والجسدية".

وتابعت: "أصابتني حالة من الاكتئاب. لكنني أدركت أيضًا أنني لا أريد أن تتوقف الحياة. لذلك بدأت العمل التطوعي في منطقتي المحلية، وتقديم الدعم للأشخاص الذين كانوا نت مجتمع الكفيف".

خلال هذه الفترة، استعادت وايت ببطء الإحساس بالذات والهدف. بدأت بمواعدة زوجها الحالي، وهو صديق قديم كان إلى جانبها خلال هذه المرحلة العصيبة.

وشرحت: "كلما بنيت ثقتي بنفسي، ووقفت على قدمي مجددًا، قلت:’ أود أن أرى العالم . لا أريد أن يمنعني العمى من ذلك".

بهذه الذهنية استجابت وايت وشريكها لحضور  حفل زفاف أحد الأصدقاء في مالطا في عام 2016. وكانت هذه أول رحلة تقوم بها إلى الخارج منذ أن فقدت بصرها.

حاول الزوجان السفر من دون أي توقعات، ومن دون أي ضغوط نفسية هما بغنى عنها.

ولفتت إلى أنه  "لم يكن لدي خوف من السفر أو مغادرة بلدي لأن الحوادث يمكن أن تحدث لأي شخص في أي وقت".

في رحلتها التالية إلى الخارج، حصلت وايت على دعم إضافي، من خلال اقتناء كلبة مرشدة، إيدا. وتوجهت وكلبتها إلى روتردام بهولندا لحضور مؤتمر حول السفر.

كانت هذه المرة الأولى التي تسافر فيها وايت على متن طائرة بمفردها، لكن إيدا كانت بجانبها طوال الوقت.

لعبت إيدا دورًا محوريًا في حياة وايت. عندما يسافرانه معًا ترشد وايت عبر المطار، ومحطات القطار، وتساعدها للعثور على طريقها بين غرف الفنادق، وإيجارات العطل، وعلى متن السفن السياحية.

وتصف وايت كلبتها المرشدة بأنها "أعادت لي قوة عقلي. وسمحت لي أن أضيع، لكني أشعر بالأمان عندما أضيع".

السفر حول الكوكب 

وايت برفقة كلبتها المرشدة إيدا على وشك ركوب طائرة صغيرة لتلقي درس في الطيران.Credit: Sassy Wyatt

في الوقت الذي دخلت فيه إيدا حياة وايت، أنشأت وايت مدونة بعنوان Blind Girl Adventures، تؤرخ فيها رحلاتها.

ازداد عدد المتابعين لوايت بسرعة، وبدأت حضور المزيد من مؤتمرات السفر والاجتماعات الصناعية. والتقت بأشخاص يسافرون لكسب لقمة العيش، وأدركت أنه رغم أن الشغف بالسفر يجمعهم، إلا أن وايت غالبًا ما كانت أحد الأشخاص ذوي الإعاقة الوحيدة في الغرفة.

وتابعت: "كان الناس مهتمين بتجربتي الحية، مثل: "كيف أسافر، وكيف أنجز أموري، وكيف يمكن للوجهات الأخرى أن تعزز من تسويقها، أو إدراجها الرقمي، أو فنادقها وعملائها، الجانب الكامل من السفر، كيف يمكنهم جعله أفضل للأشخاص ذوي الإعاقة". وأدركت أنه في الإمكان توسيع نطاق هذا الأمر وتحويله إلى مهنة.

واليوم، تعمل وايت بدوام كامل كمستشارة في مجال السفر وإمكانية الوصول، بهدف "المساعدة على تغيير مشهد السياحة التي يسهل الوصول إليها". وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وعلى مدونتها، تتحدث بصراحة عن تجاربها، الجيدة منها والسيئة. تنشر مقاطع فيديو تشرح كيفية تعاملها مع عروض السلامة على متن الطائرة، والمدونات حول كيفية حجز مساعدة خاصة في المطار. 

وأشارت بصراحة إلى الاحباطات والقيود المفروضة على المكفوفين أثناء السفر، مثل الحاجة للوصول إلى المطارات في وقت أبكر بكثير من المسافرين الآخرين. كما أنها تتبنى الفكاهة، وتقدم لمتابعيها النصائح والأفكار حول ما يجب عليهم فعله في إجازاتهم.

تجري وايت الكثير من الأبحاث دومًا قبل القيام برحلة، وعادة ما تبحث في المدونات والكتب والمقالات للتعرف على وجهتها.

وتشعر أن "معظم الناس، إذا كانوا مسافرين ويحاولون إطلاعك على تجربتهم، فسوف يكتبون بكل حواسهم الخمس، عما رأوا وكيف عبروا عنها. 

تتفاعل وايت مع ملفات البودكاست ومقاطع الفيديو الخاصة بالسفر أيضًا، فهي تستمتع بشكل خاص عندما تشتمل اللقطات على الموسيقى التصويرية الطبيعية لـ"الطيور في الخلفية، أو أزيز الدراجة النارية". عندما تتداخل الموسيقى مع مقاطع البرنامج، تجد وايت الأمر محبطًا بعض الأمر

قبل التوجه إلى الطائرة، تدرس وايت أيضًا لغة وجهتها وتتعلم العبارات الرئيسية حتى تتمكن من شرح احتياجاتها ومتطلباتها لأصحاب الفنادق وسائقي أوبر وأي شخص آخر قد تتواصل معه.

وبعد ذلك، عندما تصل وايت إلى وجهتها، فإنها تتعامل مع التجربة بعقل منفتح. وهي سعيدة بوضع كل أبحاثها جانبًا إذا لزم الأمر.

وقالت: "ما أحبه في السفر الإثارة المجهولة التي يمكنك الحصول عليها منه. نعم، يمكنك التخطيط جيدًا، ويمكنك وضع برامج تجعل وقتك جديرًا بالاهتمام في ذلك البلد، أو في تلك الوجهة. ولكن الأمر يتعلق بقول نعم لما هو غير متوقع، ورؤية إلى أين يأخذك.

 

كتاب مفتوح

وايت في باريس، وفي الخلفية ينتصب برج إيفل.Credit: Sassy Wyatt

تصف وايت نفسها بأنها "كتاب مفتوح"، فهي تحب إقامة علاقات جديدة عندما تسافر. تستمتع بالدردشة مع الغرباء في الحافلات والقطارات، والإجابة على أسئلتهم وإطلاعهم على حقيقة تجربتها كامرأة كفيفة تسافر حول العالم.

وفي الوقت ذاته، على وسائل التواصل الاجتماعي، تحب وايت أن تتمكن من "تحويل" شخص يقترب من صفحتها بسلبية أو شك، دعوته إلى عالمها.

وعلّقت: "يسألني الناس: إذا كنت لا أستطيع الرؤية، فلماذا أهتم بالسفر؟". ردًا على ذلك، تخبرهم وايت عن كيفية تفاعلها مع الأماكن بحواسها الأخرى، والتعرف على الوجهات بطرق مختلفة.

لا تسعى وايت بالضرورة إلى أن تكون ملهمة، فهي تمثل نفسها فحسب، وتتطلع دومًا إلى التعلم من تجارب الآخرين أيضًا.

ومع ذلك، فهي تحب تلقي رسائل من الأشخاص الذين يقولون إن المحتوى الخاص بها قد حفزهم على السفر إلى مدينة كبيرة مع طفلهم المعاق بصريًا لأول مرة، أو دفعهم إلى حجز رحلة كانوا قلقين بشأنها، مع العلم أن كلبهم المرشد سيفعل ذلك. 

وايت في إحدى مغارمراتها على متن سفينة سياحية.Credit: Sassy Wyatt

وأشارت وايت إلى أنّ زوجها شريك سفر رائع و"مرشد ممتاز"، لافتة إلى أنه "جيد جدًا في وصف العالم من حولي. والتحف المعروضة في المتاحف، ويحب مشاهدة الناس، لذا فهو يشرح لي أشياء كهذه، وهو ما أجده رائعًا حقًا".

تعتبر وايت أنها وزوجها يشكلان ثنائيًا جيدًا، لكن لديهما أساليب سفر مختلفة قليلاً. فزوج وايت يحب التمدد على الشاطئ طوال اليوم أو التجول في المطاعم، في حين أنها تحب "التجديف بالكاياك، أو تسلق الصخور، أو الانزلاق بالحبل، وحتى مجرد المشي لمسافات طويلة".

بشكل عام، تستمتع وايت دومًا بالشعور بأنها "متحدة مع الطبيعة، ومتحدة مع الأشخاص الذين أكون معهم".

ورغم أنها كانت دومًا من محبي الإثارة، تشير وايت إلى أن هناك أيضًا علاقة بين حبها لرياضات المغامرة وافتقارها للرؤية.

وأوضحت: "ليس من الضروري أن تتمتع بالبصر حتى تقدر متعة المغامرة".

وقالت ضاحكة: "أنا أستمتع بالفوضى الناجمة عن متعة رياضات المغامرة".

نشر
محتوى إعلاني