السوريون في المغرب.. من عقود الرخاء إلى سنوات البحث عن قليل من الحياة
الرباط، المغرب (CNN)-- منذ اندلاع الحرب في سوريا والكثير من مواطني هذا البلد يهجرونه نحو أراضٍ أخرى، حيث ينعمون بأمان افتقدوه في مدنهم التي تحوّلت إلى مساحة من القتل الجماعي. وجهاتهم كانت متعددة، سواء ناحية بلدان الجوار التي خصّصت لهم مخيمات على حدودها، كالأردن وتركيا، أو ناحية الدول الأوروبية راكبين مخاطر الهجرة السرية التي أودت بحياة المئات منهم، أو ناحية دول المغرب الكبير، ومنها المغرب.
علاقة السوريين بالمغرب لا ترجع إلى بداية الأزمة السورية، فقد سافروا إلى المغرب منذ عقود، واشتهروا بالعمل في بعض المهن كحفر الآبار باستخدام التقنيات الحديثة أو إنشاء مطاعم تقدم أشهى الوجبات المشرقية. بيدَ أن اندلاع الأزمة في بلادهم، دفع بالكثير من أبناء جلدتهم إلى طرق أبواب المغرب بحثًا عن ملجأ يقيهم قساوة التشرّد، أو الاستقرار به مؤقتًا إلى حين إيجاد طريقة للوصول إلى الحلم الأوروبي.
ولئن كانت صورة الصغير آيلان مفجعة وتلخّص الكثير من محن اللاجئين السوريين، فإن صورتهم بالمغرب صدمت الكثير من أبناء البلد، لا سيما عندما تحوّل الكثير منهم إلى التسوّل. وربما أن مظاهر محنتهم، تعدّ من الأسباب، فضلًا عن التزامات المغرب الدولية ومشاركته في ما يعرف بمجموعة أصدقاء سوريا، التي دفعت الجهات الرسمية إلى إعلان تسوية أوضاع الكثير من السوريين بدءًا من عام 2013 في إطار سياسة كبرى للهجرة أعلن عنها الملك محمد السادس.
الوضع العام للاجئين السوريين بالمغرب
سجّلت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في نهاية سبتمبر/أيلول 2015 حوالي 1726 لاجئ سوري، بيدَ أن هذا الرقم لا يشمل كل السوريين القاطنين في المغرب، وذلك بما أن فئات كبيرة منهم يقطنون به قبل الحرب بسنوات. وتقول المفوضية إن عدم اشتراط الجزائر قبل عام 2015 تأشيرة دخول للسوريين، جعل الكثير منهم يتجهون نحوها، وبعدها اجتياز الحدود مع المغرب بشكل سري، وكمثال أن 449 سوري دخلوا مدينة وجدة هذا العام.
بخصوص التدابير الرسمية المغربية، فقد بدأت الدولة عبر لجنة مختصة عملية تصحيح أوضاع الكثير من المهاجرين الأجانب عام 2014، في عملية استفاد منها حوالي 18 ألف مهاجر ولاجئ، نصيب السوريين منها وصل إلى 5250 شخصًا وفق ما سبق لوزارة الداخلية المغربية أن أعلنته. وقد قام المغرب بتصحيح أوضاع هؤلاء السوريين في إطارة مسطرة الهجرة وليس اللجوء حسب ما يؤكده لنا مصدر من داخل اللجنة.
ولم تظهر أرقام رسمية جديدة بالمغرب خلال الأشهر الأخيرة، بيدَ أن المفوضية، زيادة على مصدر رسمي، يؤكدان أن المصالح المغربية تدرس حوالي ما بين 459 و467 طلب لجوء من السوريين، وهو ما يتأكد مع تصريحات مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عندما قال خلال شهر سبتمبر/أيلول إن السلطات لم تقرّر بعد إمكانية استقبال اللاجئين السوريين. وفي حال ما تم تصحيح أوضاع هؤلاء عن طريق مسطرة اللجوء، فستكون أول مرة يعالج فيها المغرب المشكل عن طريقة هذه المسطرة.
عندما تسرق الحرب كل مدخراتك
ليس غسان الطرح لاجئًا بمعنى الفار من بلاده بسبب الأزمة، فعلاقته بالمغرب تعود إلى عام 1990 عندما تزوج من سيدة مغربية، وتوّطدت أكثر بزواجه من ثانية عام 2010 بعد وفاة الأولى. عمل لثلاثة عقود مدرسًا بالكويت وسوريا قبل أن يختار الاستقرار بالمغرب بداية عام 2011 لأجل افتتاح مطعم سوري، بيدَ أن اندلاع الحرب، جمد كل أمواله في بلاده، ممّا حكم على مشروعه بالفشل، وجعله يكتفي في معيشه اليومي بتصحيح أطروحات الدكتوراه للطلبة المغاربة.
تناسى غسان مشاكله المادية وانصرف لمساعدة القادمين من سوريا بعد الحرب. يقول لـCNN بالعربية إن أغلب السوريين الذين سافروا إلى المغرب بعد 2011 قاموا بذلك بشكل غير شرعي بما أنهم لم ينجحوا في الحصول على تأشيرات، ليواجهوا واقعًا صعبًا: "لم تلتزم مفوضية اللاجئين بعهودها، ومساعداتها كانت نادرة وبقيمة مادية تثير السخرية. ولولا مجهودات جمعيات مغربية، كجمعية العمل الاستعجالي في شخص الدكتور شفيق حمودي، لتضاعفت المعاناة".
أما حول الإجراءت الرسمية المغربية، فيقول غسان:" المغرب اهتم أكثر بمعالجة أوضاع اللاجئين الأفارقة، بينما لم تستفد من ذلك سوى فئات قليلة من اللاجئين السوريين. هناك سوريون تفرّق شملهم بسبب مشكل التأشيرات، وآخرون عانوا بشكل فظيع بعد طرد السلطات الجزائرية لهم اتجاه المغرب".
كما يرفض غسان تقبل فكرة تسوّل السوريين بالمغرب:" من يتسوّلون هم الغجر الذي يمتهنون ذلك حتى داخل سوريا، أما غالبية اللاجئين السوريين بالمغرب، فيعملون في مشاريع صغيرة أو مهن موازية لضمان لقمة العيش".
تشرّدت أسرته.. وهو داخل السجن
وتظهر قصة اللاجئ عبد الرحمن الحاج علي، مغايرةً للكثير من قصص أبناء جلدته بالمغرب، فهو يقبع حاليًا في سجن مغربي، بسبب مذكرة تسليم من شريكه وكفيله السعودي، الذي يتهمه بخيانة الأمانة عندما كان عبد الرحمن يعمل بالسعودية. وعلى الرغم من وجود وثائق تثبت شراكته في الشركة التي تهم بالاختلاس فيها، وقضائه حبسًا نافذًا لمدة ثلاثة أشهر في سوريا على خلفية القضية نفسها، إلّا أن عدم حضور محاميه لجلسة المحاكمة الأولى وعدم تسليمه الوثائق الكاملة، كل ذلك أدى إلى إصدار حكم بترحيله إلى السعودية.
وكان لتحرّكات صديقه غسان مع المنظمات الدولية أن تم إيقاف قرار الترحيل، دون أن ينهي ذلك مشاكله، فقد توقف نشاط مطعم كان يدر على أسرته المتكونة من زوجته وثلاثة أطفال ما يكفل لهم لقمة العيش، لتجد الأسرة نفسها عاجزة عن مجابهة مصاريف الحياة، مما اضطرها إلى بيع أثات المنزل والاتجاه نحو أروربا عبر جزر اليونان بشكل سري، وزاد من محنة عبد الرحمن أن انقطعت كل سبل الاتصال بأسرته منذ مغادرتها المغرب، إذ لا يدري هل وصلت سالمة إلى مبتغاها أم هناك أخبار سيئة تنتظره من جديد.
UNHCR: هذه مشاكلنا
يؤكد أنطوني بريجينغ، من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، أنه بسبب الحرب في سوريا، تحوّل كل السوريين الذين غادروا بلادهم، بمن فيهم من قاموا بذلك قبل الحرب، إلى لاجئين حسب تعريفها، وليس إلى مجرّد مهاجرين، ممّا يجعل الحماية الواجبة توفيرها لهم أكبر من تلك المخصصة للمهاجرين.
ويتابع أنطوني لـCNN بالعربية أن اللاجئين المسجلين عند المفوضية يستفيدون من المساعدة الإنسانية التي تقدمها المفوضية وشركاؤها، خاصة الدعم النفسي والقانوني، والتعليم، والصحة، والدعم المالي للفقراء، فضلًا عن مساعدتهم على الاندماج الاجتماعي والمهني، مشيرًا إلى أن هناك عدد من السوريين الذين رفضوا تسجيل أسمائهم عند المفوضية، الأمر الذي حرمهم من الاستفادة.
"غالبية السوريين يفكّرون بالعودة إلى بلادهم بعد تحسّن الأوضاع في بلادهم، وفي انتظار ذلك، سيكون مهمًا مساعدتهم على الاندماج في المغرب. من المهم أن يقدم المغرب قانونًا خاصًا باللجوء، وهو القانون الذي سيضمن الاعتراف بالسوريين كلاجئين وليس فقط كمهاجرين، بما أن صفة لاجئ تمنح حماية أكبر" يقول أنطوني عن UNHCR.
في انتظار قليل من الضوء
مطالب أنطوني حول القانون الخاص باللاجئين تجد سندًا لها في أن النص الذي يعتمده المغرب بخصوص اللاجئين، صدر عام 1957، ولم تطرأ عليه أيّ تعديلات مهمة، كما أنه لا يتضمن بنودًا تفصيلية، وذلك في وقت يعدّ فيه المغرب من البلدان الموقعة على اتفاقية جنيف الخاصة بحماية اللاجئين، وهي الاتفاقية التي تصف المهاجر باللاجئ، كلما كان بلد جنسيته أو إقماته المعتادة، يجري فيه ما يعرّض المعني بالأمر لحظر الاضطهاد.
وفي انتظار إيجاد حلّ للأزمة السورية بما يضمن إنهاء معاناة آلاف اللاجئين، يجد المغرب نفسه في تحدٍ كبير حول قضايا الهجرة، بما أن أوروبا كثيرًا ما تنظر إليه كدركي عليه إيقاف آلاف المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الحلم الأوروبي عبر أراضيه، وهو التحدي الذي يحاول الكثير من الشباب المغاربة المساهمة في رفعه، إذ يعمدون عبر حملات إلى مدّ اللاجئين السوريين المعدمين بما يساعدهم على الحياة، بعيدًا عن الدخول في جدال حول المتسبّبين الحقيقيين بأزمة بدأت على شكل حلم ثورة، وانتهت على شكل حرب بشعة مباح فيها كلّ أنواع الاقتتال.