شاي الفقاعات "بوبا".. تعرف لحكاية المشروب الذي اجتاحت شهرته العالم

نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ما الذي قد يجمع بين نجمة أفلام مثيرة في هونغ كونغ، ورائد أعمال مُفلس، وحملة دفاع عسكرية فاشلة؟

تتمثل الإجابة بأنهم ساهموا جميعًا في شهرة شاي الفقاعات، المشروب التايواني الذي اجتاح العالم خلال السنوات الأخيرة. والآن، يعود إلى دائرة الضوء بفضل التعليقات الأخيرة للممثل الصيني الكندي سيمو ليو، الذي اتَهم شركة مشروبات كندية بالاستيلاء الثقافي.

محتوى إعلاني

وقد حدث ذلك خلال حلقة من برنامج "Dragons’ Den"، التلفزيوني الواقعي الذي يُعنى بالمشاريع وريادة الأعمال من إنتاج هيئة الإذاعة الكندية "CBC". وخلال البرنامج، وصف مؤسسا علامة تجارية للمشروبات، مقرها كيبك، شاي الفقاعات بأنه مشروب عصري سُكّري، حيث أشارا إلى أن الزبائن "ليسوا متأكدين من محتوياته".

وقام ليو، الذي ظهر كضيف شرف/مستثمر محتمل في الحلقة، بمقاطعتهما خلال تسويق فكرتهما قائلاً: "مهلا مهلا. أنا متأكد تمامًا من محتوياته"، وتركهما يواصلان حديثهما قبل أن يتحدى رغبتهما في "تحسين" المشروب.

ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها شاي الفقاعات محورًا للجدل. وفي الواقع، كان موضوعًا لنقاش كبير لعقود من الزمن.

واخترع شاي الفقاعات، الذي يُطلق عليه أيضًا "شاي اللؤلؤ الأسود" أو "شاي البوبا"، في الثمانينيات، وهو من المشروبات الكلاسيكية المحبوبة في تايوان. 

ورغم نسخاته المتعددة والمختلفة، إلا أنه في جوهره عبارة عن مزيج من الشاي والحليب و"الفقاعات"، التي تتكون في الأساس من كرات صغيرة مصنوعة من أي شيء من الـ"تابيوكا"، أو هلام الفاكهة.

وبحسب دراسات جديدة، تقدر قيمة صناعة شاي الفقاعات في عام 2024 بما يتراوح بين 2.4 و3.6 مليار دولار على مستوى العالم، ولا يوجد أي مؤشر على تباطؤ هذا النمو خلال العقد المقبل.

كيف بدأ هذا المشروب؟

يُصنع شاي الفقاعات باستخدام زجاجة مشروبات الكوكتيل. Credit: Hanlin Tea Room

ويمكن تتبع جذور شاي الفقاعات إلى الأربعينيات.

بعد عمله كخبير في خلط المشروبات في "إيزاكايا"، أي نوع من الحانات غير الرسمية، في تايوان تحت الحكم الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، افتتح تشانغ فان تشو في عام 1949 متجراً لبيع شاي "شو ياو" الفريد والمخلوط باليد

وكانت النتيجة عبارة عن شاي مثلّج غني تعلوه فقاعات هواء، ويُطلق عليه اسم شاي الرغوة في تايوان.

واليوم، يُعد شاي "شو ياو" عنصرًا أساسيًا في شاي الفقاعات.

وكان المشروب بمثابة اختراع ثوري، إذ لم تكن المشروبات الباردة شائعة آنذاك، وكانت فكرة تناول الطعام والمشروبات من أجل المتعة بدأت تشهد نموا في تايوان بعد الحرب. وخلال السنوات التالية، تكثّف شغف الجزيرة بالمشروبات الباردة.

وقال مؤرخ الطعام التايواني تسينغ بين تسانغ: "ازدهر اتجاه مشروبات الشاي إلى جانب صعود اتجاه الطعام الترفيهي في الثمانينيات، حيث كانت تايوان تشهد نموًا اقتصاديًا سريعًا".

وفي عام 1986، قرّر الفنان ورائد الأعمال التايواني، تو تسونغ هي، بدء مشروع تجاري جديد من خلال الركوب على موجة متاجر الشاي، بعدما تركه مشروعه التجاري السابق بديون قدرها 4 ملايين دولار تايواني، أي حوالي 124 ألف دولار. 

وأوضح تو لـCNN في مقابلة سابقة عام 2020: "كنت أزور سوق يامولياو الرطب في تاينان، عندما رأيت الفنيوان (كرات التابيوكا)، وهي وجبة خفيفة تقليدية أحببتها منذ طفولتي".

استُخدمت كرات الـ"تابيوكا" البيضاء في صنع شاي الفقاعات لأول مرة، ثم ظهرت الكرات السوداء الأكبر لاحقاً. Credit: Hanlin Tea Room

وعندها قال لنفسه: "لماذا لا أضيف بعض الفن يوان إلى الشاي الأخضر الخاص بي؟" وبدا الفن يوان الأبيض شفافًا تقريبًا عند تخميره داخل الشاي الأخضر الذهبي، مثل عقد اللؤلؤ الخاص بوالدته، لذلك أطلق عليه اسم "zhen zhu lu cha" (شاي اللؤلؤ الأخضر)."

ثم جرب تو إضافة كرات أكبر حجما من التابيوكا السوداء إلى شاي الحليب للحصول على مذاق أكثر ثراءً، والذي أصبح شاي  الفقاعات الكلاسيكي الذي يعرفه ويحبه الكثيرون اليوم.

وافتتح تو أول متجر شاي فقاعات حمل اسم "Hanlin" في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1986.

وقال رجل الأعمال: "سرعان ما أصبح شاي الفقاعات من السلع الأكثر مبيعًا في السوق، وساعدني العائد الثابت من متجر الشاي على سداد ديوني".

ويمتلك متجر "Hanlin" الآن حوالي 80 فرعًا في جميع أنحاء تايوان، ولديه امتيازات في كل مكان بالولايات المتحدة، وكندا، وصولًا إلى البر الرئيسي في الصين.

أما عن كلمة "بوبا"، وهي مرادفة الآن لشاي الفقاعات، فقد كانت تشير في البداية إلى كرات التابيوكا السوداء الكبيرة المستخدمة في المشروب.

يتفق غالبية الأشخاص على أن هذا الاسم ابتكره بائع متجول في مدينة تاينان استوحاه من لقب نجمة الإغراء في السينما بهونغ كونغ إيمي يب، "بوبا"، والذي يعني عند ترجمته "بطلة الثديين".

وأطلق البائع المتجول على كرات التابيوكا السوداء الكبيرة اسم "بوبا" لتمييزها عن "الفن يوان" الأصغر حجمًا والتي توجد عادةً في محلات الشاي.

أيقونة تايوانية خالدة

تشون شوي تانغ هي سلسلة أخرى مشهورة تدعي أنها اخترعت شاي الفقاعات.Credit: CNN

ولكن ثمة ما هو أكثر من مجرد الطعم لتفسير حب تايوان لشاي الفقاعات، حسبما قاله المؤرخ تسينغ، موضحًا أنه يعكس أيضَا المزاج الخاص لتايوان في أواخر الثمانينيات، ويحتضن بعض التجارب الثقافية التايوانية القديمة، مع لمسة من المشاعر الحنين السائدة في هذا المجتمع الحديث.

وأضاف تسينغ أنه خلال عملية إعادة إنتاج عنصرين أساسيين تقليديين، وهما "الفن يوان" والشاي، ارتبط المجتمع بثقافة وتاريخ مشتركين، موضحًا: "يُعد شاي الفقاعات مثال ناجح على إعادة إنتاج طعام تقليدي، وأصبح رمزاً لثقة تايوان بذاتها وهويتها".

بعبارة أخرى، لا تعبث مع التايوانيين وشاي الفقاعات الخاص بهم، وهو درس تعلمته وزارة الدفاع في الجزيرة بالطريقة الصعبة.

وفي عام 2004، وعلى أمل إقناع الجمهور بأن شراء الأسلحة ليس مكلفًا، أصدرت وزارة الدفاع في تايوان منشورًا ينص على أنه إذا توقف التايوانيون عن تناول كوب واحد من شاي الفقاعات أسبوعيًا لمدة 15 عامًا قادمة، سيمكنهم توفير ما يكفي لدفع تكاليف الجيش.

وقد جاءت الحملة بنتائج عكسية، وهو أمر غير مفاجئ، حيث أنها أثارت معارضة شديدة في حين ربطت بين صانعي شاي الفقاعات ومحبيه على حد سواء.

وأطلقت وسائل الإعلام المحلية على هذه الملحمة اسم "حادثة شاي الفقاعات مقابل الأسلحة". حتى أن بعض العلماء زعموا أنها دفعت شاي الفقاعات إلى الساحة الدولية.

في هذه الأيام، يستمر شاي الفقاعات في التطور، وتظهر مجموعات جديدة من المتاجر حول العالم باستمرار، وتبتكر نسخها الخاصة من المشروب.

يقول مؤسس "Bubbleology" أسد خان إن أول تجربة له مع شاي الفقاعات كانت بمثابة "الحب من أول رشفة"Credit: Bubbleology

وأنفقت العلامة التجارية التايوانية "Tiger Sugar" الكثير من الأموال على صيحة جديدة من مشروبات الفقاعات الخالية من الشاي والمصنوعة باستخدام فقاعات مغطاة بالسكر البني الطبيعي، والحليب الطازج.

وبالمثل، قامت العلامات التجارية الناشئة بتجربة إضافة مكونات مختلفة ( مثل الفراولة وكعك الإسفنج) إلى قوائمها.

وكانت هناك علامات تجارية ناجحة خارج آسيا أيضًا، على سبيل المثال، "Bubbleology"، هي واحدة من أقدم  العلامات التجارية لشاي الفقاعات في المملكة المتحدة التي أنشأها مصرفي استثماري بريطاني سابق. 

وقال المؤسس، أسد خان، إنه وقع في حب المشروب بعد تجربته بالحي الصيني في نيويورك عام 2009، وافتتح أول متجر له في عام 2011.

وفي آخر مقابلة له مع CNN قبل وفاته عام 2022 عن عمر يناهز الـ73 عامًا، أشار تو إلى أن السفر بين جبال جزيرة تايوان بحثًا عن أفضل أنواع الشاي كان الجزء الأكثر متعة في عمله، مؤكدًا أن "شاي الفقاعات ليس فقط مصدر فخر مدينة هانلين، بل أبرز ما يميز صناعة المشروبات في تايوان".

نشر
محتوى إعلاني