فريد زكريا يكتب.. هل فقد العالم صوابه؟
هذه مقالة بقلم فريد زكريا مقدم برنامج "غلوبال باليك سكوير" على شبكة CNN، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشبكة.
(CNN)-- هل انفرط العقد وخرج العالم عن نطاق السيطرة؟ سؤال كثيرا ما يعترضني هذه الأيام ولأسباب مفهومة، أنظر إلى الأخبار في غضون الأسابيع القليلة الماضية، أشرطة فيديو لإعدامات تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومحاولة اسكتلندا للانفصال، وجنود روس في أوكرانيا...
هناك حالة تفكك بأجزاء من العالم، ففي الشرق الأوسط، انهار النظام القديم الذي امتد من ليبيا إلى سوريا، وفي روسيا ازداد تمكين وقوة الرئيس، فلايديمر بوتين، مدفوعا بارتفاع أسعار النفط، وهو يحاول إعادة نموذج الاتحاد السوفيتي المنهار، بوتين يختبر استقرار النظام الدولي القديم الذي بني في أعقاب الحرب العالمية الثاني، وينظر إليه باعتبار انه أضعف من ما خمنه معظم الناس.
ولكن لماذا يحدث كل هذا؟... في الشرق الأوسط، حيث ارهقت الشعوب
بواسطة الديكتاتوريات القديمة. لم تكن مستعدة للتداعيات التي ستتلو
ذلك، لكنهم أرادوا أصواتا وحرية أكبر.. والنتيجة كانت فوضى
وعنف، ربما هذه هي المرحلة الوحشية القبيحة التي ستجبر الشعوب على شق
طريقها نحو السلام مع العالم الحديث.. لقد مرت أوروبا بحروبها
الدينية، وحروب قومية، وعالمية قبل أن تستقر على القارة التي هي عليها
اليوم.
وبالمثل، في "أوراسيا، الدافع الحقيقي لما حدث هناك ليس بسبب
الغرب أو آسيا، بل الشعب الأوكراني، قرروا رفض أن يكونوا اتباعا
للكرملين، يتطلعون بحنين نحو بولندا، التي كان اقتصادها بحجم اقتصادهم
حتى عام 1989، لكنه تنامي إلى الضعف حاليا، وتقف الدولة الآن في وضع
جيد ضمن الاتحاد الأوروبي.
بالتأكيد هناك أوكرانيون باعتقادات مختلفة، وهذا تحديدا سبب
الأزمة، إلا أن الأغلبية الساحقة تسعى لرسم مستقبلها مع الغرب. لكن هل
يستطيعون تحقيق ذلك؟، يبقى سؤالا مطروحا على خلفية موقف بوتين الحازم
لتخريب خططهم، لكن مرة أخرى، هذا مؤشر على سعي الشعب لارتباط أقوى
بالعالم المتحضر.
وبالنظر إلى بقية العالم. انتخبت الهند واندونيسيا قادة أكثر ميولا
تجاه الأسواق، والغرب وأمريكا – ديمقراطيون بحزم ورغم ذلك هم وطنيون
أقوياءو في المكسيك وكولومبيا يتولى إصلاحيون الزمام، وفي
إفريقيا العديد من الحكومات من أثيوبيا وحتى رواندا، حيث يمكنك مشاهدة
تقدم حقيقي ملموس في مجالات الصحة والأحوال المعيشية.. لكن هناك
الكثير من الأنباء السيئة الوافدة من تلك القارة.. من إيبولا وحتى
بوكو حرام.. وبالمقابل هناك أنباء جيدة، نمو الاقتصادات وتزايد الطبقة
المتوسطة.
وبنظرة على اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم. تبقى الولايات المتحدة منتعشة اقتصاديا بمجتمع ديناميكي، وتقنيات حديثة تهيمن على العالم، ومصادر جديدة للطاقة من شأنها مدها بالطاقة لأجيال عدة... والصين، رغم كل الضجيج ، لا تزال ملتزمة بالتنمية الاقتصادية أولا، وشرعت في مكافحة الفساد ومحركات الإصلاح، لقد بدأت حتى في معالجة التلوث والتغير المناخي كقضية.
أنا لا أقول أن كل شيء على ما يرام في العالم – جل ما أوحي إليه أننا
في خضم تغيير عالمي كبير. الدافع الأكبر وراء هذا التغيير الأخبار
السارة، ورغبة الشعوب في الحرية والاستقلالية والتكنولوجيات الجديدة
للمعلومات، ولكن نقلة نحو التغيير مربكة، وبدون مؤسسات الحرية
والثقافة المدنية للحرية، هذه الفترة الانتقالية قد تكون خطيرة. قوى
التكامل لا تنتصر تلقائيا على قوى التفكك. لكن هناك العديد من القوى
الخيرة هنا التي تجتاح أيضا العالم، في هذه الآونة.
وبطبيعة الحال، اسكتلندا لم تنتهي إلى الانفصال. ما سجل هدفا واحدا
للتكامل.
هذه المقالة كتبها فريد زكريا مقدم برنامج "غلوبال باليك سكوير" على شبكة CNN، وهو يعبر عن رأيه ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشبكة.