كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إسبانيا؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قد يبدو الانتقال إلى بلد آخر بمثابة حلم بالنسبة للعديد من الأشخاص، ولكن عندما يتعلق الأمر باختلاف اللغة، قد يحول ذلك دون تحقيق هذا الحلم.
وبالنسبة لتيد بيردوم الذي يبلغ من العمر 36 عامًا من ولاية كاليفورنيا الأمريكية، الذي فشل في اللغة الإسبانية خلال مرحلة المدرسة الثانوية، فقد احتضن مصيره عندما أدت إقامته القصيرة في جزيرة مايوركا إلى العثور على حب حياته وبدء عمل مزدهر، الأمر الذي لم يكن يوما جزء من أحلامه.
وتخرّج بيردوم في عام 2011 بدرجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، والتحق ببرنامج لغة أجنبية، بهدف تعلّم اللغة الإسبانية.
وقد انتهى به المطاف في مايوركا، عاصمة جزر البليار قبالة الساحل الشرقي لإسبانيا، لخوض البرنامج الذي استمر لمدة 9 أشهر.
وكان من المفترض أن يكون ذلك بمثابة فترة استراحة قبل العودة إلى الحياة الواقعية. ولكن بعد 13 عامًا، أصبح يجيد اللغة الإسبانية والمايوركية، وهي اللهجة الكتالونية المحلية، وافتتح أكاديمية خاصة به لتعليم اللغة الإنجليزية على الجزيرة.
وقد يمثل ذلك مفاجأة لأي شخص كان يزامله في الثانوية، إذ قال بيردوم: "لطالما كانت اللغات الأجنبية أصعب مادة بالنسبة لي".
وخلال مرحلة الثانوية، كان من المفترض لبيردوم أن يدرس لغة أجنبية لمدة عامين ليتمكن من التخرج. لكنه رسب باللغة الإسبانية في السنة الثانية مرتين وفي المرة الثالثة تمكن من النجاح بشق الأنفس.
من أجل التأهل للحصول على شهادته باللغة الإنجليزية في جامعة "أوريغون"، كان عليه أيضًا تعلّم لغة أجنبية لمدة عامين.
وإدراكًا منه لمدى صعوبة اللغات الأجنبية بالنسبة له، سعى إلى بدائل لكيفية إنجاز عامين من الدراسة من دون أن يضطر إلى تحمل عار الرسوب في فصل إسباني آخر.
لحسن الحظ، اكتشف بيردوم أنه من خلال المشاركة في برنامج تبادل طلابي لمدة ثلاثة أشهر في إسبانيا، يمكنه تحقيق رصيد يعادل عامًا واحدًا للحصول على شهادته.
وهكذا، في خريف عام 2009، وجد بيردوم نفسه في أوفييدو، عاصمة أستورياس في شمال إسبانيا.
ويستذكر بيردوم قائلًا: "كانت تجربة لا تُنسى حقًا، استمتعت بكل دقيقة من الانغماس في الثقافة الإسبانية. سأكون كاذبًا إذا قلت إن مهاراتي في اللغة الإسبانية تحسّنت بشكل كبير، لكن الثقافة وأسلوب الحياة تركا انطباعًا دائمًا عليّ وجعلاني أتوق إلى ما هو أكثر من الأشهر الثلاثة التي كنت محظوظًا بتجربتها".
وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، شعر بيردوم برغبة في العودة إلى إسبانيا. حتى أخبره أحد الأصدقاء عن برنامج آخر مختص لـ"مدربي لغة" أمريكيين في إسبانيا، تديره وزارة التعليم الإسبانية.
وعلى الفور قام بيردوم بتقديم طلب على أمل العودة إلى أوفييدو. ومن أجل زيادة فرصه، اختار مايوركا أيضًا كوجهة محتملة أخرى، وأوضح: "عندما بحثت عبر شبكة غوغل عن جزر البليار، أذهلتني آلاف الصور للشواطئ البكر والمناظر الطبيعية الخلابة".
ولدهشته الشديدة، قُبل في البرنامج وأرسل إلى ماناكور، التي تقع على بعد ساعة شرقي بالما عاصمة مايوركا، لتدريس اللغة الإنجليزية.
وبالفعل، وصل بيردوم إلى هناك من دون أي خبرة في التدريس في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، وكان يخطط لإكمال عقد عمله لمدة 9 أشهر.
ولكن لم تجر الأمور كما خطط لها، وفي نهاية برنامجه الذي استمر 9 أشهر، ظهرت فرصة عمل أخرى أي العمل كمراقب يتحدث الإنجليزية في معسكر صيفي لمدرسة لغة محلية.وفي نهاية ذلك العقد، عرضت عليه المدرسة وظيفة مدرس لغة إنجليزية.
وبالفعل، قرّر البقاء نظرا لأن فرص العمل في الولايات المتحدة لم تكن رائعة في عام 2013، لذلك شعر أن عامًا آخر لن يكون فكرة سيئة، حسيما ذكره.
ويتذكر بيردوم: "في أول صيف لي، عشت أسلوب الحياة المايوركي مثل الذهاب إلى الشاطئ أثناء النهار والخروج ليلاً وتجربة أجواء البحر الأبيض المتوسط الرائعة. وكان اثنان من أقرب أصدقائي يصطحباني إلى كل مناسبة اجتماعية، ما ساعدني على الاندماج في ثقافتهم".
سرعان ما تحولت الأشهر التسعة التي قضاها في مايوركا إلى وظيفة دائمة.
في عام 2014، بدأ بيردوم في مواعدة زوجته المستقبلية، لويزا، التي تبلغ من العمر الآن 39 عامًا، وهي مهندسة معمارية تقنية، وكانت من طلابه سابقًا.
وبعد ثلاث سنوات قررا الزواج، ولديهما الآن ابنة تبلغ من العمر أربع سنوات، اسمها أبولونيا، وينتظران مولودهما الثاني في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ولم تمنح مايوركا بيردوم عائلة فحسب، بل أعطته الفرصة لبدء عمل تجاري. وقبل ذلك، كانت الوظيفة الوحيدة التي كان يشغلها تتمثل برّي النباتات والأشجار في مشتل بكاليفورنيا.
في عام 2017، بعد العمل لمدة خمس سنوات في أكاديمية اللغة، شعر أنه اكتسب المعرفة اللازمة لبدء مشروعه الخاص. لذا، في نوفمبر/تشرين الثاني من ذاك العام، افتتح أكاديمية "Bridge" الإنجليزية في ماناكور، وحول متجر نبيذ سابق إلى فصول دراسية لإعطاء دورات اللغة الإنجليزية للسكان المحليين. وفي هذا العام، اشترى مساحة المكتب المجاورة، حيث يخطط لتوسيع الأكاديمية.
وقال: "لدينا نحو 200 طالب، بدءًا من سن السابعة وحتى البالغين. تستمر دوراتنا من سبتمبر/ أيلول إلى يونيو/ حزيران، حيث نساعد الطلاب في أعمالهم المدرسية، أو نقدم دورات اللغة الإنجليزية من أجل الحصول على ألقاب رسمية باللغة الإنجليزية التي تعد ضرورية اليوم في إسبانيا لإكمال الجامعة أو التقدّم لوظائف عديدة حيث تكون المهارات اللغوية مطلوبة".
وقد ساعدت خلفيته الشخصية في التوصّل إلى طرق لتحفيز المتعلمين المترددين على حد تعبيره، "لجعل الطلاب أكثر حماسًا لموضوع قد لا يجده البعض الأكثر إثارة للاهتمام".
ويعترف بيردوم أنه كان قلقًا في البداية من أنه قد لا ينجح في تدريس اللغة الإنجليزية للسكان المحليين. ولكن بحلول الوقت الذي تم فيه إنشاء أكاديميته وتشغيلها، كان يتحدث الإسبانية والمايوركية بطلاقة بالفعل.
ولكن ما الذي يجعل مايوركا وجهة رائعة لدرجة أن بيردوم لا يفكر بالعودة إلى وطنه قط؟
رأى بيردوم أن الحياة في مايوركا أكثر استرخاءً مقارنة بكاليفورنيا، واجتماعية بشكل أكبر، إذ أوضح: "عادة ما تتضمن الخطط تناول مشروب كابيكو أو الالتقاء لتناول مشروب آخر بالقرب من البحر".
ورغم أنه في الولايات المتحدة، يُتوقع من رواد المطاعم المغادرة على الفور بعد دفع الفاتورة، إلا أن الأمر يختلف في مايوركا، إذ يمكن البقاء على الطاولة لساعات بعد دفع الفاتورة.
وقال بيردوم: "لا أعرف ما إذا كنت أستطيع أن أقول إن أسلوب الحياة الإسباني أفضل من أسلوب الحياة في الولايات المتحدة، فأنا متأكد من أن هناك العديد من الأشخاص الذين قد يجدون النهج غير المبالي في الحياة محبطًا نوعا ما، ولكن بالنسبة لأي شخص قد يبحث عن وتيرة حياة أبطأ، فإن أسلوب الحياة الإسباني قد يكون جذابًا للعديد من المغتربين".
أما أكثر ما يجذبه في مايوركا فليست الشواطئ والمناظر الطبيعية فقط، ولكن أيضًا تاريخها الغني، مع بقايا الثقافات الأخرى التي غزت الجزيرة على مرّ القرون.