هل تفكر بإجازة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط؟ تقرير جديد قد يجعلك تعيد النظر
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يستحضر البحر الأبيض المتوسط صورًا لقضاء العطلات الشاطئية الفاخرة، وتناول وجبات المأكولات البحرية الشهية، والاسترخاء على الشواطئ الرملية اللامتناهية.
ولكن، يبدو أن هذا المسطح المائي الجذاب أصبح سامًا بشكل متزايد.
وتُعد نسبة أكثر من 87% من البحر الأبيض المتوسط، الذي يمتد من المحيط الأطلسي إلى إفريقيا وأوروبا وآسيا، ملوثة بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة والملوِثات الأخرى بما في ذلك المعادن السامة والمواد الكيميائية الصناعية، وفقًا لتقرير صدر في يوليو/ تموز الجاري عن منظمة الصندوق العالمي للطبيعة.
وعلى الصعيد العالمي، يرتبط تلوّث المياه بـ 1.4 مليون حالة وفاة مبكرة، وهو ما يسبب المتاعب لنحو 150 مليون شخص يعيشون على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، و270 مليون سائح تستقطبهم هذه المياه كل عام.
ويمتد البحر الأبيض المتوسط على طول 46 ألف كيلومتر من السواحل في 22 دولة، العديد منها لها معايير وممارسات بيئية مختلفة.
وبحسب التقرير، فإن مصر، التي تساهم بـ 0.25 مليون طن من البلاستيك الذي ينتهي به الأمر في البحر الأبيض المتوسط، هي أسوأ الدول المتسببة في ذلك، تليها تركيا التي تساهم بـ 0.11 مليون طن، تتبعها إيطاليا التي تساهم بـ 0.04 مليون طن من البلاستيك في البحر الملوث.
وأوضح الخبراء الذين استشارتهم منظمة الصندوق العالمي للطبيعة من أجل تقريرها، أنه يمكن للبشر استهلاك المواد البلاستيكية الدقيقة من البيئات المائية من خلال تناول الكائنات البحرية وشرب المياه (سواء مياه الشرب أو المعبأة في زجاجات).
وذكر التقرير أنه "يمكن ابتلاع أكثر من 840 قطعة بلاستيكية صغيرة سنويًا من خلال استهلاك ثلاثة أنواع رئيسية من الأسماك التجارية (أسماك القاروص ونوعان من أسماك الإسقمري)، و ما يصل إلى 11 ألفًا من الاستهلاك المرتفع لذوات الصدفتين (مثل بلح البحر والمحار)".
وأشار التقرير إلى أن التلوث الأقل يأتي من تناول الجمبري.
وجاء في التقرير: "إذا حسبنا أيضًا التعرّض للهواء والغذاء الذي لا يأتي من البيئات المائية، فيمكننا استهلاك أكثر من 100 ألف قطعة بلاستيكية صغيرة يوميًا".
وفي بلدة أوستيا الساحلية بالقرب من العاصمة الإيطالية روما، يقوم بييرلويجي كابوزي بتفقّد مياه البحر من مطعمه "Mediterraneo".
وقال كابوزي لـ CNN: "ربما قبل 50 عاماً، لم يكن الناس على دراية بما نعرفه الآن عن التلوث والبلاستيك. ولكنني أرى الشباب لا يكترثون ويلقون بالزجاجات البلاستيكية في البحر، ويرمون القمامة، وأعقاب السجائر".
مع ذلك، رأى كابوزي بصيص أمل. إذ قبل عقد من الزمن، كانت الرمال خارج مطعمه على شاطئ البحر مغطاة كل صباح بمواد كيميائية من السفن التي تعبر ممرات الشحن، مضيفًا: "بفضل تحسين التنظيم، اختفى هذا التلوث الكيميائي الآن".
ويُعد البحر الأبيض المتوسط أحد الخزانات الرئيسية للتنوع البحري والساحلي في العالم، وفقًا لتحالف البحر المتوسط، الذي يعمل في الدفاع عن صناعة صيد الأسماك من خلال اتباع ممارسات أفضل.
ويؤثر التلوث الشديد سلبًا على الحياة النباتية والحيوانية الغنية في البحر. ورغم أن البحر لا يغطي سوى 0.7% من مساحة محيطات العالم، إلا أنه يضم 7.5% من الحيوانات البحرية في العالم، و18% من النباتات البحرية في العالم.
ويُعتبر صيد الأسماك صناعة بقيمة 4.6 مليار يورو في البحر الأبيض المتوسط، وقد أثر تلوث المياه بشكل كبير على سبل عيش 180 ألف شخص يعتمدون على صيد الأسماك في معيشتهم، وفقًا للصندوق العالمي للطبيعة.
وبحسب برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، انخفض الصيد البحري في البحر الأبيض المتوسط بنسبة 34% خلال الخمسين عامًا الماضية، بسبب الصيد الجائر والبلاستيك الموجود في المياه.
وأشارت المجموعة إلى أن "حوالي 730 طنًا من النفايات البلاستيكية تُلقى يوميًا في البحر الأبيض المتوسط. وتمثل النفايات البلاستيكية ما بين 95 إلى 100% من النفايات البحرية العائمة و50% من النفايات الموجودة في قاع البحر. من حيث الحمولة، ويمكن أن يفوق البلاستيك مخزون الأسماك".
في عام 2023، فحصت دراسة أجراها معهد Archipelago للحفاظ على البيئة البحرية في اليونان 25 كائنا بحريًا، بما في ذلك 8 دلافين، واثنين من الفقمات، و15 سلحفاة بحرية، حيث وجدت ملوثات بلاستيكية دقيقة في كل منها.
من جانبه، قال أستاذ العلوم المتقدمة في جامعة فانفيتيلي في نابولي، رافاييل مارفيلا، إن التلوث البلاستيكي يمثّل مشكلة عالمية ملحّة تتجاوز الضرر الذي يلحق بالبيئة.
وسلط مارفيلا الضوء نقلاً عن مقال نُشر مؤخرًا في مجلة "نيو إنغلاند" الطبية على العلاقة بين المواد البلاستيكية الدقيقة والمواد البلاستيكية النانوية وبعض أمراض القلب والأوعية الدموية، إذ أوضح أن "المعلومات الحالية أشارت إلى أن المواد البلاستيكية النانوية يمكن أن تدخل مجرى الدم عن طريق الابتلاع أو الاستنشاق، ما يؤدي إلى الالتهاب والإجهاد التأكسدي. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي التعرض المزمن للمواد البلاستيكية النانوية إلى تسريع تطور تصلب الشرايين وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".
ويُعتبر التلوث البلاستيكي ملوثًا "أبديا"، ما يعني أنه بمجرد أن يصبح غازيًا، فإنه يبقى للأبد.
وإذا لم يقم البشر بدورهم لوقف آفة تلوث المياه، فإن حلم عطلة البحر الأبيض المتوسط قد يتحول قريباً إلى كابوس.