لماذا يتصدر المرشحون غير التقليديين الانتخابات الأمريكية؟

نشر
9 دقائق قراءة
المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري بالانتخابات الأمريكية لعام 2016، دونالد ترامبCredit: David Becker/Getty Images

كاتبة المقال: ماجدة شاهين، مديرة مركز الأمير الوليد بن طلال للدراسات الأمريكية والبحوث بالجامعة الأمريكية. (الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بأي شكل عن وجهة نظر لـ CNN.)

محتوى إعلاني

ما الذي يجري في الانتخابات الأمريكية .. ظهرت شخصيات في الأفق لم تكن في الحسبان.. يبدو أن الشعب بدأ يثور على النخبة الحاكمة ويؤكد أنه ليس على غفلة بما يجري خلف الكواليس وفي أزقة الحزبين.. وللعلم، فهذه ليست المرة الأولى التي يتقدم فيها مرشحون من خارج التيار التقليدي في الانتخابات، ولكن المثير هو أن يتصدر مرشحان غير تقليديين قائمتي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وهما دونالد ترامب، البليونير الأمريكي، الذي يخلو تاريخه من أي زخم أو رواج سياسي، اللهم التأرجح ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى أن استقر به الحال في الأخير. أمَا الثاني فهو برني ساندرز، وهو من المبعدين داخل الحزب الديمقراطي لأنه ينتمي إلى الجناح اليساري فيه. وبينما يتصدر ترامب قائمة الحزب الجمهوري، حيث ينفرد وحده بـ30% من التأييد داخل الحزب، فإن ساندرز، الذي دخل حلبة السباق مؤخراً، أحدث القلق في حملة هيلاري كلينتون، بما حققه من نجاح في تعبئة الطبقة العاملة وعامة الشعب الأمريكي في الولايات التي زارها حتى الآن للترويج لحملته.

محتوى إعلاني

وعلى الرغم مما تزعمه القيادات داخل الحزبين من أن ظاهرة انفراد هذين المرشحين بشعبية غير معهودة لن تطول أكثر من فترة الصيف، حيث يقوم المرشحون المرجحون من قبل حزبيهما بإعادة ترتيب أوراقهم، فإنه يجب ألاّ نتهاون بقوة الدفع التي اكتسبها كل من ترامب وساندرز في حملتهما الانتخابية. وفي الواقع فإن ما يجذب انتباه الناخب الأمريكي إليهما، هو سعيهما ونجاحهما في إدخال بادرة جديدة للانتخابات، وهي الاستقلالية في طرح آرائهما وعدم الخضوع للسيطرة الحزبية. ويبدو أن الناخب الأمريكي قد سأم طغيان الحزبين له ونفوذ النخبة الحاكمة، وارتأى في كل من ترامب وساندرز التحرر من الضغوط التي تمارس عليه منذ القدم. وربما أراد الناخب الأمريكي بالالتفاف حول ترامب وساندرز تلقين الحزبين درساً وإعلام النخبة الانتخابية بأن عليها الاهتمام أولاً بمصلحة الشعب الأمريكي، يأتي بعد ذلك وفي المرتبة الثانية مصالح الشركات وأصحاب المال.

ويجدر الذكر أن قوة كل من ترامب وساندرز لدى الناخب الأمريكي تكمن في أنهما يسبحان ضد التيار التقليدي، على اعتبار أن أموال وول ستريت والمؤسسات الكبرى لم تفسدهما، كما أنهما لا يقعان تحت سيطرة جماعات الضغط. فهما يلقبان أنفسهما بالمستقلين، ويحرصان في حملتهما على وضع الشعب في المركز الأول من الاهتمام. وعلى الرغم مما يشاع من عدم واقعية وعود ترامب وعدم اتساقها مع سياسات حزبه، مثل بناء جدار كبير لآلاف الكيلومترات على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة حماية لأمن المواطن الأمريكي وتأمين وظيفته ضد الآلاف من المهاجرين المكسيك، أو المطالبة بترحيل الملايين ممن يعيشون في الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، أو ما يطالب به من فرض مزيد من الضرائب على الأغنياء، بما في ذلك عليه شخصياً، فإن جميع هذه المطالب، وإن كانت شديدة التطرف، تلقي استحساناً وقبولاً لدى المواطن الأمريكي. وبالمثل فإن ساندرز بميوله الاشتراكية يأتي بأجندة مغايرة لسياسة حزبه. فهو لا يخشى معاداة الطبقة الغنية له ومحاربة المؤسسات الكبرى لحملته الانتخابية، حيث يطالب ساندرز بفرض ضرائب تصاعدية على الطبقات الغنية بما  يتعارض والمبادئ الأساسية للرأسمالية الأمريكية التي تحمي وتدعم الشركات الكبرى على حساب مصالح الطبقات العاملة. وتوجه لكليهما انتقادات لاذعة، فبينما يتهم ساندرز بأنه اشتراكي، وهي لا شك كلمة معيبة في الولايات المتحدة، ذهب أحد مرشحي الحزب الجمهوري إلى اتهام ترامب بأنه دخيل على الحزب، وتم زرعه من قبل الديمقراطيين لإحداث هذه الزعزعة داخل الحزب الجمهوري لصالح هيلاري كلينتون ومساعدتها على الفوز.

 ومع ذلك، فأحدٌ لا يمكن أن يقلل من شجاعة كل من ساندرز وترامب ومواقفهما غير التقليدية التي يتحديان بها المؤسسة الأمريكية ويخوضان معركتهما الانتخابية تحت شعار "أننا لسنا للبيع"، فهل سيترك لهما العنان أم ستتدخل المصالح في النهاية لتقضي عليهما وعلى الحلم الذي أصبح الشعب الأمريكي متشبثاً به وبقوة؟ بل وتعالت الأصوات التي تطالب بديمقراطية حقيقية في الانتخابات الأمريكية يقول فيها الشعب كلمته. فهل الشعب الأمريكي قادر فعلاً على الوقوف أمام المؤسسة وإحداث تغيير جذري لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي مستهدفاً أساساً هيئة الناخبين نفسها، التي تحدد نتيجة الانتخابات النهائية، بينما لا يعدو عددها الـ 538 شخص من الشخصيات الأمريكية المرموقة (عدد السكان في الولايات المتحدة يفوق ـثلاثمائة واحد وعشرين مليون نسمة، بما يعني أن شخصاً ونصف تقريباً ينوب عن كل مليون شخص في الانتخابات)، على نحو ما أوضحناه في مقال سابق؟   

ويجب التذكير هنا أن الآباء المؤسسين أنفسهم لم يكونوا يوماً مولعين بشكل خاص بالديمقراطية، وكانوا يخشون أن تؤدي الديمقراطية إلى الفوضى، وآثروا تأسيس اتحادهم الفيدرالي من خلال إدارة النخبة. لذلك فإن تصميم النظام الانتخابي جاء لصالح الطبقة الحاكمة. وربما اتسم هذا المسلك في تلك الفترة بالتعقل تحقيقاً للاستقرار والأمان في دولة حديثة النشأة، وربما كانت فكرة الديمقراطية في حد ذاتها مستحدثة في ذلك الوقت لم يسبق ممارستها في الدولة الحديثة بشكل جدي. غير أن اليوم وبعد قرنين ونصف من الزمن .. ألم يحن الوقت للدولة - التي لا تكف عن المزايدة بأنها دولة القيم والديمقراطية - أن تطبق بالفعل الديمقراطية في نظامها الانتخابي؟ هذا سؤال نطرحه ونعلم مسبقاً أنه لا رد عليه أو لن يلقى حتى أدنى اهتمام به.

وإذا ما قمنا بإمعان النظر في حملتي ترامب وساندرز، نجد أن كلا منهما يجسد نقيض الآخر. فبينما تحمل حملة ترامب في طياتها، بما ترفعه من شعار "إرجاع أمريكا لمجدها"، من نغمة عنصرية وغطرسة أمريكية تدفع بمخاطر إعادة سيادة تفوق الجنس الأبيض، يسعى ساندرز إلى إحياء شعبية اليسار لجذب أصوات المهضوم حقهم وضحايا العنصرية، من خلال إظهار الظلم واختلال التوازن في الاقتصاد الأمريكي. ومما لا شك فيه أن مثل هذا التناقض بين الحملتين يمثل خطراً داهماً على استقرار وأمن المجتمع الأمريكي الذي تكاثرت فيه مؤخراً جرائم العنصرية. فحملتي كل من ساندرز وترامب، وإن نجحتا على نحو ما أوضحناه في جذب المواطن الأمريكي العادي، فإنهما ساهما أيضاً فى ترسيخ الانقسامات الموجودة بالفعل داخل المجتمع الأمريكي بين الغني والفقير، القوى والضعيف، الأبيض والأسود، الغطرسة والتواضع. وحيث أن كلاً من ترامب وساندرز يمثلان العنصر الأكثر تطرفاً وتشدداً فيما يطرحانه من آراء ويقدمانه من سياسات، فإن فوز أيهما في الانتخابات، وهو أمر مشكوك فيه، من شأنه أن يزيد الطين بلة ويعمل على تعميق الانشقاق داخل المجتمع الأمريكي ككل ويهدد استقراره.

فهل لنا أن ننتظر المرشح الذي سوف يعمل على توحيد الشعب الأمريكي والاهتمام بمطالبه الحقيقية؟ فهل لنا أن ننتظر المرشح الذي سوف يسعى إلى تذويب التناقضات الضاربة جذور المجتمع الأمريكي؟ لم يتضح الموقف بعد .. وما زال الناخب الأمريكي ينتظر منقذه ومحرره من قبضة حزبيه في الانتخابات القادمة ..

نشر
محتوى إعلاني