تحليل: خامنئي ينتقد العنصرية بأمريكا.. لكن ماذا عن "حجي فيروز" الأسود والتمييز ضد العرب والأذريين وحكم الفيفاك؟
مقال للباحث السياسي مايكل روبن، وهو يعبر عن رأي صاحبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعاد قرار هيئة محلفين في أمريكا بإسقاط التهم عن عناصر من الشرطة في قضية خنق شاب أسود بمدينة نيويورك المسألة العرقية إلى واجهة النقاش السياسي في أمريكا، ولكن البارز كان دخول المرشد الإيراني، علي خامنئي، إلى حلبة الصراع بتغريدات عبر حسابه بموقع تويتر، انتقد عبرها "السياسية الأمريكية" والتصرفات "العرقية"، كما استخدم وسما خاصا أطلقه ناشطون تحت اسم "حياة السود مهمة".
تعليقات خامنئي في الواقع تشبه قيام ديكتاتور مثل الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بانتقاد الازدحام المفرط بالسجون، أو قيام شخص معروف بعدائه لليهود بانتقاد العداء للسامية، ولكن تلك التغريدات يمكن أن تشكل فرصة للأمريكيين والإيرانيين على حد سواء من أجل التعلم والتثقف.. حول العنصرية وانعدام العدالة في إيران.
في أمريكا، تناقش وسائل الإعلام قضايا التمييز العنصري، كما تناقشها الطبقة السياسية والدراسات الأكاديمية، لأن الأمريكيين ينعمون بحرية التعبير والصحافة ويمكنهم التحدث صراحة بوجه أصحاب القوة دون خوف من التعذيب والاضطهاد، ولكن الأمر ليس كذلك في إيران.
في الأشهر التي أعقبت سقوط نظام الشاه عام 1979، انضم الإيرانيون إلى الثورة لأنهم كانوا قد ملوا العيش تحت الحكم الديكتاتوري، وباتوا يتطلعون للعيش بديمقراطية، وفي ذلك الوقت تمكن زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية، روح الله الخميني، من حشد التأييد لهذه المطالب بين الإيرانيين وتمكن من جمع الشعب والعودة إلى إيران، وتحدث للناس بلغة العدالة الاجتماعية، نافيا أن يكون لديه أي تطلع شخصي للسلطة.
ولكن بعد نجاح الثورة، بدّل الخميني مساره، وبعد أن أعدم عددا كبيرا من ضباط جهاز الأمن السابق "السافاك" الذي كان المرهوب الجانب بعهد الشاه، عاد وقام بمساعدة الضباط الصغار في الجهاز بوضع أسس لبنية أمنية جديدة في إيران هي "الفيفاك" أي وزارة الاستخبارات والأمن الوطني، والتي لم تختلف عن سابقتها إلا من حيث الاسم.
وقد يكون هناك بعض الانخداع لدى الإيرانيين "بالشغف الثوري" لنظام بلادهم، ولكن المرشد علي خامنئي وكبار مساعديه وقادة الحرس الثوري ليسوا كذلك على الإطلاق، وبالمقارنة مع سجون إيرانية "آيفين" و"كهريزيك" فإن السجون الأمريكية تبدو وكأنها أندية للترفيه والتسلية.
وفي الوقت الذي يفترض البعض في الغرب بأن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إصلاحي النزعة، إلا أن الحقيقة تبرز خلاف ذلك. صحيح أن الرجل أزاح قدامى الحرس الثوري من حكومته، ولكنه لم يستبدلهم بشخصيات ليبرالية، بل بقدامى أجهزة "وزارة الاستخبارات والأمن الوطني"، كما أن تزايد وتيرة عمليات الإعدام التي تنفذها الحكومة الإيرانية يدل على أن العدالة أو الرحمة ليسا على رأس أولويات الرئيس الجديد.
هذا إذا بالنسبة للعدالة، أما بالنسبة للعنصرية، فإن بوسع الإيرانيين أيضا التعلم من الدرس الأمريكي، وخاصة مفاهيم التسامح والتعامل الصادق، ففي عام 1986 ظهر الفيلم الإيراني الدرامي، "باشو، الغريب الصغير" والذي يتحدث عن قصة الطفل "باشو" الداكن البشرة، والذي يفر من الحرب مع العراق في جنوب إيران ليلجأ إلى مزرعة في شمال البلاد، وهناك تجده امرأة تعيش في المزرعة، وتحاول تغيير لون بشرته وإزالة السواد منها عبر غسلها.
العديد من سكان جنوب إيران لديهم بشرة داكنة، ويعود السبب في ذلك جزئيا إلى الإرث الذي تركته تجارة العبيد من شرق أفريقيا، ولكن المفارقة أن وزير الإعلام الإيراني في ذلك الوقت، وهو الرئيس الأسبق محمد خاتمي، منع عرض الفيلم في بداية الأمر بحجة أنه "يعكس صورة سلبية عن الحرب" إلى جانب "النبرة العالية" للمطالب النسائية فيه.
الممارسات العنصرية في إيران هي القاعدة وليست الاستثناء، ففي أعياد رأس السنة الفارسية تظهر شخصية "حجي فيروز" وهو مهرج أسود البشرة. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وصف مقال تحليلي في وكالة "بورنا" الإخبارية القريبة من الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "عبد البيت."
ومن الحوادث المعروفة أيضا أنه بعد انتخاب أوباما قامت صحيفة "جمهوري إسلامي" القريبة من المرشد بوصف الرئيس الأمريكي المنتخب بأنه "مهاجر أسود البشرة"، أما نظيرتها التابعة للحرس الثوري، "الصبح الصادق" فقد وصفت أوباما بأنه "الأسود البشرة القادم لإزالة السواد من أمريكا" قبل أن تعود فتنتقده في العدد نفسه لقيامه بتعيين يهود في حكومته.
الاستهداف العنصري في إيران لا يقتصر على السود، إذ أن البعض اليوم يتغنى بـ"التسامح" في المجتمع الإيراني باعتباره من بين الأكثر تسامحا في الشرق الأوسط ويضم ثاني أكبر تجمع لليهود بالشرق الأوسط، إلا أنهم يغضون الطرف فعليا عن أن من تبقى من اليهود في إيران لا يزيد عن سدس عدد من كانوا فيها قبل الثورة، والعدد يتناقص باستمرار بسبب التمييز الرسمي وغير الرسمي ضدهم.
الشعارات المكررة حول تشبيه إسرائيل بالخلية السرطانية، والتي لا تفرق في بعض الأحيان بين إسرائيل واليهود، لديها تأثير أكيد. أما سائر شرائح الشعب فليست أفضل حالا، ففي عام 2006 نشرت صحيفة إيرانية رسما كاريكاتوريا يشبه الأذريين، وهم أكبر الأقليات العرقية في إيران، بالصراصير، أما في عام 2012، فقد حظرت السلطات بمدينة أصفهان دخول الأفغان إلى الحدائق العامة، أما الأقلية العربية في إيران، فهي تعيش في ظروف مشابهة.
من حق أوباما أن يقول بأن على الأمريكيين الشعور بالتفاؤل لأن لديهم الإصرار على مواجهة هذه المشاكل بطريقة مباشرة، ويمكن لأوباما أيضا أن يضع جانبا اتزانه الثقافي والأخلاقي وينصرف إلى الرد على خامنئي بوسائله وتذكيره بأن أمريكا أقل عنصرية من إيران بما لا يقاس.