في تركيا.. دير قديم معلّق على جانب منحدر تُحاك حوله الأساطير

نشر
7 دقائق قراءة
مشهد مثير للاهتمام: دير سوميلا الذي تأسس في القرن الرابع مذهل إذ يرتفع نحو 305 أمتار فوق وادي نهر في شرق تركيا.Credit: Hasan Tascan/Anadolu Agency/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لو كانت جدران دير سوميلا القديم في شرق تركيا قادرة على التحدث، لروت العديد من القصص.

منذ تأسيسه في القرن الرابع الميلادي على يد بعض المسيحيين الأوائل الذين وصلوا إلى ساحل البحر الأسود، شهد هذا المزار تطوّر الإمبراطورية الرومانية وصولًا إلى العصر البيزنطي، وصعود العثمانيين، والنضال من أجل استقلال تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، وصولًا إلى عقود من التخريب والإهمال.

يقع دير سوميلا في منتزه وادي ألتينديري الوطني، ويبعد ساعة بالسيارة جنوب طرابزون، مدينة المنتجعات السياحية على ساحل البحر الأسود الشرقي في تركيا.

محتوى إعلاني
في عام 2010، شهد الدير أول خدمة صلاة أرثوذكسية منذ 88 عامًا، عندما ترأس رئيس أساقفة القسطنطينية قداس احتفالي لمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء مريم. ومنذ ذلك الوقت يحتفى بهذا اليوم سنويًا، في سوميلا.Credit: Mik122/iStockphoto/Getty Images

وما يفوق جاذبية تاريخ دير سوميلا المضطرب يتمثل بموقعه الذي يبدو وكأنه من صنع الذكاء الاصطناعي أو رسومات الحاسوب أكثر من كونه مكانًا حقيقيًا، حيث يتضمن ساحات، ومكتبة، وأماكن المعيشة، وبرج الجرس، وقنوات مائية، ونبع مقدس محاط بالحجارة يقع على حافة صخرية على ارتفاع 1000 قدم (300 متر) فوق وادي نهر في جبال الألب البنطية.

يزوره كل يوم الآلاف، وبعضهم من الحجّاج الدينيين، حيث يتجول هؤلاء بين اللوحات الجدارية والعمارة المسيحية المبكرة التي تبدو وكأنها تتحدى الجاذبية، على طول مسار مرصوف بالحصى إلى الدير. 

ومن عوامل الجذب الأخرى حقيقة أن دير سوميلا مدرج ضمن قائمة اليونسكو المؤقتة للتسمية كموقع للتراث العالمي.

وحاليًا، بعدما أصبح الدير متحفًا حكوميًا لا مجتمعًا دينيًا نشطًا، خضع لسنوات من الترميم الدقيق لجعل الموقع آمنًا للسياحة.

خطر من الأعلى: لحل مشكلة سقوط الصخور، يقول المسؤولون إنه تمت الاستعانة بمتسلقين محترفين لتثبيت شبكة فولاذية على وجه الجرف.Credit: Muhur/iStockphoto/Getty Images

يقول ليفنت أليناك، مدير المتاحف والمواقع التاريخية في مقاطعة طرابزون: "كنا نعاني دومًا من مشكلة الصخور المتساقطة. وبغية الحد من الضرر اللاحق بالهياكل والأذى بالزوار، قمنا بتأمين المنحدر بواسطة متسلقي الجبال المحترفين". 

وكشفت أعمال الترميم الجارية عن كنوز غير متوقعة مثل: نفق سري يؤدي إلى كنيسة لم يتم اكتشافها من قبل ربما كانت تستخدم كنقطة مراقبة للدفاع عن الدير. وداخل الكنيسة الصغيرة، وجد علماء الآثار لوحات جدارية درامية تصور الجنة، والجحيم، والحياة، والموت.

مفاجآت خفية: أثناء أعمال الترميم، تم العثور على نفق سرّي يؤدي إلى كنيسة لم يتم اكتشافها من قبل، تحتوي على لوحات جدارية درامية تصوّر الجنة والجحيم.Credit: Ali Balikci/Anadolu Agency/Getty Images

ترميم اللوحات الجدارية

كنيسة الصخرة في سوميلا، التي بنيت في جانب الجرف، تحتوي أيضًا على تصاميم داخلية مزخرفة بلوحات جدارية .Credit: Rainer Hacken/dpa/picture alliance/Sipa USA

تجري عملية تجديد اللوحات الجدارية على قدم وساق. وقد يستلزم إنجاز هذا المشروع سنوات عدة من العمل الدقيق والمكثّف من قبل خبراء ترميم الأعمال الفنية. وخلال موسم الصيف، عندما يكون الجو جافًا بدرجة كافية للقيام بهذه المهمة الدقيقة، يمكن للزوّار إلقاء نظرة عن قرب على المُرمّمين وهم يزيلون كتابات الغرافيتي وغيرها من الأضرار التي لحقت بالدير بعدما أصبح غير مأهول وغير محمي، بين عشرينيات وستينيات القرن العشرين.

وقال المرمم سينول أكتاش خلال استراحة من عمله على لوحة جدارية تعود إلى القرن الثامن عشر تصور العذراء مريم تتحدث مع ملاك على واجهة كنيسة الصخرة الرائعة في دير سوميلا: "لم يكن هناك سيطرة كافية هنا لسنوات عديدة، وشهد الموقع الكثير من التخريب. كتب الناس أسماءهم وأشياء أخرى على اللوحات الجدارية التي نحاول إزالتها من خلال الطلاء فوق كتابات الغرافيتي بأسلوب وألوان مماثلة لما استخدمه الفنانون الأصليون".

رسمان كبيران للسيد المسيح والسيدة العذراء مريم ينظران من سقف كنيسة الصخرة.Credit: esatokyay/iStockphoto/Getty Images

رغم أن اللوحات الجدارية الخارجية قد تكون مبهرة، إلا أنها تبدو باهتة مقارنة بالصور الأقدم الموجودة بالداخل. فخلف واجهتها، تختفي الكنيسة داخل كهف كبير مليء بصور نابضة بالحياة رُسمت في القرن الثالث عشر. 

وتحدق صور كبيرة ليسوع والسيدة العذراء مريم من السقف، في حين تم تخصيص الجدران للملائكة، والرسل، والقديسين.

جذور دير سوميلا الأسطورية والتاريخية

تم ترميم اللوحات الجدارية التي تعرضت للتخريب الناجم عن كتابات الغرافيتي بعناية شديدة.Credit: OscarEspinosa/iStock Editorial/Getty Images

لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت قصة أصل الدير حقيقية أم مجرد أسطورة.

وفقًا للأسطورة، تعود جذور دير سوميلا إلى عام 386 ميلاديًا، ويعتبر اكتشافًا معجزيًا من قبل الراهبين اليونانيين برنابا وصوفرونيوس. وكانا قد انجذبا إلى المنطقة النائية من خلال رؤية أخبرتهما فيها العذراء مريم عن أيقونة رسمها الرسول لوقا مخبأة في مكان ما في جبال البنطس. اكتشف الراهبان في النهاية صورة للسيدة العذراء مريم والطفل يسوع والتي أطلقا عليها اسم باناجيا سوميلا، في الكهف الذي سيضم لاحقًا كنيسة الصخرة.

ظل الكهف مكانًا للحج لمئات السنين. ولم يتم تأسيس الدير كما نعرفه اليوم إلا في القرن الثالث عشر من قبل الرهبان الأرثوذكس خلال فترة حكمت فيها آخر مملكة مسيحية المنطقة. واستمرت بالازدهار في عهد العثمانيين، الذين سيطروا على المنطقة في عام 1461.

حظي دير سوميلا بشعبية بين الحجاج المسيحيين والمسلمين، وكان عبارة عن دير أرثوذكسي يوناني نشط، حتى مطلع القرن العشرين. وفي أعقاب تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، خاض الأتراك واليونانيون العرقيون في الإمبراطورية حربًا أهلية انتهت في عام 1923، بتبادل سكاني هائل بين الأجزاء الآسيوية والأوروبية من الإمبراطورية السابقة.

واختار العديد من اليونانيين الذين يعيشون في جبال البنطس وساحل البحر الأسود القريب، الانتقال إلى اليونان، ضمنًا رهبان دير سوميلا. وخوفًا من تعرضهم للسرقة أثناء رحلتهم إلى اليونان، دفن الرهبان كنوز الدير في مواقع سرية في وادي ألتينديري، على أمل استعادتها في وقت ما في المستقبل.

أصبح الدير المهجور بمثابة مغناطيس لصائدي الكنوز الباحثين عن تلك القطع الثمينة. تم استرداد لوحة باناجيا سوميلا في النهاية من قبل الرهبان، وهي الآن موجود داخل دير نيا سوميلا في شمال اليونان. ومع ذلك، تم تهريب بعض الآثار خارج تركيا وهي الآن موجودة في المتاحف أو المجموعات الخاصة في جميع أنحاء العالم.

أساطير حول نشأة دير سوميلا: تقول الأسطورة أن الدير تأسس بعدما رأى راهبان يونانيان رؤية أرشدتهما فيها العذراء مريم إلى جبال البنطس، حيث وجدا كهفًا، وبُني دير سوميلا حوله.Credit: Resul Kaboglu/NurPhoto/Shutterstock

بحلول سبعينيات القرن العشرين، أطلقت وزارة الثقافة والسياحة التركية المحاولات الأولى للحفاظ على دير سوميلا وتجديده باعتباره كنزًا وطنيًا. وعلى مدار العقود التي تلت ذلك، تم تحسين الوصول لتسهيل زيارات السياح والحجاج.

كانت اللحظة الفاصلة في إعادة إحياء الدير في الخامس عشر من أغسطس/آب 2010، أي عيد انتقال السيدة العذراء مريم، عندما أقام رئيس أساقفة القسطنطينية أول خدمة صلاة أرثوذكسية في دير سوميلا منذ 88 عاماً. والآن تتكرّر هذه الخدمة سنويًا في الخامس عشر من أغسطس/ آب، رغم السماح للمؤمنين بالصلاة طوال العام في كنائس الدير.

نشر
محتوى إعلاني